شروط إسرائيلية لضمان استمرار العدوان على لبنان: تكرار مشهد 2006

21 أكتوبر 2024
تصاعد الدخان من جراء قصف إسرائيلي على جنوب لبنان / 19 سبتمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

شروط الاحتلال تدفع لاستمرار العدوان أكثر من وقفه

يعتقد الاحتلال أن الظروف مؤاتية للقضاء على حزب الله

الشروط المطروحة تعيد مشهد حرب 2006

تدرك دولة الاحتلال الإسرائيلي أنه لا يوجد بلد يقبل بانتهاك سيادته، لا جواً ولا براً، ولا بأي شكل كان، ما يعني أن الشروط الإسرائيلية التي كشف عنها موقع أكسيوس الأميركي اليوم، لوقف العدوان على لبنان هي لضمان استمراره، ولا يمكن تصنيفها على أنها حل دبلوماسي، خاصة بالإشارة صراحة إلى حرية "عمل" سلاح الجو الإسرائيلي في سماء لبنان، وحرية "العمل" في حال عودة حزب الله إلى الحدود. شرطان تدرك دولة الاحتلال تناقضهما التام مع القرار 1701 ومع الحفاظ على السيادة اللبنانية، وعليه لا يمكن أن توافق بيروت عليهما. كما أن العودة إلى عام 2006 تذكّرنا برفض شروط إسرائيلية، حاول الاحتلال إملاءها وفشل في ذلك المرة تلو الأخرى، فيما يبدو أنه يحاول اليوم تعويضها، بسفك المزيد من دماء اللبنانيين.

شروط تتزامن مع استمرار تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، السياسيين والعسكريين، لمواصلة العدوان، تعزيزاً لما يعتبرونه "إنجازات" على طريق تدمير قدرات حزب الله العسكرية ومنعه من إعادة بناء نفسه. هذا رغم إدراك إسرائيل، أنه دون تسوية منطقية مقبولة على جميع الأطراف، لا يمكن إعادة سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم، وهو الهدف المعلن لتبرير العدوان على لبنان والانتقام الذي ترغب باستمراره في الوقت الراهن.

سعي الاحتلال خلال استمرار الحرب تعززه أيضا الاعتداءات المتكررة على قوات اليونيفيل التي ينص القرار 1701 على انتشارها على الحدود إضافة إلى الجيش اللبناني، بعد حرب عام 2006. وهو ذات القرار الذي تزعم إسرائيل ظاهرياً رغبتها بتطبيقه، منذ بدء عدوانها الحالي على لبنان، وفق تفسيراتها هي، ولكن زيادة على ذلك تسعى خلف إضافة شروط أخرى، علماً أنها هي أصلاً التي اخترقت هذا القرار بعشرات آلاف الانتهاكات للسيادة اللبنانية منذ عام 2006 وحتى اليوم.

في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وجّه وزير الخارجية الإسرائيلية، يسرائيل كاتس، رسالة إلى 25 وزير خارجية في العالم، اعتبر فيها أن "الطريقة الوحيدة المقبولة من إسرائيل لوقف إطلاق النار هي إبعاد حزب الله إلى شمال الليطاني ونزع سلاحه". وادّعى كاتس أن "التنفيذ الكامل لجميع قرارات مجلس الأمن بشأن لبنان هو وحده ما سيؤدي إلى وقف إطلاق النار. وطالما لم يحدث ذلك، ستواصل إسرائيل عملياتها لضمان أمن مواطني إسرائيل وعودة سكان الشمال إلى منازلهم". قبل تلك التصريحات وبعدها، يواصل جيش الاحتلال ارتكاب المجازر في لبنان، بقصف من الجو والبحر، وعملية عسكرية آخذة في التوسّع.

