جولة جديدة يخرج منها المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، منتصراً على محاولات المسؤولين السياسيين، المدعى عليهم في القضية، إبعاده عن الملف ليعاود مهامه، بعدما قررت الغرفة 12 في محكمة الاستئناف الرجوع عن قرار القاضي حبيب مزهر بكف يده.
وتصدى محامو الضحايا الأجانب من الفئات المهمشة، مازن حطيط وفاروق المغربي وطارق الحجار وحسام الحاج بورشة، لقرار مزهر الذي اعتدى فيه على الملف 69، بهدف عرقلة التحقيق، حيث إن وكلاء المدعى عليه، وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، تقدموا بطلب لرد القاضي البيطار أمام الغرفة 12، برئاسة القاضي نسيب إيليا، حمل الرقم 69، ومن ثم تقدموا بطلبٍ لردّ القاضي إيليا الناظر بطلبات الردّ المقدمة بوجه المحقق العدلي، وقد حمل الرقم 72، وتمّت تنحية إيليا عن الملف.
عندها عيّنت الغرفة 15 القاضي مزهر للبتّ بطلب الردّ بموضوع القاضي إيليا، إلا أنه عمد إلى ضم الملف 69 إلى 72 بطريقة غير قانونية، وقرر من تلقاء نفسه، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كف يد البيطار وطالبه بتسليمه كل الأوراق والملفات المتصلة بالتحقيق، فسارع المحامون المذكورون لطلب فصل الملفين وفضح التجاوزات ومتابعة القضية بكل تفاصيلها، وفك العراقيل التي وضعت حتى الوصول إلى القرار المتخذ اليوم.
معركة لم تنتهِ
وأشارت الغرفة 12 في قرارها إلى أن مزهر لا يملك حق إصدار القرار قانوناً، وبالتالي اعتبرته كأنه لم يكن، وأبطلت جميع مفاعيله، وأبلغت المحقق العدلي مضمون القرار لمتابعة السير بتحقيقاته.
ويقول مصدر قانوني متابع للقضية لـ"العربي الجديد"، إن "المعركة لم تنتهِ حتماً والمدعى عليهم من السياسيين لن يستسلموا وسيواصلون التقدم بطلبات تهدف إلى عرقلة التحقيق وإبعاد البيطار، وستكون وجهتهم بشكل أساسي محكمة التمييز والهيئة العامة التمييزية، وغيرها من الوسائل التي سيلجؤون اليها ضمن جولتهم الجديدة، أقله حتى تنضج برأيهم التسوية السياسية التي يعوّلون عليها في مجلس النواب وتحيلهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي يحتمون به، كونه غير مفعّل وبمثابة جثة هامدة".
محكمة التمييز والمنظومة السياسية
وكانت محكمة التمييز ردّت الدعاوى المرفوعة لتنحية المحقق العدلي، وترافق ذلك مع سلسلة قرارات شكلت كلها ضربة قاضية للمنظومة السياسية، فسارعت "حركة امل" (يتزعمها نبيه بري) إلى اعتبار "القرارات الأخيرة صادرة في مسار التحقيقات غب الطلب عن المتحكمين بهذا الملف والتي لا تستقيم مع كل المعايير القانونية والدستورية وتشكل فضيحة بكل معنى الكلمة".
في السياق، وبالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس النواب في قصر الأونيسكو، صباح اليوم الثلاثاء، نفذّ أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت اعتصاماً رفضاً لمحاولات السلطة السياسية عرقلة التحقيقات وتحجيم صلاحية المجلس العدلي وإبعاد القاضي البيطار عن الملف.
قضاء ليس بخير
يأتي ذلك في ظل ما يحكى عن تسوية سياسية حصلت بين الرؤساء الثلاثة، ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي، لتأمين نصاب جلسة مجلس النواب التي تفتح الباب أمام إحالة ملف ملاحقة الرؤساء والوزراء إلى المحكمة الخاصة، وهو ما يعبّد الطريق تلقائياً لدعوة ميقاتي مجلس الوزراء للانعقاد من جديد، بيد أنها ما تزال تصطدم بملف انتخابات المغتربين الذي يضعه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل على طاولة التسوية.
وكان لافتاً تصريح عون لجريدة "الشرق القطرية" بأن "مجلس النواب سيفصل لمن ستؤول صلاحية محاكمة الرؤساء والنواب والوزراء"، وهو ما رفع صوت الأهالي أكثر لقطع الطريق أمام أي تسوية هي التي تصطدم أيضاً بالضغط الشعبي الرافض لإبعاد البيطار عن الملف، وكذلك الدولي الذي يراقب بدوره كيفية سير القضية.
وأكد رئيس الجمهورية ميشال عون خلال استقباله نقيب المحامين الجديد في بيروت ناضر كسبار اليوم أن "لبنان يحتاج في هذه المرحلة إلى أن يكون جناحا العدالة، أي القضاة والمحامون، سداً منيعاً في وجه الفساد والتدخلات السياسية التي تحجب الحقائق وتعرقل وصول الحقوق إلى أصحابها".
ولفت إلى أن "القضاء في لبنان ليس بخير، وعلى الجميع العمل من أجل حمايته ومنع الضغوط على القضاة".