زادت إسرائيل بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة من عمليات القصف الجوي والصاروخي داخل سورية مستهدفة شخصيات ومواقع لها علاقة بإيران و"حزب الله" اللبناني، إضافة إلى مواقع لجيش النظام السوري، خصوصاً تلك المرتبطة بأنظمة الدفاع الجوي، بغية تحييدها عن التصدي لهذه الضربات.
واستيقظ أهالي مدينة بانياس على الساحل السوري، فجر أمس الجمعة، على أصوات انفجارات عنيفة، ليتبين أنه كان هجوماً استهدف إحدى المزارع القريبة جداً من المدينة، وتحديداً في منطقة بطرايا على الطريق الواصل بين قريتي رأس النبع والمرقب. وأظهرت صور نشرها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي آثار الدمار في الفيلا الواقعة في منطقة زراعية.
ووفق مصادر عاملة في وحدات الرصد والمتابعة التابعة للمعارضة السورية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن القصف الجوي الإسرائيلي استهدف المنطقة بعدة صواريخ، ما أدى إلى مقتل 3 قادة عسكريين من "حزب الله" اللبناني وإصابة آخرين. وأشارت وكالة "إرنا"، أمس الجمعة، إلى مقتل "المستشار" الإيراني رضا زارعي، من بحرية الحرس الثوري الإيراني، في الهجوم.
عمر مجدلاوي: القصف الإسرائيلي بات يستهدف الأشخاص والقياديين في "حزب الله" أو الحرس
وأشارت المصادر إلى نشر طوق أمني في المنطقة لمنع المدنيين من الوصول إليها، حيث تم نقل القتلى والجرحى بسيارات خاصة تابعة للحزب.
وأوضحت المصادر أن الفيلا المستهدفة تُسمى "الدعبل"، وقد تم تأجيرها قبل أيام فقط لقادة من "حزب الله" كانوا قادمين من منطقة السيدة زينب بريف العاصمة دمشق، وذلك بعد زيادة الضربات إسرائيل لتلك المنطقة.
من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان، إن المكان المستهدف كان يضم مجموعة تابعة للمليشيات الإيرانية لا يعلم جنسياتهم، مما أدى لمقتل شخص على الأقل، ودمار واسع في الفيلا المستهدفة.
وسبق أن تعرض محيط مدينة بانياس لقصف إسرائيلي طاول ما يعتقد أنها مقار ومستودعات أسلحة إيرانية، في حين تنتشر في محيط المدينة، القريبة من القاعدة الروسية في مطار حميميم، بطاريات الدفاع الجوي التابعة للنظام السوري والتي تحاول عادة التصدي لصواريخ إسرائيل.
وكان سلاح الجو الإسرائيلي استهدف، أمس الأول الخميس، منصات للدفاع الجوي والإنذار المُبكر تابعة لقوات النظام السوري في محيط العاصمة السورية دمشق، تلاه استهداف طائرة مُسيّرة إسرائيلية لشاحنتين في منطقة القصير بمحافظة حمص بالقرب من الحدود مع لبنان، حيث لـ"حزب الله" نفوذ قوي في المنطقة، ما أدى إلى مقتل شخص واحد على الأقل.
ويوم الأربعاء الماضي، شنت طائرات إسرائيلية غارات استهدفت مواقع للمليشيات الإيرانية، وثكنة عسكرية لقوات النظام السوري في منطقة علي الوحش بين بلدتي حجيرة ويلدا بريف دمشق. وكان سقط 3 قتلى في قصف طاول شقة في مبنى سكني في منطقة كفرسوسة بدمشق.
ووفق إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قتل أكثر من 100 مسلح من جنسيات سورية وغير سورية، ضمنهم 23 عنصراً من "حزب الله" اللبناني في 20 عملية قصف إسرائيلي داخل الأراضي السورية منذ العاشر من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
إسرائيل تركز على استهداف القياديين في سورية
ولفت الناشط من ريف دمشق عمر مجدلاوي، إلى أن عمليات القصف الإسرائيلية باتت تستهدف على نحو أوضح منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الأشخاص والقياديين في "حزب الله" أو الحرس الثوري الإيراني، أكثر من استهدافها مستودعات الأسلحة والذخائر والشحنات العسكرية، كما كان عليه الحال قبل ذلك.
وأضاف مجدلاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عمليات الاغتيال تشمل مجمل المحافظات السورية، خصوصاً دمشق وريفها، بل باتت تطارد كوادر "حزب الله" والحرس الثوري، حتى في حال حاولوا التواري في الأرياف والمزارع، ما يشير إلى خلل أمني كبير في تأمين الحماية لهؤلاء المستهدفين، وتمكن إسرائيل من زرع جواسيس يلاحقون تحركاتهم، إضافة إلى اعتمادها على المراقبة الجوية، والتجسس التكنولوجي، عبر مراقبة عمليات الاتصال والهواتف المحمولة.
