- مصادر قضائية وأمنية ترى أن الخطوة قد تكون لإظهار جهود مكافحة الفساد، لكنها تبقى ناقصة دون الكشف عن أسباب العزل والسماح للقضاة بالدفاع عن أنفسهم.
- القرارات تعكس تغول السلطة التنفيذية على القضائية في سورية، مما يؤثر سلباً على استقلالية القضاء ويجعل القرارات القضائية تحت رحمة السلطة التنفيذية، مثيرة استياء واسعاً.
نفذ رئيس النظام السوري بشار الأسد الشهر الفائت، عبر إصدار أربعة مراسيم خلال أقل من أسبوع، عقوبة العزل في حق خمسة قضاة بذريعة "ارتكابهم مخالفات وأخطاء قانونية جسيمة"، غير أن المراسيم لم تصرح ماهية هذه الجرائم.
في الثالث والعشرين من مارس/آذار الفائت أصدر الأسد المرسومين رقم 73 و74 بتنفيذ عقوبة العزل في حق القاضي محمد عبد الله بن عبد الله مستشار محكمة الاستئناف المدنية السادسة في عدلية حلب، ولمى ماهر البدعيش وسيدرا محمد سليم حنفي قاضيتي النيابة العامة التمييزية.
كما أصدر في الخامس والعشرين من الشهر ذاته مرسومي عزل تحت رقم 77 و78 في حق القاضيين سعد بن كاسر لايقه قاضي محكمة البداية المدنية الرابعة "ب" في عدلية اللاذقية، ومحمد خضر الحويش قاضي محكمتي صلح التبني وصلح الجزاء الثانية في عدلية دير الزور.
المراسيم الصادرة بحق القضاة أثارت تساؤلات كثيرة، نتيجة عدم الإفصاح العلني عن طبيعة التجاوزات، كما أثارت حفيظة الكثيرين من القضاة الذين يخشون التصريح بما اختلج في صدورهم خشية أن ينالهم ما نال القضاة الذين عزلوا.
وقال مصدر قضائي في دمشق لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إن تنفيذ عقوبة العزل التي طاولت القضاة الخمسة، كررت الخطأ الذي ارتكب عام 2020 عندما تمت إحالة عدد من القضاة إلى مجلس القضاء الأعلى مع التشهير بأسمائهم، معتبراً أنه في حال عزل أي قاض أو إحالته إلى مجلس القضاء يجب أن يتخذ الأمر سريّاً صوناً "لهيبة القضاء".
وأضاف المصدر، "للقاضي حصانة منحه إياها القانون والدستور السوريان، ولا يمكن إسقاطها إلا بعد ثبات تورطه بمخالفات وتجاوزات مشينة، وبعد صدور إحاطة كاملة من محكمة مجلس القضاء الأعلى، وتجاوز هذه المسألة مهما كانت المخالفة ومن دون ذكر الأسباب يعتبر خرقاً قانونياً كبيراً".
وأرجع المصدر القضائي ما حصل إلى محاولات السلطة الإيحاء بمحاربة الفساد وتصحيح مسار القضاء، معتبراً أن هذا الإيحاء أيضاً يبقى منقوصاً في حال لم يعلن سبب العزل وطبيعة التجاوزات مع السماح للقضاة بالدفاع عن أنفسهم بالطريقة المنصوص عليها في القانون.
وعادة ما تلقى قرارات العزل والإقالة في سورية استياء في الأوساط القضائية، خاصة إذا ما اكتنف تفاصيل القرار غموض وتعمية للأسباب تحت ذرائع مبطنة. وتساءل المحامي والناشط القانوني سليمان العلي في حديث لـ"لعربي الجديد": "لماذا تتم التعمية عن السبب مادام الإجراء قانونياً؟".
عروة محمد (اسم مستعار لأحد المصادر الأمنية الذي يتحفظ على ذكر اسمه خوفاً من تبعات تصريحه)، قال في حديث لـ"العربي الجديد": "إن معلومات استطاع الوصول إليها تفيد بأن اثنين من القضاة تم استصدار قرار من المجلس بعزلهما لأسباب لا توجب العزل".
وأوضح المصدر أن معلوماته تفيد بأن أحدهما أبدى موقفاً سياسياً وعزل نتيجة تقرير كيدي، فيما كانت "مخالفة" إحدى القاضيتين عبارة عن تصريح "بيني" عن وجوب الادعاء على أحد المتنفذين بجريمة اعتداء على المجتمع (والذي يكفله القانون القضائي السوري ويعتبر فيه القاضي التمييزي صاحب الدعوى العامة).
وأشار المصدر إلى أن ما حصل عليه حول تفاصيل عزل القضاة المذكورين، لا يتعدى كونهم أشاروا إلى مكان خلل في الدائرة المقربة من السلطة الحاكمة، ويتعلق بقيام أولئك المقربين بأضرار اقتصادية، واحتكار موارد اقتصادية هامة في سورية.
يذكر أن مجلس القضاء الأعلى أحال في العام 2020، عدداً مِن القضاة إلى مجلس القضاء الأعلى من دون ذكر الأسباب، ما أثار جدلاً كبيراً في أوساط الحقوقيين الذين اعتبروا أن من غير الجائز محاكمة قاض قبل معرفة القضية التي يُحاكم مِن أجلها. وأشاروا إلى أن ذلك من شأنه التأثير على استقلالية السلطة القضائية.
ويعاني السلك القضائي في سورية تغول السلطة التنفيذية عليه، إذ غالباً ما يتم تعيين قضاة من الموالين بشدة للسلطة الأمنية والحزبية ما يجعل القرار القضائي في البلاد تحت رحمة السلطة التنفيذية.