قبل انعقاد اجتماعات الجمعية العامة، المقررة هذا الأسبوع في نيويورك، التي يشارك فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس على رأس وفد وزاري وسياسي رفيع المستوى، يتحدث سفير فلسطين إلى الأمم المتحدة رياض منصور، في مقابلة مع "العربي الجديد"، عن عدد من القضايا التي سيجري تداولها خلال اللقاءات الثنائية، أو الاجتماعات المختلفة، كما آخر المستجدات حول الملفات المتعلقة بفلسطين في الأمم المتحدة، كالحماية الدولية للشعب الفلسطيني، والعضوية الكاملة في الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وغيرها.
* ما أهم الأحداث المتوقعة في ما يخص فلسطين خلال فعاليات الجمعية العامة رفيعة المستوى؟ وعلى ماذا سيركز الرئيس محمود عباس في خطابه وخلال زيارته؟ وهل سيلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن؟
الوفد سيشارك في عدد من الاجتماعات التي تهمّ البشرية أجمع، كمؤتمر التنمية المستدامة والمناخ وغيرهما... ومن ضمن الاجتماعات التي ستعقد حول فلسطين، الاجتماع الدوري المتعلق باللجنة المؤقتة المعنية بالأوضاع الاقتصادية للسلطة، ومساعدتها في بناء مؤسسات الدولة، التي انبثقت منذ عملية أوسلو.
رياض منصور: الطرف الوحيد الذي يريد أن يدمر ويغلق الأونروا هي إسرائيل
نتوقع أن يتطرق عباس، والوفود المرافقة له، في اجتماعاتهم إلى عدد من الأمور، بما فيها قضية توفير الحماية للشعب الفلسطيني وتكثيف النقاش مع الهيئات المعنية في ذلك، ضمن المجتمع الدولي، من أجل أن نرى خطوات ملموسة بهذا الشأن... كما مسألة العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة.
آن الأوان لأن نأخذ عضوية كاملة، وخصوصاً أن هناك إجماعاً على حل الدولتين، وواحدة منهما لها عضوية كاملة. وبالتالي أي مسائل لها علاقة بإنهاء الاحتلال، وإنجاز الاستقلال والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، يجب أن تتم بين دولتين. وستتطرق الاجتماعات كذلك إلى قضايا الاستيطان وحقوق اللاجئين وغيرها.
ونتوقع أن يتطرق عباس بكلمته إلى هذه القضايا، كما إلى قضية المصالحة الداخلية والقدس والأماكن المقدسة. لا نتوقع أن يلتقي بايدن في لقاء ثنائي، ولكن سيكون من ضمن المدعوين للغداء الذي يقيمه بايدن في مقر الأمم المتحدة (باعتبار الولايات المتحدة الدولة المضيفة للمقر الرئيسي) لأغلب رؤساء وممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
*تحدثتم في أكثر من مناسبة عن قضية تقديم الحماية للشعب الفلسطيني، ويوجد تقرير للأمين العام أنطونيو غوتيريس مقدم إلى مجلس الأمن منذ 2018 بطلب من الجمعية العامة يتطرق فيه إلى نماذج ممكنة من أجل تقديم الحماية، ولكن لم ينظر المجلس فيه حتى الآن. وفي الوقت ذاته هناك ضبابية في الحديث عن تقديم "الحماية للشعب الفلسطيني"، لأن أول ما يرد للذهن عند سماع ذلك، إرسال قوة دولية لحماية شعب تحت الاحتلال. لكن غوتيريس نفسه، قال قبل قرابة الشهرين، بعد أحداث جنين، إنه ليس "من الواقعي الاعتقاد أنه يمكننا أن نرسل قوة عسكرية تابعة للأمم المتحدة إلى الأراضي المحتلة". إذاً، عمّ تتحدثون عند التطرق إلى الحماية، إذا كنا لا نتحدث عن قوة حفظ سلام؟
عند حديثنا عن الحماية في سياق تقرير الأمين العام، أو الجمعية العامة، نحن لا نتحدث عن غير الممكن، أو الذي يتطلب قراراً من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، لأننا لا نطرح المستحيل. منذ أيام الانتفاضة الأولى، أصدر الأمين العام تقريراً عن الوسائل والخيارات المختلفة للحماية (عرف بتقرير غولدنغ وهو المعد الرئيسي للتقرير وصدر بموجب قرار مجلس الأمن 605 لعام 1987 وتلته تقارير مختلفة في الموضوع نفسه).
