سد النهضة: إثيوبيا تعرض على مصر العودة إلى التفاوض

30 نوفمبر 2021
تظاهرة ضد مشروع السد في الخرطوم، يونيو الماضي (Getty)
+ الخط -

كشفت مصادر دبلوماسية مصرية عن اتصالات أجراها المسؤولون الإثيوبيون في فريق التفاوض الخاص بسدّ النهضة، مع نظرائهم المصريين، من خلال مسؤولين عن الملف في الاتحاد الأفريقي، لعرض بدء جولة جديدة من المفاوضات تحت مظلة الاتحاد. وقالت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إن "الجانب الإثيوبي يعرض التفاوض، بينما يستمر في الأعمال الإنشائية للسد، وهو أمر ترفضه القاهرة، التي انخرطت في مفاوضات طويلة الأمد سعياً منها لإيجاد حل للأزمة يحفظ للدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، حقوقها في مياه النيل"، مذكرة بأن إثيوبيا "لا تزال متعنتة وترفض أي حلول، ومستمرة في بناء السد من دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن معايير تشغيل وإدارة السد".

تعرض إثيوبيا التفاوض، بينما تستمر في الأعمال الإنشائية للسد، وهو أمر ترفضه القاهرة

وأكدت المصادر الدبلوماسية المصرية أنه "في ظل الحرب الدائرة على الجبهات في إثيوبيا، بين الجيش الإثيوبي الاتحادي وجبهة تحرير تيغراي، فإن الإنشاءات في سد النهضة مستمرة"، موضحة أن الوفد الرسمي الإثيوبي في المفاوضات يقول إنه "جاهز للتفاوض، فقط في محاولة لتحسين صورته أمام المجتمع الدولي، وإحراج مصر وإظهارها وكأنها غير راغبة في التفاوض، وهو أمر غير صحيح بالمرة".

وقالت المصادر إن "القاهرة استنفدت كل الوسائل الدبلوماسية في محاولة إقناع الجانب الإثيوبي بالتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، ولكن من دون فائدة، وكان من الضروري بعد ذلك أن تنسحب من المفاوضات التي لم تؤد إلى أي نتيجة بعد سنوات طويلة". 

تقارير عربية
التحديثات الحية

 

إنشاءات مستمرة في سد النهضة

وأكدت مصادر صحافية إثيوبية لـ"العربي الجديد"، أنه على الرغم من الحرب الأهلية الدائرة على جبهات القتال، من جهة، والمناوشات بين الجيش الإثيوبي والجيش السوداني على الحدود من جهة أخرى، إلا أن إنشاءات سد النهضة "قرب الحدود السودانية" مستمرة بمعدلاتها الطبيعية، وبنفس البرنامج الزمني المحدد سلفاً. مع العلم أن إثيوبيا نفت أن تكون شنت هجوماً في نهاية الاسبوع عند حدودها مع السودان، وحمّلت المسؤولية في النزاع الحدودي لمتمردين من منطقة تيغراي.

وكان وزير الطاقة والمياه الإثيوبي، هابتامو إيتيفا، أكد، السبت الماضي، أن بلاده "مستمرة في عمليات بناء سد النهضة، على نهر النيل، جنباً إلى جنب مع قتالها للإرهابيين"، مضيفاً في تصريحات لشبكة "إي بي سي نيوز" الإثيوبية، أن "البناء المنتظم والأعمال المتعلقة بسد النهضة تتقدم بشكل جيد، وأن اكتمال المرحلة الثانية من السد سيتيح توليد 600 إلى 700 ميغاواط من الكهرباء".

وجاء ذلك في الوقت الذي أعلن فيه الجيش الإثيوبي، الأربعاء الماضي، أنه "نشر وحدات في محيط منطقة سد النهضة، لتأمينه ضد أي خطر بعد محاولات لمهاجمته"، متعهداً "بتأمين عملية بناء السد حتى إتمامه". وأكد الجيش الإثيوبي أن قواته "تعكف حالياً على حراسة المنطقة، بصحبة وحدات ميكانيكية ومشاة وأفراد من القوات الخاصة الإقليمية، لتوفير الحماية اللازمة من أجل استكمال البناء ونقل مواد البناء". 

دولياً، قالت المصادر إنه "على الرغم من الموقف الأميركي المساند لمصر في أزمة سد النهضة، واقتناع واشنطن التام بضرورة التوصل إلى حل يحفظ لمصر حقوقها التاريخية في مياه النيل، إلا أن الولايات المتحدة لا تمارس في الوقت الحالي الضغط الكافي على إثيوبيا في قضية سد النهضة، نظراً إلى انشغالها بموضوع آخر، وهو الحرب الأهلية الداخلية الدائرة في إثيوبيا".

