تتصاعد المطالبات السياسية في الجزائر بضرورة الإسراع في إجراء مراجعة لقانون البلدية والولاية، بهدف تحرير البلديات من قبضة السياسات المركزية ومنح المنتخبين حرية المبادرة في تسيير الشأن العام والمشاركة بخطط التنمية.
وقال السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، في كلمة ألقاها في تجمع للمنتخبين في بجاية، أمس الجمعة، إنه يتعين "الحد من تبعات السياسات المركزية، والتبعية والوصاية المفروضة على المنتخبين التي تحد بشكل كبير من هامش حركتهم وتعيقهم في تطبيق تصورهم للنهوض بمناطقهم وتنميتها وهو الواقع الذي يجب أن يتغير حتى يرقى ممثل الشعب إلى مكانته المستحقة عوض جعله موظفا حبيس مخططات ترقيعية لا نهاية لها".
من هذا المنطلق، شدد أوشيش على ضرورة "صياغة قانون جديد للبلديات يزود المنتخبين المحليين بالصلاحيات اللازمة والإمكانيات الضرورية التي تتطلبها مهامهم وتستدعيها رؤيتهم المحلية للتنمية وللتكفل بانشغالات المواطنين بالأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة".
كما طالب بمنح صلاحيات أوسع للمجالس المنتخبة، على حساب الصلاحيات التي يهيمن عليها حكام الولايات الذين يعينهم رئيس الجمهورية.
وقال: "من غير المعقول ومخالف للمنطق الكلام عن تنمية محلية ومستدامة في ظل غياب الديمقراطية وافتقار المجالس المنتخبة لأدنى الصلاحيات"، موضحاً أن "مركزية القرار والسلطات تتنافى مع الخطابات الرنانة للسلطة في هذا الصدد".
وتساءل: "إلى متى تبقى بلديات وولايات الوطن رهينة السياسات والقرارات الفوقية والتي تكون غالباً منافية للواقع ولطموحات واحتياجات المواطنين؟".
وشدد على "وقف الضغوط والتحرشات ضد المنتخبين المحليين الذين يتعرضون لكل أنواع الضغوط إدارية، أمنية أو قضائية، وبعضهم يقبع بالسجن لأمور تتعلق بتسييرهم الشأن العام وأخرى تتعلق بمواقفهم، لذلك نطالب مرة أخرى بإنصافهم".
وتضم الجزائر 1541 بلدية، و58 ولاية، ويجري انتخاب مجالس محلية منتحبة تدير البلديات عبر الاقتراع العام، لكن السلطة المركزية تبقي كثيراً من الصلاحيات في إدارة شؤونها، بيدها عبر حكام الولايات الذين يعينهم رئيس الجمهورية، ما يبقي البلديات رهينة للقرارات والخيارات المركزية، ويضعف بشكل بالغ حرية المنتخبين في البلدية في المبادرة في تدبير الشأن المحلي وبرمجة المشاريع الخدمية بيد السلطة وحكام الولايات.
وتسابق أحزاب سياسية سن الحكومة لقانون جديد للبلدية والولاية، بطرح مقاربات تضمن تحرير البلديات والأقاليم من السياسات المركزية، ومنحها قدرات للإدارة الذاتية في تسيير الشؤون العامة، وصلاحيات لجمع التمويلات الذاتية والضرائب المحلية وبرمجة المشاريع التنموية.
وفي السياق، عقدت الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم، يوماً برلمانياً حول "قانون الجماعات المحلية نحو تمكين أكبر للمنتخبين"، شاركت فيه مجموع الكتل النيابية وخبراء في القانون ورؤساء بلديات.
وقال رئيس كتلة مجتمع السلم، أحمد صادوق، إنه يتعين "رفع الوصاية البيروقراطية عنهم والذهاب بشجاعة ومسؤولية إلى اللامركزية خاصة أن الجزائر بلد التنوع الجغرافي والاجتماعي والشساعة".
وطالب "بإعادة النظر في مستوى الوصاية والتدخل وخاصة وصاية الولاية على أعمال هذه المجالس، إذ لا يمكن إخضاع أو الإبقاء على الوصاية المفرط فيها التي تمارسها الولاية الآن على الهيئات المنتخبة، وتحرير المبادرة لدى المجالس المنتخبة في البلديات".
كما طالب صادوق السلطات المركزية بمراعاة خصوصيات كل إقليم محلي، وتوكيل الإدارة المحلية وهيئاتها المنتخبة بتدبير الشأن المحلي، وتمكينها من الصلاحيات، وتحرير المبادرة لبعث الاستثمار المحلي، خاصة مع التراجع المتزايد للدعم والتمويل المركزي.
وتطرح مشكلات تسيير البلديات والأقاليم بجدية في الجزائر، بسبب تباين مقدرات كل إقليم وخصوصياته الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، خاصة بسبب بروز سطوة القرار المركزي وهيمنة الموظفين الحكوميين المعينين في الولايات أيضاً، في علاقة بتجاوز حكام الولايات لما يعرف بالمجالس الشعبية الولائية (البرلمانات المحلية)، والتي تبدو مشاركتها ضعيفة في صناعة قرارات التنمية والتخطيط في الولايات، وهو ما دفع رئيس حزب صوت الشعب لمين عصماني خلال لقاء مع كوادر حزبه في منطقة خنشلة شرقي الجزائر، إلى وصف "المجلس الولائي" بأنه أصبح مجرد "بروتوكول سياسي فقط، لا سلطة له في الولاية".
وطالب من جهته "بالإسراع في تغيير قانون البلدية والولاية في أقرب الآجال من أجل أن تكون المجالس المحلية المنتخبة بمثابة برلمان مصغر، وتوسيع صلاحيات المنتخب المحلي".