العلاقات التركية الإسرائيلية تدخل نفقاً مجهولاً بسبب الحرب على غزة

28 أكتوبر 2023
من التظاهرة الحاشدة في إسطنبول بمشاركة أردوغان دعماً لغزة (الأناضول)
+ الخط -

دخلت العلاقات التركية الإسرائيلية مرة جديدة في نفق مجهول، حيث أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، السبت، أنه أصدر توجيهات لدبلوماسيي بلاده في تركيا بغية "إعادة تقييم العلاقات" بين الجانبين.

هذا الإعلان جاء بعد يوم شهدت فيه إسطنبول تظاهرة ضخمة شارك فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأكثر من مليون متظاهر، حيث أطلق أردوغان تصريحات شديدة اللهجة حيال إسرائيل.

وأوضح وزير الخارجية الإسرائيلي، في تدوينة على منصة إكس، أنه أصدر تعليمات للدبلوماسيين الإسرائيليين في تركيا، بالعودة بهدف "إعادة النظر في العلاقات التركية الإسرائيلية".

في المقابل، أفادت مصادر دبلوماسية تركية لوكالة الأناضول، السبت، بمغادرة الدبلوماسيين الإسرائيليين للبلاد منذ 19 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.

وأكدت المصادر التركية في هذا الإطار أنّ الدبلوماسيين الإسرائيليين في تركيا قد غادروا البلاد بالفعل منذ مدة. وأضافت: "الدبلوماسيون الإسرائيليون ليسوا في تركيا بالوقت الحالي، فقد غادروا بلادنا اعتباراً من 19 أكتوبر".

وأكدت أنه "في المذكرة التي أرسلوها إلى الخارجية التركية في 18 أكتوبر، ذكروا أنه في ضوء التطورات الأخيرة، سيغادر الدبلوماسيون في السفارة تركيا اعتبارا من 19 أكتوبر". وقالت المصادر: "من الصعب أن نفهم لمن أوعز كوهين بالعودة (إلى إسرائيل)، لأن الدبلوماسيين الذين ذكرهم في بيانه غادروا بلادنا بالفعل".

وكان الدبلوماسيون الإسرائيليون لدى سفارة تل أبيب في أنقرة، ومن بينهم السفيرة إيريت ليليان، غادروا تركيا في 19 أكتوبر لأسباب "أمنية".

تجدر الإشارة إلى أن هذا الوضع الراهن يأتي بعد الهجمات الإسرائيلية العنيفة على قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

وتشن إسرائيل منذ 22 يوماً عملية عسكرية في قطاع غزة أطلقت عليها اسم "السيوف الحديدية"، دخلت مرحلة جديدة الجمعة بقطع الاتصالات وشبكة الإنترنت عن القطاع. ومنذ ذلك الحين دمرت إسرائيل أحياء بكاملها، وأوقعت 7703 شهداء، بينهم 3195 طفلاً، و1863 امرأة، إلى جانب 19743 أصيبوا بجراح مختلفة.

وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين تركيا وإسرائيل، خلال السنوات الأخيرة بعد فترة من التوتر وتخفيض التمثيل الدبلوماسي، إلا أن الرئيس التركي أبدى انتقادات حادة تجاه إسرائيل ووصف هجماتها على غزة بأنها "وحشية".

وأعرب أردوغان خلال خطابه في إسطنبول عن عزم بلاده على إعلان إسرائيل "مجرمة حرب" أمام المجتمع الدولي. وأضاف: "كنا نعلم أن إسرائيل ستنزعج من قولنا إن حماس ليست منظمة إرهابية، ومع ذلك عبرنا عن موقفنا بوضوح".

وأردف أردوغان قائلاً: "سنعلن للعالم بأكمله أن إسرائيل تمارس جرائم حرب، ونحن نعمل جاهدين على توضيح ذلك. ما يحدث في غزة ليس دفاعاً عن النفس، بل هو مجزرة واضحة وفاضحة. إنهم يسعون للقضاء على سكان غزة بشكل جماعي من خلال التجويع والعطش وتدمير البنية التحتية الصحية للسكان".

وأشار إلى أن "إسرائيل لا تظهر أدنى اهتمام بحياة الأفراد، وتعلن بوضوح عن معرفتها بفنون القتل. ومع ذلك، ستدفع ثمناً باهظاً لأفعالها".

وقبل حدوث "طوفان الأقصى"، شهدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل تحسناً ملحوظاً، حيث جرى لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأردوغان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولحقت ذلك تصريحات من أردوغان تعبر عن استعداد نتنياهو لزيارة تركيا، ليعلن أردوغان بعدها عن عزمه زيارة إسرائيل.