وأضافت المصادر أن "القاهرة تلتزم الآن سياسة الصمت التام تجاه أزمة السد، وهي حصلت على تطمينات من واشنطن بأنه بعد الانتهاء من أزمة الحرب الأهلية الإثيوبية التي تهدد الاستقرار في القرن الأفريقي، سوف تتدخل الأخيرة في أزمة السد مجدداً لدعم موقف كل من مصر والسودان". وأشارت المصادر إلى أن "واشنطن نصحت القاهرة بأن مآلات عدم الاستقرار في إثيوبيا ستكون نتائجها كارثية على مصر". ولفتت إلى أنه "مع توقف التدخل الأميركي في أزمة السد مؤقتاً، تحاول أطراف دولية أخرى أداء دور في تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، ومنها أطراف أوروبية كإيطاليا". 

حصلت القاهرة على تطمينات من واشنطن بأنها سوف تعود للتدخل في الأزمة بعد انتهاء الحرب الإثيوبية

عرض إيطالي للتوسط بين مصر وإثيوبيا

وكانت إيطاليا قد عرضت على إثيوبيا ومصر، من خلال اتصالات مباشرة، التدخل على الصعيد الفني في قضية سد النهضة، للمساعدة في ابتكار حلول تحافظ على حقوق الدولتين، ولا تعرّض مشروع السد للخطر، وتحافظ في الوقت نفسه على الأمن المائي لدولتي المصب. وجاء العرض في ظلّ عدم وضوح موعد محدد لعودة مفاوضات سد النهضة برعاية الاتحاد الأفريقي ورئيسته الحالية، الكونغو الديمقراطية. 

وقالت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، إن "روما أرادت استغلال علاقتها التاريخية بإثيوبيا بالتدخل في قضية سد النهضة والتي لم يسبق لها الانخراط فيها، من أجل استعادة الحضور الدبلوماسي القوي في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي إثيوبيا بشكل خاص، وإمكانية لعب دور مؤثر لإحلال السلام هناك وإنهاء الحرب الأهلية بين الجيش الاتحادي وجبهة تحرير تيغراي". وأضافت المصادر أن "الهدف الآخر وراء تدخل روما في الأزمة، هو حماية الاستثمار الإيطالي الكثيف في مشروع السد والمشاريع الزراعية والكهربائية التي تم الاتفاق على الشراكة فيها بين الحكومة الإثيوبية وبعض الشركات الإيطالية، من أي تخريب محتمل للمشروع، حال تجاوز الخط الأحمر مع القاهرة، والتي سبق أن أعلنت أنه يتمثل في الإضرار بحصة مصر المائية". 

وفي هذا السياق، أكدت المصادر الدبلوماسية المصرية، أن القاهرة "ترحب بتدخل جميع الأطراف المهتمة بأزمة سد النهضة، وبصفة خاصة التي تربطها علاقات واسعة بإثيوبيا. لكنها لا تعول كثيراً على تدخل روما بشكل خاص، والتي تشعر بالخطر على استثماراتها الكبيرة في السد". وقالت المصادر في هذا الشأن، إن روما "ذكرت أكثر من مرة لمصر قبل ذلك، أنها لا تستطيع إجبار المستثمرين على سحب هذه الاستثمارات أو تعطيلها، وذلك عندما حاولت القاهرة دفع الدول التي ينتمي إليها المستثمرون في مشروع السد إلى وقف الأعمال قبل مرحلة الملء الأول في يوليو/تموز 2020، وهي المحاولات التي باءت بفشل ذريع". ولفتت المصادر إلى أنه "على الرغم من عدم تعويل القاهرة كثيراً على التدخل الإيطالي، إلا أنها تأمل في تدخل أوروبي أكبر قد يأتي في المرحلة الحالية بفوائد أكبر من المسار الأفريقي المتعثر، والذي تتمسك به أديس أبابا". 

خطأ دائم للمفاوض المصري

في هذه الأثناء، رأى أستاذ القانون الدولي أيمن سلامة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المفاوض المصري يقع في خطأ دائم وهو ترديد مصطلح "اتفاق قانوني ملزم"، وكأن إعلان المبادئ الذي وقعته كل من القاهرة والخرطوم وأديس أبابا عام 2015 بشأن سد النهضة في الخرطوم، ليس اتفاقاً قانونياً ملزماً". وأكد سلامة أنه "على الرغم من أن إعلان المبادئ بشأن سد النهضة، هو اتفاقية دولية قانونية ملزمة للدول الثلاث، دخلت حيّز النفاذ بمجرد التوقيع عليها، إلا أنها تعتبر اتفاقية إطارية، يلزمها بروتوكولات فنية خاصة بتشغيل وإدارة السد، كان يجب التوصل إليها بين الأطراف الثلاث، وتوقيعها، وهو ما لم يحدث حتى الآن". 

وشدّد سلامة على أنه "لا يجوز الحديث عن "اتفاق قانوني ملزم"، لأن الاتفاقية الموقعة ملزمة بطبيعة الحال، شأنها شأن النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية وميثاق الأمم المتحدة". وأوضح أنه "طالما أن الدول الثلاث هي أطراف ذات سيادة، والذي يحكمها هو القانون الدولي، والأهم في المعاهدة الدولية، أنها تخلق حقوق وواجبات دولية متبادلة متكافئة جديدة. ولذا لا تستطيع مصر ولا السودان الخروج عن بنود الاتفاقية". 

المساهمون