وفي وقت تكشف دولة الاحتلال عن الوجه الأكثر وحشية ودموية في حروب العصر الحديث، تدرك أن ما حصلت عليه في 1701 عام 2006 أقل مما أرادته، وربما تحاول اليوم تعويضه، معتقدة أن الظروف مؤاتية للقضاء على قدرات حزب الله العسكرية من خلال ضرباتها المكثفة، ومحاولة تأليب الداخل اللبناني عليه ومخاطبة اللبنانيين بشأن الفرصة الذهبية التي أمامهم للتخلّص من قبضة الحزب، مدعّمة مآربها بمواصلة الضغط العسكري الذي يستهدف المدنيين.

عودة إلى الخلف.. شروط إسرائيلية لم تتحقق

الشروط التعجيزية التي تقترحها إسرائيل اليوم لوقف العدوان، تعيد إلى المشهد شروطاً مشابهة طرحتها خلال عدوان 2006، قبل التراجع عنها. خلال خطاب في الكنيست طالب رئيس الحكومة، وقتئذ، إيهود أولمرت، بإعادة الجنديين إيهود غولدفاسر وإلداد ريغف اللذين خطفهما حزب الله في عملية "الوعد الصادق"، دون شروط، ووقف تام لإطلاق النار من قبل حزب الله، ونشر قوات الجيش اللبناني في الجنوب، وإخراج حزب الله من المنطقة، وتطبيق القرار الأممي 1559، الذي يعود إلى الثاني من سبتمبر/أيلول 2004، والداعي لنزع سلاح حزب الله. ورغم مطالبة أولمرت باستعادة الجنديين عام 2006، استعادتهما إسرائيل لاحقاً جثتين، في صفقة أخرى عام 2008، مقابل إطلاق سراح أسرى لبنانيين.

وبالعودة إلى ما نشرته مصادر إسرائيلية عام 2006، أبلغت وزيرة الخارجية في حينه، تسيبي ليفني، بعثة الأمين العام للأمم المتحدة التي وصلت إلى تل أبيب بالموقف الإسرائيلي. وفي اتصالاتها مع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، ووزراء خارجية آخرين، لدول مثل فرنسا وألمانيا، عرضت الموقف الإسرائيلي. ودعا الموقف إلى خلق واقع جديد في لبنان، بقوة كبيرة متعددة الجنسيات، تتمتع بصلاحية للتدخّل في ما يجري لمنع حزب الله من العودة إلى الحدود. وبالمقابل، رأت دولة الاحتلال أن حكومة الطوارئ الوطنية التي تشكّلت في 23 يوليو/تموز 2006 في لبنان، انحازت إلى موقف حزب الله، وعليه لا يمكن التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في هذه المرحلة.

لاحقاً أعلنت إسرائيل موافقتها على مسودة قرار لمجلس الأمن في الرابع من أغسطس/ آب، بعد محاولات من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وضع اتفاق لوقف إطلاق النار، لكنها أضافت عليه شرطاً آخر.

نص القرار بالأساس، وفق المذكور في مواقع إسرائيلية رسمية، على وقف إطلاق الصواريخ على دولة الاحتلال، مقابل وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، على أن تحتفظ إسرائيل بحق الرد إذا لم يتوقف حزب الله عن إطلاق النار. كما نصت مسوّدة القرار على إطلاق سراح الجنود الأسرى، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1559 من قبل الحكومة اللبنانية، ونزع سلاح كافة التنظيمات المسلّحة في لبنان، وحظر دولي على بيع الأسلحة لأي جهة لبنانية ما عدا الحكومة، وإقامة منطقة منزوعة السلاح بين الليطاني والحدود الدولية (مع الأراضي المحتلة عام 1948)، ويُسمح فقط للجيش اللبناني والقوة متعددة الجنسيات بدخولها، إضافة إلى العمل على التوصّل إلى تسوية بشأن مزارع شبعا. وأعلنت إسرائيل قبولها بهذا الاقتراح، لكنها طالبت بإخضاع القرار للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتيح للقوة متعددة الجنسيات تنفيذه على الأرض. ورفض حزب الله مسودة القرار، وأعلن تمسّكه بخطة النقاط السبع التي طرحها رئيس الوزراء اللبناني آنذاك فؤاد السنيورة. لاحقاً، انقسم الموقف الإسرائيلي إزاء صيغة معدّلة لقرار مجلس الأمن، رأى أولمرت أنها جيدة ويمكن قبولها، لكن المؤسسة الأمنية عارضتها.