ولفت إلى اتهامات توجّه، بين الفينة والأخرى، إلى ضباط وعناصر في أجهزة الأمن السورية، بتسريب معلومات عن تحركات العناصر الإيرانيين مقابل مبالغ مالية، أو بشكل مقصود بغية التخلص منهم، بسبب عدم قدرة النظام على مواجهة النفوذ الإيراني في سورية، والذي يعرقل خطوات تقاربه مع المحيط العربي.
أهداف إسرائيل من زيادة وتيرة الهجمات في سورية
من جهته، قال الباحث في مركز جسور للدراسات النقيب رشيد حوراني، لـ"العربي الجديد"، إن من أهداف الهجمات الإسرائيلية على سورية وازدياد وتيرتها، "ميل النظام السوري إلى تهيئة الظروف لتحويل البلاد لقاعدة عسكرية متقدمة لإيران تهدد من خلالها إسرائيل على غرار ما فعلته في لبنان، وممارسة التفاوض والابتزاز مع إسرائيل لضبط سلوكها ضدها على حساب تحقيق مصالح لها في ملفات أخرى، ولهذا وضع النظام السوري البنى التحتية، من وحدات عسكرية ومستودعات ومصانع، وكوادر فنية للعمل لصالح إيران".
نائل الرفاعي: تكثيف إسرائيل لعملياتها في سورية يعود إلى أنها ساحة سهلة
وأضاف حوراني أن النظام يمتنع عن الرد على الهجمات الإسرائيلية لسببين: الأول أن الاستهدافات لم تصل لدرجة تعيق المشروع الإيراني الذي يدعمه، والثاني أنه لا يريد في حال الرد بشكل مباشر استفزاز إسرائيل، ودفعها لشن عملية عسكرية ضده تؤدي إلى سقوطه، في ضوء الأوضاع الداخلية التي تمر بها البلاد، واستعداد الدول الغربية لدعم إسرائيل لموقفها من النظام، الذي لم يقدم تنازلات تسهم في حل المسألة السورية.
سورية ساحة سهلة لإسرائيل
من جهته، رأى الرائد المنشق عن قوات النظام نائل الرفاعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تكثيف إسرائيل لعملياتها في سورية، يعود إلى أنها "ساحة سهلة"، حيث لا عواقب تذكر لمثل هذه العمليات، بسبب إدمان النظام عدم الرد على الهجمات الإسرائيلية، خشية انزلاقه إلى مواجهة مع إسرائيل، يتحسب أنها تهدد نظامه الهش، أو تعرقل لاحقاً طموحاته لإعادة الاندماج في المجتمع الدولي.
وأضاف الرفاعي أن الضربات الإسرائيلية في سورية "تريح" "حزب الله" أيضاً من عبء الرد عليها، لأن الحزب ملزم بالرد على الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف قواته داخل لبنان، أما داخل سورية، فهو لا يعلن عنها غالباً، إلا إذا استهدفت شخصيات بارزة، وهو ما يعفيه من الرد عليها، ويسهم في تخفيف التوتر، استجابة لطلبات طهران من الحزب، ومجمل حلفائها للتهدئة بعد تعرضها لضغوط أميركية، خصوصاً في أعقاب الاستهداف الواسع للمليشيات التي تدعمها في العراق، مطلع الشهر الماضي.
وفي مطلع الشهر الماضي، قال مركز جسور للدراسات، في تقرير له، إن عام 2023 شهد زيادة في عدد الغارات الإسرائيلية في سورية، حيث تم تسجيل 40 غارة مقارنة مع 28 عام 2022 ومثلها عام 2021.
وأضاف المركز، في تقريره، أن الضربات تنوعت بين الغارات الجوية والقصف الأرضي، وطاول بعضها أكثر من محافظة في وقت واحد، حيث شملت بمجموعها 95 موقعاً، ودمّرت ما يقارب 297 هدفاً.
ولفت إلى أن إسرائيل زادت من وتيرة غاراتها في سورية بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة، وذلك بالتزامن مع زيادة إيران عدد مواقعها العسكرية التي وصلت إلى 570 نقطة وقاعدة، أكثرها جنوب البلاد.
وكان وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد قال إن الضربات الإسرائيلية المتواصلة على الأراضي السورية، "سببها مقاومة سورية" لإسرائيل ومخططاتها.
وأضاف، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته دمشق قبل نحو أسبوعين: "سورية خاضت حروباً ضد إسرائيل، ومستعدون لخوض حروب أخرى، ولكن دمشق هي من تقرر متى وكيف"، على حد زعمه.