هناك أمور أخرى تساعد في توفير الحماية، يجب العمل عليها، إن لم يكن ممكناً إرسال قوة حماية. بعد نقل الأميركيين السفارة من تل أبيب إلى القدس، واستشهاد 64 شخصاً في يوم واحد في غزة، أخذنا فيتو في مجلس الأمن وذهبنا للجمعية العامة، وطلبنا أن يقدم الأمين العام تقريراً عن سبل تقديم الحماية للسكان المدنيين، لأن سلطة الاحتلال الإسرائيلي، التي من المفترض أن توفر الحماية وفقاً للقانون الدولي للمدنيين، لا تقوم بذلك، ما يعني أنها تخلت عن مسؤوليتها وأصبح من مسؤولية المجتمع الدولي القيام بذلك. (وصدر تقرير 2018 آنف الذكر).
*ولكن كيف؟ وهل يمكن الادعاء بالفعل أنه يمكن "توفير الحماية" للفلسطينيين دون قوات حفظ السلام؟
طرح الأمين العام في تقريره مسألة الوجود الدولي الكثيف على الأرض من خلال وكالات دولية، التي تساهم بطرقها الخاصة في توفير حماية. فمثلاً، عندما وقع الهجوم على غزة، التجأ الآلاف لهذه المنظمات، بما فيها مدارس الأونروا والبنايات التي ترفع علم الأمم المتحدة للحصول على حماية، وهذا مثل على إطار موجود ويستخدم ويمكن توسيعه. بالإضافة طبعاً إلى توفيرها الأساسيات كتوفير البطانيات والطعام وغيرها من الأمور الأساسية والحماية في تلك الظروف.
* ولكن أليست هذه مساعدات إنسانية أكثر منها حماية فعلية؟
ليس فقط، هي أكثر من ذلك، بل تشمل كذلك الحماية. فعندما تقع الحرب في منطقة صغيرة مثل غزة فعلى الأقل هناك إمكانية للاحتماء فيها، كما لأن هناك آلاف الموظفين. ويمكن للأمم المتحدة أن تطور هذا النموذج بشكل أكبر مما هو عليه الآن. وإذا أخذت مثلاً بالاعتبار أن أحد أشكال الحماية في مناطق الصراعات مناطق منع الطيران، أو قضية "المناطق الآمنة" التي لا تُستهدف، ويمكن للمدنيين اللجوء إليها إلى أن يتوقف العدوان، وبعدها يُنتقَل للمساعدة على إعادة بناء البيوت وغيرها من الخطوات.
رياض منصور: مسؤولية المجتمع الدولي أن يوفر للاجئين الفرصة للعودة بأسرع وقت ممكن لأرضهم وتعويضهم
كذلك هناك على سبيل المثال كنائس في فلسطين، وهناك عدد من الأجانب من أتباعها يقيمون في فلسطين، وجزء منهم يحاولون أن يكونوا في المناطق الساخنة التي يهاجمها المستوطنون، بما فيها المدارس، ويلبسوا لباساً موحداً ويحاولون أن يكونوا في تلك المناطق، ما يلجم من عدوان المستوطنين على الطلاب.
وكذلك إذا كثفت الأمم المتحدة ومؤسسات دولية وجودها وزادت من عدد سياراتها والعاملين فيها هناك، ومن وجودها الظاهر، فإن سلطة الاحتلال، وأجهزتها القمعية والمستوطنين، قد ترتدع، ويساعد هذا على توفير نوع من الحماية.
تقرير غولدنغ تكلم بإسهاب، واقترح مضاعفة أعداد الموظفين في الأونروا والصليب الأحمر لأنهم يساعدون في توفير هذا النوع من الحماية. مما لا شك فيه، أن هناك الكثير من التفاصيل ذات القيمة، وقد لا تكون بمستوى قوات دولية تقف بوجه إسرائيل وإطلاق رصاصها. ولكن إذا كان هذا غير ممكن، فليقل لنا (الأمين العام) ما هو الممكن لنعمل عليه، ونخفف المصائب النازلة على الشعب الفلسطيني.
* بالنسبة إلى المشاكل المادية التي تواجهها وكالة الأونروا، والمتعلقة بأن ميزانيتها طوعية ولا تقتطع من الميزانية العادية للأمم المتحدة، كذلك هناك هجوم دائم من اللوبيات اليمينية في الولايات المتحدة عليها. هل تهدف طرق التمويل هذه، والأزمة المالية المستمرة إلى تصفيتها، من طريق تجفيف مواردها المالية، لأن وجودها يساعد على بقاء قضية اللاجئين الفلسطينيين حية؟
الطرف الوحيد الذي يريد أن يدمر ويغلق الأونروا هو إسرائيل، لأسباب يقولونها بشكل صريح. سفيرهم في اجتماعات مجلس الأمن يلوم المجتمع الدولي على إبقاء الأونروا حية، ويريد توطين اللاجئين وإغلاق الوكالة وإلغاء قضية اللاجئين.
