تصدّرت مدينة بيلغورود الروسية نشرات الأخبار العالمية في نهاية الأسبوع الماضي، إثر حريق ضخم في خزانات الوقود فيها، يوم الجمعة الماضي، فسارعت السلطات المحلية إلى القول إنه نجم عن استهداف طائرتين مروحيتين أوكرانيتين الخزانات، ما أدى إلى نشوب الحريق.
وفي حين نفت أوكرانيا مسؤوليتها عن الحادث، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن هذا الحادث لا يمكن أن "يهيئ أوضاعاً مريحة لاستمرار محادثات السلام"، التي كان مقرراً أن تُستأنف في اليوم نفسه.
تفاصيل حريق بيلغورود
وكان حريق ضخم قد شبّ في مستودع وقود تابع لشركة "روسنفت" بسعة 53.5 ألف طن، في مدينة بيلغورود، وأسفر عن اشتعال النيران في 8 خزانات ضخمة من أصل 16 حاوية، سعة كل منها ألفي متر مكعب.
وأعلن حاكم منطقة بيلغورود فياتشيسلاف غلادكوف أن الحادث وقع نتيجة قصف مروحيتين تسللتا على ارتفاع منخفض من أوكرانيا. وظهرت مقاطع فيديو وثقت لحظة الهجوم وعواقبه.
أظهرت لقطات تناوب طائرتي هليكوبتر على قصف ثلاثة صواريخ
وفي اللقطات، تناوبت طائرتا هليكوبتر على إطلاق ثلاثة صواريخ، ليظهر بعدها وميض ساطع، وغادرت المروحيتان على ارتفاع منخفض، المنطقة، من دون أي تعقيب من وزارة الدفاع الروسية أو حديث عن اعتراضهما في طريق العودة.
ورداً على الاتهامات الروسية بمسؤولية أوكرانيا عن الحادث، رفض المتحدث باسم وزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر موتوزيانيك تأكيد أو نفي الاتهامات، وشدّد على أن "أوكرانيا تنفذ عملية دفاعية ضد العدوان الروسي على أراضي أوكرانيا. وهذا لا يعني أن أوكرانيا يجب أن تكون مسؤولة عن كل سوء تقدير أو حدث أو كارثة وقعت على أراضي الاتحاد الروسي"، لافتاً إلى أنها "ليست المرة الأولى التي نشهد فيها مثل هذه الاتهامات".
وعقب ذلك، نُقل عن أمين مجلس الأمن القومي الأوكراني أوليكسي دانيلوف قوله للتلفزيون الأوكراني: "لسبب ما يقولون إننا فعلنا ذلك، لكن في الحقيقة هذا لا يتماشى مع الواقع".
وفي بداية الأسبوع الماضي، كشف غلادكوف عن حصول سلسلة من الانفجارات في قرية كراسني أوكتيابر بالقرب من بيلغورود، وقال حينها إن الانفجارات لم تحدث أضراراً ولم تؤد لسقوط ضحايا.
ونقلت وكالة "تاس" عن مصدر في خدمات الطوارئ، يوم الثلاثاء الماضي، قوله إن قذيفة انفجرت على أراضي معسكر مؤقت للجيش. وبحسب الوكالة، أصيب أربعة جنود. ومنذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تضرر حوالي 50 مبنى سكنياً في منطقة بيلغورود نتيجة سقوط قذائف.
مدينة "التحية العسكرية الأولى"، هو الاسم غير الرسمي الذي تحمله مدينة بيلغورود وفق مرسوم صادر عن الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين في عام 1943، وذلك تكريماً للمدينة التي كانت من أولى المدن المحررة من النازيين في الجبهات الغربية والوسطى في 5 أغسطس/ آب 1943.
وفي ذلك المساء، أطلقت المدافع تحية للقوات التي حررت المدينة، وهي التحية الأولى من نوعها في "الحرب الكونية العظمى" (التسمية الرسمية للحرب العالمية الثانية في روسيا). وشكّل الانتصار بداية لتقدم الجيش الأحمر وحسم معارك كورسك وفورونيج وبريانسك وتحرير بيلاروسيا وأوكرانيا من النازيين. وتعدّ المدينة أيضاً من مدن "المجد العسكري" في روسيا نظراً لدورها في صدّ النازيين، ولما أبداه سكانها من الشجاعة والصمود.
شكّلت بيلغورود نقطة انطلاق للقوات الروسية باتجاه خاركيف ودونباس
وبيلغورود هي مركز مقاطعة تحمل اسمها في جنوب غربي الجزء الأوروبي من روسيا، على ضفاف مجمع مياه بيلغورود ونهري فيزيلكا وسفيرسكي دونيتسك وتبعد نحو 700 كيلومتر جنوب غربي موسكو، و40 كيلومتراً عن الحدود مع أوكرانيا وجمهورية لوغانسك الانفصالية المعلنة من جانب واحد. وتبعد مدينة بيلغورود عن مدينة خاركيف الأوكرانية نحو 79 كيلومتراً.
يبلغ عدد سكان المقاطعة، وفق إحصائيات عام 2022، مليوناً و532 ألف نسمة، منهم قرابة 400 ألف في مركز المقاطعة مدينة بيلغورود. ويشكل الروس قرابة 94.4 في المائة من السكان، ولا تتجاوز نسبة الأوكرانيين 2.8 في المائة، وفق إحصاءات 2010، اضافة إلى نسب صغيرة من الأرمن والأتراك والأذريين.
نقطة انطلاق للقوات الروسية
وفي الحرب الروسية الحالية، شكلت بيلغورود نقطة انطلاق مهمة للقوات الروسية المشاركة في العمليات العسكرية، وعبرت منها مئات المعدات والعربات العسكرية والدبابات إلى أراضي أوكرانيا، باتجاه خاركيف وإقليمي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليين.
كما عبر آلاف اللاجئين من دونباس إلى روسيا عبر بيلغورود. وحسب الإحصاءات الرسمية، استضافت المنطقة بعد بدء الحرب في أوكرانيا 4547 لاجئاً من لوغانسك ودونيتسك على أراضيها، وهي نسبة أقل بعشرات المرات من اللاجئين الذين نقلوا إلى فورونيج وروستوف.
منطقة بيلغورود هي منطقة صناعية وزراعية، يعتمد اقتصادها على الاحتياطيات الكبيرة من خام الحديد والتربة السوداء الخصبة. والصناعات الأكثر تطوراً في المنطقة هي صناعة الآلات، والتعدين، وصناعات الصلب والمعادن، وإنتاج مواد البناء، وصناعة الأغذية.
ومن اللافت أن المدينة التي انطلقت منها الآليات العسكرية الروسية، وقعت اتفاقات توأمة وأخوّة مع خاركيف وسومي وزاكارباتيا الأوكرانية، وهي اتفاقات مجمدة حالياً.