ترابط النضالين المناطقي والوطني

01 نوفمبر 2020
فلسطينيو الداخل علامة مؤثرة في النضال الوطني (مصطفى الخاروف/ الأناضول)
+ الخط -


لقد أثبتت الأحداث والإجراءات الصهيونية والدولية على مدار السنوات القليلة الماضية، مدى عبثية التعويل على المجتمع الدولي في حل القضية الفلسطينية على أسس عادلة ومحقة، وكذلك بما يخص التوهم بإمكانية تجميل الصهيونية وإحداث تغيير جوهري في طبيعتها العنصرية والإقصائية على حد سواء، بالإضافة إلى نجاعة العمل الدبلوماسي والسياسي والتفاوضي كحلبة صراع وحيدة لاستعادة حقوقنا المستلبة. فقد أثبتت الصهيونية أنها حركة عنصرية وإقصائية ترفض الاعتراف بأي فلسطيني مهما كان وأينما كان، كما ترفض الإقرار بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة وحرة مهما كان حجمها ومساحتها. فمجرد الاعتراف بجزء من الحق الفلسطيني الفردي أو الجماعي يمثل ضربة قاصمة للرواية الصهيونية الزائفة وللعقيدة الصهيونية العنصرية والإقصائية.

وعليه فقد حان الوقت كي يطوي الفلسطينيون شعبا وقوى سياسية صفحة التعلق بأوهام الحلول الجزئية من ناحية، والاستسلامية تحت عنوان الواقعية من ناحية أخرى، فالحل الوحيد المتاح استنادا إلى منطق الحق الفلسطيني والعدالة والحرية والمساواة الإنسانية يتجسد في برنامج التحرير من أجل إقامة دولة فلسطين الواحدة على كامل التراب الفلسطيني التاريخي، وفق رؤية تقدمية وحضارية وإنسانية تكفل حلا عادلا ومقبولا لسكان فلسطين الحاليين المتحررين من عنصرية وإقصائية الفكر الصهيوني المسيطر. وهو ما يحول النضال السياسي الفلسطيني من نضال مناطقي إلى نضال وطني متكامل وشامل، يراعي خصوصية وظروف التجمعات الفلسطينية المتباينة في أوضاعها القانونية وإمكانياتها النضالية، وفق رؤية توازن بين النضال من أجل حماية الفرد الفلسطيني وتمكينه من انتزاع حقوقه اليومية المستلبة كحق العمل والتعلم والرعاية الصحية المتناسبة مع حاجات ومقتضيات العصر من ناحية، والنضال الوطني من أجل تحرير الأرض وتشييد دولة المواطنة الفلسطينية التي لا تميز بين أي من مواطنيها من ناحية ثانية.

إذ لم تدع الصهيونية أي شك في مخططاتها الإقصائية تجاه الشعب والتاريخ والوجود الفلسطيني البشري والثقافي والحضاري، عبر حصارها الإجرامي لقطاع غزة وتمددها وتوسعها الاستيطاني الدائم والمستمر، ومن خلال التدمير الممنهج للمزارع والحقول ومصادر الإنتاج الفلسطينية أينما كانت، وخنق ومحاصرة التجمعات الفلسطينية وفق الظرف والقدرة المرحلية داخل أراضي 48 وخارجها، وقوننة عنصرية الدولة تجاه الفلسطينيين، والتي كان آخرها قانون القومية، وكذلك في رفض المستوطنين وقوى اليمين الصهيونية للإسفاف بالحق الفلسطيني المتضمن في صفقة القرن، على اعتبارها تنص على شكل مشوه من الإدارة الذاتية يمكن للبعض تسميته بالدولة الفلسطينية، فجل اهتمامهم هنا قائم على رفض أي شكل قد يجسد مجازيا إطاراً فلسطينيا ولو كان مشوها ومحاصرا وتابعا بالضرورة. وعليه فلن ننجح في استعادة أي من حقوقنا المستلبة عبر عملية تفاوضية شكلية، وكأن صراعنا حول شكليات بسيطة هنا أو هناك، فالصراع الحقيقي هو صراع حضاري ووجودي مع العقيدة الصهيونية الإقصائية أولاً والعنصرية ثانيا، التي تعبر وبكل وضوح عن هدفها الوحيد المتمثل في رفض أي ملمح أو مظهر للوجود الفلسطيني مهما كان شكله أو مضماره، وهو ما يتطلب إضافة بعد وطني أشمل على جميع نضالاتنا المناطقية بما فيها المطلبية البسيطة.

فالمطلوب صهيونيا واضح وصريح، بينما المطلوب فلسطينيا على الصعيد الرسمي مبهم وعائم ومرن لدرجة مخيفة، ما يقتضي معالجة سريعة وعاجلة على المستويين النظري متجسداً بالبرنامج السياسي، والتنظيمي متمثلا بالقيادة والهيكلية التنظيمية الفلسطينية. كما نحتاج لاحقا أو ربما على التوازي مع كل ذلك إلى انبثاق رؤى نضالية مناطقية، تحاكي القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الفلسطينية اليومية الخاصة بكل تجمع فلسطيني داخل فلسطين وخارجها، كجزء من مجمل النضال الفلسطيني وكعنصر أساسي ومكمل له، وهو ما يفرض شكلا من أشكال التعاون والمؤازرة الأوسع فلسطينيا بين النضالين الوطني والمناطقي المحقين والمشروعين والمطلوبين.

المساهمون