في مارس/ آذار 2021، شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية منعطفاً جديداً مع زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى تركيا. وقبل ذلك، خلال الـ14 سنة السابقة، شهد الطرفان علاقات متذبذبة وأزمات سياسية حادة، حيث غابت الزيارات رفيعة المستوى. ومع هذا التباين، لم تصل العلاقات إلى مرحلة القطيعة الشاملة بين الجانبين، حتى خلال أزمة عام 2010 والحادثة التي أسفرت عن سقوط ضحايا أتراك مدنيين نتيجة هجوم إسرائيلي على قافلة "أسطول الحرية" التي كانت في طريقها إلى قطاع غزة في ذلك العام.

وفي خلال زيارة هرتسوغ، نوقش تطوير وإعادة تقييم العلاقات التركية الإسرائيلية في جوانبها المتعددة، بالإضافة إلى مناقشة التعاون المستقبلي، وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة. وتلتها زيارات من وزراء ومسؤولين من الجانبين، وتعيين سفراء متبادلين.

زيارة هرتسوغ كانت الأولى لمسؤول إسرائيلي إلى تركيا منذ العام 2008، والأولى لرئيس إسرائيلي إلى تركيا منذ عام 2003. وتجاوزت هذه الزيارة تحديات كبيرة في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وذلك خصوصاً بعد الأزمة التي نشأت عقب هجوم إسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" في عام 2010، حيث كانت تلك السفينة متجهة إلى غزة. وقد أثرت هذه الأزمة بشكل كبير على العلاقات بين الجانبين، حيث سقط 9 مواطنين أتراك وقتل شخص من الجنسية الأميركية من أصل تركي، وأصيب آخرون.

ومع ذلك، على الرغم من هذه التحديات، شهدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل تطوراً إيجابياً نتيجة تأثرهما بالأوضاع الإقليمية والدولية، بما في ذلك الحرب الروسية في أوكرانيا والبحث عن بدائل للغاز والنفط الروسيين بدعم من الولايات المتحدة، فضلاً عن رغبة دول حوض شرق المتوسط في التعاون لاستخراج النفط والغاز، والتي ساهمت أيضاً في تعزيز العلاقات بينهما.

كذلك شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية تذبذباً خلال سنوات عديدة، وكانت القضايا المتعلقة بفلسطين والقدس والقضايا العربية تلعب دوراً أساسياً في تلك العلاقات. بدأت العلاقات التركية الإسرائيلية في عام 1949 مع الاعتراف الرسمي من جانب تركيا بدولة إسرائيل، وتعيين أول سفير تركي في إسرائيل في عام 1950. استمرت العلاقات على مستوى السفراء حتى عام 1956 قبل أن تتأثر بسبب العدوان على قناة السويس.

في عام 1963، عاد مستوى التمثيل الدبلوماسي ليكون على مستوى السفراء مرة أخرى، ولكن حرب عام 1967 واحتلال القدس أثرا أيضاً على علاقات الجانبين، وأدت إلى تخفيض التمثيل الدبلوماسي التركي إلى مستوى الكاتب الثاني.

في ثمانينيات القرن الماضي، شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية تحسناً في ظل تدهور علاقات تركيا مع سورية بسبب نشاط حزب "العمال الكردستاني" داخل الأراضي السورية. وبلغت العلاقات ذروتها في تسعينيات القرن مع عودة التمثيل إلى مستوى سفير في عام 1992. وجرى هذا التحسن في العلاقات بفعل محادثات مؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو.

ومع تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا عام 2002، بدأت العلاقات بين الجانين تتدهور بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة في عام 2008، وهي تعتبر بداية التراجع في العلاقات الثنائية.

وفي عام 2009، وقعت حادثة "وان منت" الشهيرة في منتدى دافوس، حيث هاجم الرئيس التركي أردوغان نظيره الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز واتهم القادة الإسرائيليين بأنهم "قتلة". تبع ذلك في عام 2010 هجوم إسرائيلي على قافلة "أسطول الحرية"، مما أدى إلى تدهور جديد في العلاقات الثنائية وانخفاض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى الكاتب الثاني.

استمرت العلاقات الدبلوماسية بمستوى منخفض لست سنوات، ورفعت قضايا جنائية ضد مسؤولين إسرائيليين في المحاكم التركية. ولكن بفضل جهود أميركية، اعتذرت إسرائيل عن الأحداث وقبلت دفع تعويضات لذوي الضحايا والجرحى، فيما رفضت رفع الحصار عن قطاع غزة.

وعين سفير تركي في إسرائيل مرة أخرى في عام 2016، لكن ذلك لم يستمر طويلاً وسحبت تركيا سفيرها من إسرائيل نتيجة للتطورات في القضية الفلسطينية وجهود إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتعزيز حكومة بنيامين نتنياهو وتغيير سياستها تجاه القدس.

ومع حلول العام 2021 وفي ظل التطورات العالمية بعد جائحة كورونا وتولي جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة، شهدت العلاقات بين الطرفين انطلاقة جديدة، مع الإشارة إلى أنها لم تنقطع بشكل كامل في أي مرحلة من المراحل.

المساهمون