والطرف الوحيد الذي استجاب له في مرحلة ما، كان إدارة (الرئيس الأميركي السابق) دونالد ترامب، خصوصاً بعد السنة الأولى (في الحكم)، حين أوقف المساعدات عن الأونروا. وباستثناء ذلك، لا أحد يدعو إلى تصفيتها، والأوروبيون ككتلة جماعية هم الممول الرئيسي. ومنذ تشكيلها عام 1949 هي ممولة بشكل طوعي، ويحمل هذا النوع من التمويل تحديات. والأوروبيون مع الأميركيين هم من يتبرعون أكثر من غيرهم لها. ولذلك فإنّ من الضروري أن نحكم على ممارستهم، وبهذا لا أرى أنهم متآمرون على قضية اللاجئين.
ولكن هناك عوامل أخرى تزيد من التحديات، بما فيها أن عدد اللاجئين زاد، لأنه يشمل ذريتهم، وهو ما ينص عليه القانون الدولي (أي إن حقهم لا يسقط بالتقادم). ومسؤولية المجتمع الدولي أن يوفر لهم الفرصة للعودة بأسرع وقت ممكن إلى ممتلكاتهم وأرضهم وبيوتهم وتعويضهم، وهو حق فردي ولا يسقط بالتقادم. ولكن الأعداد تزيد ومعها الاحتياجات. هذا بالإضافة إلى وجود صراعات أخرى، ولاجئين من دول أخرى، كما الحرب الأوكرانية، وأغلب الدول الداعمة هي نفسها.
*في ما يخص العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة، هناك حديث مستمر عن الموضوع، وتلميح إلى الإقدام على الخطوة لتقديم الطلب. هل لك أن توضح ما هي آخر المستجدات؟
مشكلتنا أن الموضوع متوقف في مجلس الأمن. يتطلب الحصول على عضوية كاملة كدولة المرور بثلاث محطات، الأمين العام، ومجلس الأمن، والجمعية العامة.
رياض منصور: الجانب الأميركي ربط العضوية الكاملة في الأمم المتحدة بعملية السلام وجعلوا "العصمة" بيد إسرائيل
في 2011 تقدمنا بالطلب عند الأمين العام، ومن ثم حوله إلى مجلس الأمن، ومن المفترض أن يوصي المجلس بذلك للجمعية العامة، ولكن الجانب الأميركي لم يوافق على ذلك. ولم نضغط في 2011 ونطلب التصويت (في مجلس الأمن من طريق مشروع قرار).
في العام الذي تلاه، توجهنا بطلب عضوية كدولة مراقبة، وحصلنا على تأييد ثلثي الدول في الجمعية العامة. وحسمنا مسألة الدولة، والعالم كله يقول إن هناك دولة فلسطين، وهناك أكثر من 140 دولة تعترف بدولة فلسطين، ولكنها ليست عضواً كاملاً في الأمم المتحدة، لكنها دولة مراقبة، وانضممنا إلى قرابة 100 اتفاقية ومعاهدة دولية. والآن سنحتاج إلى تأييد تسع دول، شرط ألا تعترض أي من الدولة دائمة العضوية، وإلا فإنه لا يمكن أن تخرج التوصية للجمعية العامة. وعند هذا توقف الأمر.
*ولكن، هل تريدون الضغط والذهاب للتصويت، أم أنكم لا ترغبون في المواجهة؟
لقد برهنّا خلال كل هذه السنوات على قدرتنا على بناء المؤسسات، وأننا نتصرف كدولة، ولنا كفاءات من طريق الالتحاق بمنظمات الأمم المتحدة المختلفة وغيرها، على أمل أن نقنعهم، خصوصاً أن هناك إجماعاً على حل الدولتين، بما فيها من الطرف الأميركي.
