يكتشف السوريون في كل عيد يمرّ عليهم، أنه أصعب من الأعياد السابقة، على الرغم من قساوة ظروفهم في السنوات الماضية، إذ عاشوا تحت وابل القصف بكل أنواع الأسلحة، وتحت وطأة تهجير قسري شردهم من بيوتهم، أو نزوح اختياري هرباً من الموت إلى مناطق أكثر أمناً.
واستقبل السوريون العدد الأكبر من الأعياد تحت وطأة ظروف قاسية لا يمتلكون فيها أدنى مقومات الحياة ومستلزمات العيش، لدرجة لم تمكنهم من ممارسة معظم طقوس العيد، بسبب ضيق الحال، وفقدان الأهل، إما بالنزوح، أو اللجوء، أو الموت تحت القصف، واقتصرت تلك الطقوس على تبادل التهاني والأمنيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعيد قادم أفضل.
إلا أن ظروف عيد الفطر الحالي قد تجاوزت في سوئها كل الأعياد التي مرّت على السوريين، وبشكل خاص سكان الشمال الغربي من سورية، لأنهم يواجهون مصائب إضافية، إذ جاءت كارثة الزلزال الذي وقع في 6 فبراير/ شباط الماضي، لتزيد من معاناتهم وشقائهم، ولا تزال آثارها ماثلة حتى الآن.
لكن المصاب الأكبر الذي حلّ بسكان الشمال السوري، والذي يضم الحاضن الشعبي للثورة، وباللاجئين السوريين في دول الجوار، وبشكل خاص في تركيا ولبنان والأردن، هو تخلي معظم الدول من داعمي ثورتهم عنهم، واستدارتها باتجاه التطبيع مع نظام بشار الأسد بخطى متسارعة.
هذا الأمر خلق لدى اللاجئين السوريين في تلك الدول حالة من القلق والخوف على مصيرهم. في تركيا يعيش اللاجئون السوريون حالة ترقب لنتائج الانتخابات التركية الشهر المقبل، ويقوم برنامج المعارضة الانتخابي فيها على وعود بطرد السوريين من البلاد.
كما أن الحكومة الحالية قطعت شوطاً في التطبيع مع النظام والذي يستند في أحد بنوده إلى إعادة اللاجئين. أما المهجرون في دول الجوار الأخرى، فقد بدأت بوادر إعادتهم بشكل قسري من لبنان فور الإعلان من جدة عن خطة تطبيع عربية مع نظام بشار الأسد.
أما سكان الشمال السوري الذين بدأوا عيدهم بحملات مناهضة للتطبيع مع النظام، فقد استقبلوا عيد الفطر وهم بحالة من الهلع مما ستؤول إليه أوضاعهم نتيجة التوجه العربي والتركي للتطبيع، لأن كل الخيارات ستكون كارثية عليهم إذا سارت الدول المطبّعة بمشروعها على طريق شرعنة نظام الأسد، والتقارب معه.
وسيكون أسهل الخيارات إعطاء المزيد من الشرعية للنظام على حساب تهميش المعارضة، وبالتالي فرض حصار على مناطقها، ما يعني المزيد من البؤس والشقاء. أما خيار فرض مصالحة على أهالي الشمال على غرار المصالحة في الجنوب فسيكون شبه مستحيل في ظل الرفض القاطع له من كل مكونات المنطقة، بالإضافة إلى أن وجود عدد هائل من الفصائل المسلحة سيحوّل المنطقة إلى بؤرة توتر.
أما الخيار العسكري لإعادة مناطقهم إلى سيطرة النظام فسيكون خياراً كارثياً، ومن شأنه أن يودي بحياة الآلاف من السكان الذين لم يعد لديهم مكان آخر يمكن حشرهم فيه من جديد.