استمع إلى الملخص
- **الاحتفاظ بوجود عسكري في غزة**: المناطق العازلة تعني احتفاظ الاحتلال بجزء من أرض غزة، مما يمنع السكان من العودة لمنازلهم وأراضيهم الزراعية، رغم تحقيق المقاومة بعض المفاجآت.
- **السيطرة الإسرائيلية وإحكامها على غزة**: تهدف المناطق العازلة إلى إبقاء السيطرة الإسرائيلية على غزة، مع إعاقة عمليات الإغاثة والإعمار، بينما تواجه إسرائيل نقاط ضعف قد تؤدي إلى انسحابها الكامل.
يوسع جيش الاحتلال الإسرائيلي يوماً بعد يوم المناطق العازلة التي تفصل الأراضي المحتلة عن قطاع غزة والأراضي المصرية عن مدينة رفح الفلسطينية في ما يعرف بمحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، في مسعى لإبعاد "أي أخطار" عن مناطق الغلاف، ولمنع ما يقول إنه تهريب أسلحة من مصر إلى القطاع المحاصر والمدمر. وهذه المناطق العازلة التي باتت تقضم المزيد من الأراضي الواقعة على الخط الفاصل في القطاع الصغير مساحة وذي الكثافة السكانية العالية، ستؤثر على الواقع السكاني والسياسي في القطاع بعد انتهاء الحرب، مع الإصرار الإسرائيلي على توسيع المناطق العازلة والعمل على تثبيتها في أي اتفاق لوقف إطلاق النار في المرحلة المقبلة.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية القاسية على غزة قبل نحو عشرة أشهر بدأ جيش الاحتلال العمل على إقامة مناطق عازلة شمالي وشرقي القطاع على الشريط المحادي مع الأراضي المحتلة عام 1948 بمسافات مختلفة، وجرف ودمر كل شيء في هذه المناطق ليتمكن من السيطرة أمنياً عليها، حتى لو انتهت الحرب، فيما وسع المنطقة العازلة وسط قطاع غزة في محيط موقع "نيتساريم" العسكري الجديد الذي يفصل وسط وجنوب القطاع عن شماله.
وقبل أيام قليلة رصد ناشطون ووسائل إعلام إسرائيلية إنشاء جيش الاحتلال منطقة عازلة في أقصى جنوب القطاع المحاذي لمصر على امتداد محور فيلادلفيا من معبر كرم أبو سالم شرقاً وحتى ساحل البحر الأبيض المتوسط غرباً. ونسف الجيش الإسرائيلي ودمر المربعات السكنية على امتداد الحدود مع مصر من الناحية الفلسطينية. وتراوح مساحة المنطقة العازلة، وفق مصادر قبلية تحدثت لـ"العربي الجديد"، ما بين 700 و1500 متر في بعض المناطق على الحدود مع مصر، لكنها على حدود غزة مع الأراضي المحتلة تزيد عن ذلك وهي تراوح ما بين 1000 و3000 متر. وبات محور فيلادلفيا يقع بين منطقتين عازلتين، الأولى أقامها الجيش المصري في منطقة رفح المصرية قبل سنوات بمسافة خمسة كيلومترات، وفي الجانب الفلسطيني مسافة كيلومتر واحد تقريباً، تتسع أو تضيق حسب المنطقة.
أسامة خالد: المناطق العازلة تهدف لمنع المقاومة من إجراء أي تماس مع المواقع والنقاط الإسرائيلية
الاحتفاظ بوجود عسكري في غزة
وقال الخبير العسكري والأمني أسامة خالد، لـ"العربي الجديد"، إنّ ذلك يعني احتفاظ الاحتلال الإسرائيلي بجزء من أرض قطاع غزة على الحدود الجنوبية مع مصر والمناطق الشرقية والشمالية المحاذية لفلسطين المحتلة عام 1948، وبالتالي وجوده عسكرياً، سواء كان ذلك بالقوات أو بالسيطرة النارية على طول محاور ونقاط المناطق العازلة وحرمان الكثير من الغزيين من العودة لمنازلهم ومناطقهم السكنية ومنع كثير من المزارعين ممن كانوا يعتاشون من أراضيهم الزراعية في المناطق الشرقية والشمالية من العودة لأراضيهم.
وأضاف أنّ المناطق العازلة هي مناطق عسكرية مغلقة يمنع على السكان الاقتراب منها أو دخولها، وبالتالي تصبح الحركة فيها شبه معدومة وتوفر جزءاً من الأمان للقوات المقابلة لها، غير أنه لفت إلى أنّ المقاومة الفلسطينية كانت قادرة، رغم المناطق العازلة سابقاً، على تحقيق بعض المفاجآت ضمن استراتيجياتها في العمل العسكري وتطويع الأرض والأدوات لتفادي أي معيقات.