وإذا كانت نهاية أو هدف هذا الحل إقامة دولتين، فلا مبرر لئلا يُسمح (لفلسطين) أن تصبح عضواً كاملاً، ولا نرى أن هذا يعقد أي عملية سلام... لكنهم (الجانب الأميركي) ربطوا العضوية الكاملة بعملية السلام وجعلوا "العصمة" بيد إسرائيل، وهي التي تقرر متى نأخذ العضوية. والشرط الآخر، أن هذا يجب أن يتم بعد انتهاء المفاوضات بين الطرفين. أولاً هم لا يفاوضون، ولا نرى ضرورة ربط ذلك بالمفاوضات، وأعلنّا استقلالنا ولنا سفارات واعترفت بنا الكثير من الدول ونمارس دورنا. لذلك لا يوجد أي معنى من تعطيل العضوية. وعملية السلام عندما تنضج ظروفها سيجري التوصل إلى اتفاقية السلام بين الطرفين.
ولكن أن نصبح دولة كاملة العضوية، فهو جزء من التعبير عن حقنا بتقرير المصير. ومن يراجع تاريخ عضوية الدول يجد أن معظم قرارات الفيتو التي استخدمت من أميركا أو الاتحاد السوفييتي في نهايات الأربعينيات والخمسينيات كانت على عضوية الدول، ولأسباب إيديولوجية أو سياسية. فمثلاً، إيطاليا انتظرت ست سنوات للعضوية، ومنعت من قبل السوفييت، وفيتنام كذلك من قبل الأميركيين. وطرح في الأربعينيات من القرن الماضي سؤال، في محكمة العدل الدولية، عما إذا كان يمكن أن يُلغى فيتو مجلس الأمن بحصول دولة ما على تأييد ثلثي الأصوات في الجمعية العامة لعضويتها الكاملة. وفتوى المحكمة الدولية جاءت بأن العضوية تتطلب المرور بالمحطات الثلاث واجتيازها.
*كنتم ضمن وفد فلسطيني ضم وزير الخارجية سلم في يوليو/تموز الماضي المرافعة المكتوبة لدولة فلسطين، لمحكمة العدل الدولية، وجاء ذلك في سياق تنفيذ قرار الجمعية العامة للحصول على فتوى حول عدد من الأمور تتعلق بالاحتلال. هل يمكن وضع أهمية ذلك في السياق الأوسع، وما الخطوات المقبلة؟
ارتأت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد عشرين سنة من طرحها لسؤال عن الترتيبات القانونية على بناء الجدار، العودة إلى محكمة العدل الدولية، وتطلب فتوى حول سؤالين رئيسيين ينطويان على عدة أسئلة، بما فيها: الانتهاكات للقانون الدولي في ثلاث نقاط في غاية الأهمية، التي هي انتهاكات حقوق الشعب الفلسطيني في موضوع ضم أراضيه، في القدس وغيرها، ويرتبط ذلك ببناء وتوسيع الاستيطان، وثانياً في حرمان الشعب الفلسطيني ممارسة حقوقه الوطنية الثابتة، بما فيها الحق في تقرير المصير، وسيادة واستقلال دولته، وعاصمتها القدس وحرمان اللاجئين حقوقهم.
والمسألة الثالثة تتعلق بسنّ قوانين إسرائيلية ترسخ نظاماً تمييزياً، ما نسميه نحن ومنظمات دولية نظام "أبارتهايد"، ومن ثم ما المترتبات القانونية عن مثل هذه الانتهاكات التي تغير الاحتلال من طبيعة مؤقتة إلى ضمّ بفعل الأمر الواقع، وبفعل القانون (كما حدث بإعلان إسرائيل لضمّ القدس). وستتناول الفتوى الخطوات المترتبة عن هذه الأفعال غير القانونية، وما المطلوب أن تقوم به الدول والأمم المتحدة كذلك. هناك عدد من المراحل الجارية... ونتوقع أن تصدر المحكمة قرارها في الربيع المقبل.
نبذة عن السفير رياض منصور
عُيِّن رياض منصور بمنصب سفير ومراقب دائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة في نيويورك في عام 2005، وبعدما صدّقت الجمعية العامة على عضوية فلسطين كدولة مراقبة في 2012، أصبح منذ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 سفيراً لدولة فلسطين إلى الآن.
في 15 يناير/كانون الثاني 2019، ومع تولي فلسطين لرئاسة مجموعة الـ77+ الصين، رُقِّي منصور إلى درجة وزير، بمرسوم من الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
يشغل منصور كذلك منصب سفير غير مقيم إلى كوستاريكا والدومينيكان. وشغل منصب نائب المراقب الدائم لفلسطين في الأمم المتحدة من 1988 إلى 1994، وكان قبل ذلك نائب المراقب الدائم لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة من 1983 إلى 1988. ومنذ 2002 حاضر كأستاذ في جامعة "سنترال" فلوريدا. وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة "آكرون" في ولاية أوهايو الأميركية عام 1977.