ذات يوم؛ قال الحاخام اليهودي ريريكورنر في اجتماع سري، أقامه اليهود في مدينة براغ، سنة 1869: "إذا كان الذهب هو القوة الأولى، فإن الصحافة هي القوة الثانية، ولكن الثانية لا تعمل من غير الأولى، وعلينا بواسطة الذهب، أن نستولي على الصحافة، وحينما نستولي عليها، نسعى جاهدين لتحطيم الحياة العائلية والأخلاق والدين والفضائل".
بحسب الإحصاءات، تملك الحركة الصهيونية ما يقرب من 1035 صحيفة ومجلة على مستوى العالم، منها 254 في أميركا وحدها، و158 في أوروبا، و32 في أفريقيا، هذا بالإضافة؛ إلى سيطرة اليهود على أكثر وكالات الأنباء العالمية، كما يتغلغلون في وكالات الأنباء الوطنية في أميركا والدول الأوروبية الغربية. ورغم ضخامة المجهود الإعلامي الإسرائيلي، فإن تل أبيب من الدول القليلة في العالم التي لا توجد فيها وزارة إعلام، ولكن عدم وجودها لا يعني أن الأمور تجري بشكل عشوائي، فهناك "بيت اغرون" وهي دائرة إعلام حكومية، وكذلك رابطة الصحافيين وهي إحدى حلقات تنظيم العلاقة بين الصحف والسلطة، كما تملك كل وزارة ودائرة ناطقاً رسمياً له أوصافه ومهامه، وله عدة مساعدين لصياغة ردود الفعل.
بدعم لا محدود من قبل الولايات المتحدة الأميركية، والدول الاستعمارية الغربية، يقوم الإعلام الصهيوني، بكل أنواعه ووسائله، بتزوير الوقائع ونقل الصورة التي تخدم أهدافه ونظامه الاستعماري، من خلال استخدام المفاهيم المضللة، واستثارة المشاعر والتساؤلات، التي تساهم في قلب الحقائق لصالحه، ويروج لهذه المفاهيم على صعيد الرأي العام العالمي، مستغلاً امتلاكه التكنولوجيا المتطورة، ما يجعل الجاني ضحية والضحية جانياً، بشكل تتلاقى فيه المصالح الغربية والأميركية، التي لا تبعد عن المرمى الإسرائيلي. وبإسناد من الصحف والمواقع العالمية، التي نصّبت نفسها محامياً عن هذا الكيان، عبر بثها معلومات مغلوطة (كاذبة)، كما في أحد اعترافات صحيفة الغاردين البريطانية، المتضمنة في مقالة نشرت في أيار 2021، تقر فيها الصحيفة ببعض أخطائها، كنوع من النقد الذاتي، المرافق للاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لتأسيس الصحيفة، ومن تلك الأخطاء، الترويج لوعد بلفور، ولفكرة أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
إذن، يعلم الكيان الصهيوني، أن الهزائم قد تتحول إلى انتصارات، بتأثير وسائل الإعلام على الصعيد السياسي والنفسي، وهذا ما لجأت إليه إسرائيل من خلال الحرب الإعلامية، التي تقوم بتشويه الحقائق أمام الرأي العام العالمي، وتحديدا الرأي العام العربي، بهدف معارضة حركات التحرر الوطني والتشكيك في قدراتها وأفكارها، التي تضرب في عمق المشروع الصهيوني ومشروعيته القائمة على الأكاذيب، التي يروج لها الإعلام الاستعماري والأميركي على أنها حقيقة ثابتة. وعلى الرغم؛ من عدم إدراك العالم العربي لدور الإعلام مبكراً، تمكن الجيل العربي الجديد من استخدام مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، لإبراز الحقائق، ونقل الوقائع كما هي، مستعرضاً جرائم الاحتلال الإسرائيلي، بمختلف أشكالها وأنواعها، كالقتل والتهجير وهدم المنازل، وارتكاب المجازر، والجرائم بمختلف أشكالها وأنواعها. كما ساهم استثمار منصات وسائل التواصل الاجتماعي، كوسيلة نضالية إعلامية، في فضح وسائل الإعلام التقليدية الداعمة للصهيونية أيضاً، ما أدى إلى لجوء الدول الاستعمارية الغربية والأميركية إلى تقييد المحتوى الفلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد شعر الكيان الصهيوني، بخطورة وسائل الإعلام على مشروعه الاحتلالي لأرضنا الفلسطينية والعربية، وأدرك الدور الكبير لوسائل الإعلام في فضح جرائمه بحق شعبنا وأرضنا الفلسطينية، لذا بات يضعها في مرمى إجرامه، ويواجه الإعلاميين بالرصاص القاتل، ونظراً لمدى مساهمة الإعلام الإلكتروني في نشر هذه الجرائم بشكل واسع، سعى الكيان إلى طمس الصورة وتشويه الحقيقة، ومنع الكاميرات من نقل المجازر والجرائم الصهيونية بحق شعبنا الفلسطيني. وأبرز دليل على ذلك؛ اغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، التي نقلت الصورة الحقيقية الكاملة وفضحت الرواية الإسرائيلية، التي يروجها الإعلام الصهيوني عبر جميع القنوات العالميّة.
