اليمين الفاشي وإعادة حكم غزّة عسكرياً

29 سبتمبر 2024
جنود إسرائيليون أمام المباني المدمرة في قطاع غزة في 13 سبتمبر (شارون أرونوفيتش/فرانس برس)
+ الخط -

يعكس إصرار رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو على بقاء جيش الاحتلال في محوري صلاح الدين والشهداء في أي تصورات لوقف الحرب، أو صفقة جزئية لإطلاق سراح الأسرى الصهاينة، رغبة اليمين الديني الفاشي المتطرف الحاكم في عودة الحكم العسكري المباشر أو غير المباشر لقطاع غزة، كما قد يعود الاستيطان مجددا إلى محور الشهداء (مستوطنة نتساريم سابقاً)، أو مناطق أخرى في شمال قطاع غزة، مع الأخذ بعين الاعتبار الأهداف الأخرى لإصرار نتنياهو على البقاء في هذين المحورين، من قبيل إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة، لقضايا شخصية مصلحية وحزبية داخلية، ولمنح المرشح الجمهوري دونالد ترامب فرصة أكبر للفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة.

في حين تمثل إعادة الحكم العسكري وعودة الاستيطان في غزة، بالنسبة للثنائي بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، شركاء نتنياهو الأساسيين في الائتلاف الفاشي الحاكم، الأولوية العليا لهما، بل ولقطاع واسع من المتطرفين الفاشيين في حزب الليكود، الذي يقوده نتنياهو ويشكل العمود الفقري للائتلاف الحاكم، لذا هددا علناً بإسقاط الحكومة، ومعها نتنياهو، إذا ما مضى قدما في خطط وقف حرب الإبادة والانسحاب من غزة. تستند قناعتهما تلك إلى الرؤية التوراتية "المسياحانية" لدولة المستوطنين الكبرى، الممتدة من البحر إلى غربي نهر الأردن، بأقل عدد ممكن من الفلسطينيين، بعد تهجير معظمهم قسرياً إلى شرق نهر الأردن، المعروف في أدبيات اليمين الديني الصهيوني الفاشي بـ"الوطن البديل"، وهي الرؤية التي يسعى اليمين الفاشي إلى فرضها على الضفة الغربية والمدينة المقدسة، بوسائل وأدوات معلنة، ضمن سياسة عامة لمنظومة الحكم الفاشية في دولة الكيان.

إن عودة الاحتلال، أو الحكم العسكري، لقطاع غزة، المتضمن ديناميكيات وعوامل بقائه واستمراره، احتمال غير واقعي

على الجهة المقابلة، ترفض كل من المؤسسة العسكرية والأمنية الحالية، وغالبية القادة الأمنيين والسياسيين السابقين، ومعظم النخب الفكرية والإعلامية والسياسية، فكرة العودة إلى قطاع غزة مرة أخرى، وفرض حكم عسكري مباشر أو غير مباشر، لأن الحكم العسكري سيكلف خزينة الاحتلال موارد طائلة، وتكاليف باهظة، وخسائر بشرية مستقبلية من الجنود والمستوطنين، وعبئا أخلاقيا وسياسيا أمام المجتمع الدولي، في مقابل رؤى توراتية غيبية لا يؤمن بها سوى اليمين الديني الكهاني المتطرف، الذي يشكل أقلية في المجتمع الصهيوني، رغم ثقله السياسي في منظومة الحكم المتطرفة الحالية، بالإضافة إلى تجربة الاحتلال التي لا تزال حاضرة في ذاكرة الجيل الحالي بعد عام 1967، وانسحاب جيش الاحتلال من معظم قطاع غزة على وقع تداعيات الانتفاضة الأولى المجيدة، واتفاق أوسلو عام 1994، وتفكيك المستوطنات كلها بعد انتفاضة الأقصى عام 2005.

حاليا، يصعب التكهن بمآلات الأوضاع السياسية وشكل الحكم في غزة بعد نهاية الحرب، لكن نستطيع القول إن عودة الاحتلال، أو الحكم العسكري، لقطاع غزة، المتضمن ديناميكيات وعوامل بقائه واستمراره، احتمال غير واقعي، لأن الفكرة مرتبطة كلياً باليمين الديني الفاشي المتطرف، المتربع على عرش السلطة في الكيان، بمعنى أن زوال منظومة الحكم الحالية تعني زوال المخطط، لأن أي حكومة قادمة في انتخابات مبكرة، أو في موعدها، مطلع عام 2026، لن تشمل على الأرجح حزبي الصهيونية الدينية والمنعة اليهودية والليكود، فالائتلاف الحالي لن يحصل على الأغلبية، على وقع المسؤولية عن هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، أو "كارثة أكتوبر" حسب التسمية الصهيونية، وعلى خلفية الفوضى السياسية التي تسبب بها رئيسا الحزبين في حكومة نتنياهو، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وعزم رئيس الوزراء اليميني السابق نفتالي بينت على التنافس في الانتخابات القادمة، وتشكيل حزب يميني جديد يختلف نوعا ما عن الأحزاب اليمينية الأخرى، ويجتزئ من القواعد الأساسية لليمين، خصوصا حزب الليكود.

وحتى لو افترضنا قيام حكم عسكري مباشر أو غير مباشر في غزة وعودة المستوطنات، فإن الاحتلال سيجبر على الانسحاب أو الهروب من القطاع بعد بضعة أعوام، كما حدث بعد الانتفاضة الأولى، وبعد انتفاضة الأقصى، على وقع ضربات المقاومة اليومية وارتفاع كلفة الاحتلال.

وبالمحصلة فإن مخطط الحكم العسكري المباشر أو غير المباشر، الذي يسعى نتنياهو وشركاؤه من اليمين الفاشي المتطرف إلى فرضه في قطاع غزة باعتباره أحد تجليات حرب الإبادة، هو مخطط حقيقي يستند إلى رؤى توراتية غيبية استعمارية استيطانية، لكن، في جميع الأحوال، لن يكتب له النجاح، لأن المخطط مرتبط كلياً بالجناح اليميني المتطرف في الائتلاف الحاكم، الذي على الأرجح لن يعود إلى الحكم مرة أخرى في الأمد المنظور، لأسباب داخلية، وعلى خلفية "طوفان الأقصى" وأحداث السابع من أكتوبر، وحتى لو فرض الحكم العسكري، فإن المقاومة كفيلة بتفكيكه خلال عدة سنوات، كما حصل بعد الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى.

المساهمون