وبالنظر إلى الاهتمام الإسرائيلي بالمناطق العازلة، يرصد خالد ذلك من خلال القول إنّ ما يجري ضمن خطة وأهداف أمنية وعسكرية وسياسية من وجهة النظر والتخطيط الإسرائيلي تقوم على منع المقاومة الفلسطينية من إجراء أي تماس مع المواقع والنقاط الإسرائيلية على طول الخط الفاصل مع قطاع غزة، ومنعها من تحقيق عمليات الرصد والاستطلاع وجلب المعلومات عن مواقعها ومستوطنات ما يعرف بغلاف غزة.
إبراهيم المدهون: المناطق العازلة لإبقاء السيطرة الإسرائيلية وإحكامها على قطاع غزة
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يرى في المناطق العازلة شمالاً وشرقاً، والتي يقول الإسرائيليون إنها "لوقف خطر الأنفاق الاستراتيجية العابرة للجدار الفاصل والتقليل من خطر النيران القوسية والمباشرة نحو القواعد ونقاط التمركز لقوات الجيش الإسرائيلي"، جزءاً من خطة متكاملة لمنع تكرار السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وتحقيق سيطرة أمنية وعسكرية على قطاع غزة. غير أنّ الخبير العسكري والأمني الفلسطيني أوضح أنّ ما يقوم به جيش الاحتلال ليس إقامة مناطق عازلة جديدة، بل هو إكمال ما يعرف بـ"التجهيز الهندسي" للمنطقة العازلة التي تمتد من أقصى شرق بيت حانون وحتى أقصى شرق رفح، ومن أقصى شمال شرق بيت حانون وحتى أقصى شمال غرب بيت لاهيا، مع توسيع مستمر لمحور "نيتساريم" جنوباً وشمالاً لتحقيق تأمين أعلى لقواته المتمركزة، إضافة لتجهيز هندسي في محور فيلادلفيا في رفح.
المناطق العازلة لإحكام السيطرة على غزة
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ المناطق العازلة تهدف إلى إبقاء السيطرة الإسرائيلية وإحكامها على قطاع غزة والتحكم بكل ما يدخل وما يخرج منه، مشيراً إلى أنّ هناك توجهاً جمعياً إسرائيلياً لعدم ترك القطاع بعد ما جرى في السابع من أكتوبر وإبقاء حالة التحكم، ولكن الخلاف حول هل هو حكم عسكري شامل، أو إدارة محدودة، أم سيطرة جزئية عبر الاكتفاء ببعض الإجراءات على الخطوط الفاصلة بالتعاون مع قوى عربية أو فلسطينية.
وأشار المدهون إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي لن يخرج من غزة إلا من خلال الضغط العسكري، وحتى اللحظة الضغط العسكري والضغط السياسي والدبلوماسي والضغط الإقليمي غير كافٍ لجعل الاحتلال يتراجع، لذلك هو يومياً يقوم بتعظيم وجوده وتمركزه، وأعاد للمفاوضات شرط رفض الانسحاب من "نيتساريم" ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وعدم إعطاء حق الحركة للفلسطينيين داخل القطاع.
ولفت المدهون إلى أنّ الاحتلال معني بإنشاء واقع جديد في قطاع غزة يضمن له التفوق والسيطرة والقدرة على الإغارة والاعتقال والاستهداف لكل ما يتحرك، وسيعمل على إعاقة كل عمليات الإغاثة والإعمار لإطالة أمد معاناة الشعب الفلسطيني. غير أنه أشار إلى نقاط ضعف إسرائيلية في ظل تراجع القوة العسكرية وتراجع القبول الدولي وحالة الغضب والسخط في الرأي العام العالمي والإشكاليات الداخلية، وكلها عوامل قد تنفجر وتوصل إلى انسحاب الاحتلال الكامل والشامل من القطاع. وأوضح أنّ المقاومة ترتب أوراقها من أجل المواجهة إلى ما بعد حالة الهدوء والمراحل المقبلة، وإن بقي الاحتلال في المناطق العازلة ومنطقة الوسط ومحور صلاح الدين في الجنوب، فهي قادرة على تحويل هذه المحاور والمناطق لمحاور ومناطق موت كما كانت قبل الانسحاب الإسرائيلي في العام 2005.