يعتبر الإعلام سلاحاً فتّاكاً، لا حدود لسطوته وقوته، إذ يعتبر أفضل أسلحة الكفاح والنضال حضوراً وتأثيراً، في صراعنا مع الاحتلال، كذلك هو سلاح فتاك في أيدي أعدائنا يستخدمونه ضدنا، فالكلمة بحد ذاتها سلاح قوي ومؤثر أشدّ التأثير على المتلقي، مستمعًا كان أم قارئاً. لا مجال للشك بكون الإعلام الإسرائيليّ، من أهّم اللاعبين في منطقتنا العربية، ومن أهم المشاركين في الحرب والدمار، فقد أوقد نارها في المنطقة، وساهم في تدميرها بشكلٍ عام، وعمل ضدّ شعبنا الفلسطيني الأعزل بشكل خاص.
وفي ذات السياق، لم يعد الدور الإعلامي محصوراً في نقل الحقائق والوقائع، بل أصبح يقود الحروب والصراعات، لاسيما الحروب الثقافية والأيديولوجية والتاريخية، وعلى الرغم من انحياز الكثير من وسائل الإعلام الغربية لصالح الرؤية الإسرائيلية الرسمية، إلا أن الحكومة الإسرائيلية، تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا ما حاولت بعض هذه الوسائل أن تأخذ الجانب الشكلي من الموضوعية، عبر نقل نصف الحقيقة لا كلها.
وقد برز دور الإعلام الإلكتروني في فضح جرائم الاحتلال بشكل لافت وملموس، حيث تحوّل عدد كبير من النشطاء إلى مصادر موثوق بها للأخبار، وفضحت منصات التواصل الاجتماعي جرائم الاحتلال، وعرته أمام العالم. لقد سجل نشطاء – بعضهم في مقتبل العمر - أنفسهم كمراسلين ميدانيين، واعتبروا من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في العالم.
لذلك أصبح الهدف الأبرز للكيان الإسرائيلي؛ الذي يسعى لتحقيقه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك وغيرها)؛ محاربة المحتوى الفلسطيني، لأنه أدرك جليا مدى تأثيره وانتشاره في العالم، ومنح صلاحيات واسعة لسلطات تطبيق القانون في البلاد، بإلزام المواقع الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي بحذف مضامين، بادعاء مكافحة "التحريض" و"الإرهاب"، وعدم المساس بأمن الدولة، وأمن المستوطنين.
كما يعمل الإعلام الغربي على نشر الإرهاب في الدول العربية، لجعلها تنسى قضيتنا المركزية، فلسطين، ولإبعاد الضوء عما يحصل فيها، وخصوصا في القدس المحتلة، هذا بالإضافة؛ إلى ضخّ ملايين الدولارات في محاولة يائسة للتسليم بالواقع بأن إسرائيل حتمية تاريخية، ومن المستحيل أن ينتصر العرب عليها، وتجييش وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة الهدف الاستعماري، وتغليب الرواية الصهيونية، التي لم ولن تتحقق مهما طال الزمان، مقابل السردية الفلسطينية القائمة على الوقائع والحقائق والمستندات الموثقة.
في الختام، راهنت الدول الاستعمارية الغربية، ولاحقا الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها كل قوى الشر والطغيان، ومعها شياطين الأرض، على أن ينسى الفلسطيني أرضه ومعتقداته وتاريخه ومجده، وراهنت على تشظيه وذوبانه وتلاشيه، ولكن غاب عنها أن هذا الشعب مختلف عن شعوب الأرض، وهو القادر على تجديد نفسه، وإعادة إنتاج نفسه من جديد، لينتفض من تحت الرماد؛ عبر براكين وعواصف تحرق وستحرق مغتصبيه، حيث بقي الشعب الفلسطيني يناضل من أجل ألا يقوم الكيان الإسرائيلي على أنقاضه، كما قامت الولايات المتحدة الأميركية على أنقاض الهنود الحمر، فالتاريخ لن يكرر نفسه في ظل وجود الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.