وتنص صيغة مقترح القرار المعدّلة، التي أقرت في التاسع من أغسطس/ آب 2006، وفق المصادر الإسرائيلية، على نشر الجيش اللبناني وقوة معززة من اليونيفيل في جنوب لبنان، على أن تتمتع قوة الأمم المتحدة بصلاحيات تنفيذية وتفويض باستخدام القوة. وبموجب المقترح ينسحب جيش الاحتلال من لبنان بالتزامن مع دخول الجيش اللبناني والقوة متعددة الجنسيات، ويتم نزع سلاح المنطقة الممتدة من نهر الليطاني إلى الحدود، كما يتم فرض حظر على نقل الأسلحة إلى حزب الله، وإطلاق سراح الجنود الإسرائيليين الأسرى فوراً، وإيجاد حل لمشكلة الأسرى اللبنانيين في إسرائيل، وللنزاع حول الحدود في منطقة مزارع شبعا. اعتبرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن وقف النار في هذا التوقيت سيمنع إنجازاً دبلوماسياً. وفي المحصلة، لم يرضِ القرار رغبات إسرائيل وشروطها، لترفض لاحقاً مشروع قرار آخر، شمل شروطاً لم تكن مقبولة عليها، وتصادق في نفس اليوم على عملية برية، قبل أن توافق على القرار 1701 الذي قبله الجانب اللبناني أيضاً وقاد إلى نهاية الحرب.

ادعاء بأن الخارجية الإسرائيلية هي التي صاغت 1701

بالعودة إلى تصريحات سابقة لوزيرة الخارجية الإسرائيلية في حينه تسيبي ليفني، ادعت فيها أن القرار 1701 الذي اتخذه مجلس الأمن في 12 أغسطس/ آب 2006 تمت صياغته في مكتبها. واعتبرت أن القرار كان حاجة إسرائيلية ذلك أن "الانتصار" تطلّب الدمج بين عملية عسكرية وإنجاز سياسي- دبلوماسي. وأوضحت أن نص القرار الذي "صيغ في مكتبي، أتاح لإسرائيل إنهاء الحرب بشروطنا، بعدما وافق مجلس الأمن على تبني الشروط الإسرائيلية وفرضها على حزب الله"، وهو "القرار الذي يتيح أيضاً لإسرائيل مهاجمة شحنات السلاح إلى حزب الله". وقالت ليفني أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست عام 2007: "صحيح أن القرار 1701 ينفذ جزئياً ولكن يجب النظر إليه، مقابل الخيارات العسكرية التي كانت أمامنا، والتي لم تكن لتتيح لنا تفكيك حزب الله ونزع سلاحه". تصريحات ليفني تشير عملياً إلى أن إسرائيل لم تحقق مرادها، حتى في هذا القرار.

العدوان الحالي على لبنان

تقول دولة الاحتلال اليوم، إن القرار 1701 لا يُطبق خاصة بوجود حزب الله في الجنوب اللبناني، وإن قوات يونيفيل التي ينص القرار على وجودها في المنطقة الحدودية، لم تتمكن من ردعه، كما أنه تمكن من تعزيز قوته، لكنها تتغاضى في ذات الوقت عن انتهاكها بآلاف المرات السيادة اللبنانية منذ عام 2006، وأنها لا تزال تحتل أجزاء من الأراضي اللبنانية. كما تتجاهل إسرائيل أن لبنان الرسمي اعتبر حزب الله حركة مقاومة وليس مليشيات مسلّحة. وفي جميع الحالات، تسير إسرائيل في الوقت الراهن نحو استمرار العدوان وإحباط الجهود الدولية، مضيفة شروطاً تعجيزية.

المساهمون