قتل الأطفال بهجمات أميركية يغضب قبائل أفغانستان... ويغذي الصراع

05 نوفمبر 2016
يدفع الأطفال ثمن الحرب في البلاد (فرانس برس)
+ الخط -
صور لأطفال مزقت أجسادهم غارات أميركية في مدينة قندوز، شمالي أفغانستان، أمس الأول الخميس، تناقلتها قناة تلفزيونية محلية، صباح أمس الجمعة، وفي وسط تلك الصور يظهر شيخ قبلي ترتعش يداه ويقول بنبرة مليئة بالكثير من الحزن والأسى إن "القوات الأميركية قتلت سبعة من أفراد عائلتي"، ثم يأخذ بأيديه جثامين الأطفال. ليست هذه الحادثة وحيدة من نوعها، بل ثمة عشرات من رجال قبائل المنطقة حملوا قتلاهم من الأطفال في سيارات وعربات، وتوجّهوا نحو مقر حاكم الإقليم لكي يظهروا للعالم مأساتهم. ولكن السلطات تسعى بكل وسيلة لمنعهم من الوصول إلى مقر حاكم الإقليم، ومن رفع أصواتهم أمام العالم. يقول أحد هؤلاء، ويدعى هاشم خان، لـ"العربي الجديد"، إن السلطات المحلية تمنعهم بأي وسيلة متاحة من الوصول إلى مقر الحكومة المحلية والاحتجاج أمامه.
في قرية بز قندهاري، التي شهدت ليلة الخميس "أبشع حالة يعجز الإنسان عن وصفها"، كما يقول هاشم خان، تخيّم حالة من البكاء والحزن. وفي تفاصيل الحادث، فإن القوات الأفغانية والدولية الخاصة شنّت عملية عسكرية، ليلة الخميس، في قرية بز قندهاري في ضواحي مدينة قندوز، وخاضت معركة مع مسلحين من حركة "طالبان" كانوا داخل القرية. المعركة استمرت لساعات، وتدخّلت الطائرات الحربية الأميركية وقصفت عدداً من المنازل، ما أدى إلى تدميرها. سكان المنطقة يؤكدون أن الجنود الأميركيين طافوا على منازل الناس بعد القصف وقتلوا البعض رمياً بالرصاص، قبل أن يغادروا المنطقة.
في نهاية المعركة قالت القبائل إن 30 مدنياً قُتلوا جلّهم من الأطفال، مع عدد من مسلحي "طالبان" كانوا داخل المنازل. الحكومة من جهتها أعلنت مقتل بعض المدنيين و28 من مسلحي الحركة، بينهم الملا متقي، القيادي البارز في الحركة ومسؤول عمليات الشمال، إضافة إلى نائب حاكم إقليم قندوز من قبل "طالبان" مع ثلاثة من أبنائه. ولكن "طالبان" نفت ذلك وقالت إن 30 مدنياً وثلاثة من عناصرها العاديين قُتلوا، نافية وجود القيادي المذكور بين القتلى.
هذا الحادث ليس هو الوحيد في إقليم قندوز وفي البلاد عموماً ولن يكون الأخير، كما يقول مراقبون لتعاطي القوات الأميركية مع الشعب الأفغاني. قبل عام تقريباً حين سيطرت "طالبان" على مدينة قندوز، استهدفت القوات الأميركية في المدينة نفسها مستشفى تابعاً لمنظمة "أطباء بلا حدود"، لتقتل 30 شخصاً كلهم مرضى ومن طاقم المستشفى.
هكذا تتوالى الهجمات الأميركية على المدنيين الأفغان، إذ لا يمر شهر إلا ويحصل استهداف أميركي لمدنيين أو رجال شرطة أو مقاتلين من القبائل ضد الجماعات المسلحة. وكل مرة تطلق القوات الأميركية وعوداً بإجراء تحقيق لا يحصل، ونادراً ما تعلن وزارة الدفاع الأميركية أو البيت الأبيض أن ذلك خطأ وليس حتى جريمة، كما فعلت بعد الهجوم على مستشفى قندوز. أما الحكومة الأفغانية فتكرر وعود الأميركيين بالتحقيق، حتى أنها في بعض الأحيان تلتزم الصمت المطبق، كأن شيئاً لم يحدث، وهي تغفل أن للحادث تبعات وأن الجنود الأفغان هم الذين يدفعون الثمن، إذ إن القوات الأميركية لا تخرج من قواعدها إلا نادراً ويبقى على الأرض جنود أفغان يدفعون الثمن الباهظ ثأراً لهؤلاء.


يقول الإعلامي قريب الرحمن شهاب، إن الاستهدافات الأميركية المتكررة للمواطنين لها تبعات خطيرة، لأنها تخلق فجوة بين الحكومة والشعب، علاوة على إجبارها الكثير من الشباب على الانضمام إلى صفوف الجماعات القتالية بهدف الانتقام، لافتاً إلى أن هؤلاء قلما يصلون إلى القوات الأميركية، وعادة يدفع الجنود الأفغان ثمن ما يرتكبه الأميركيون. ويعتبر أن على الحكومة الأفغانية إعادة النظر بالاتفاقية الأمنية بين كابول وواشنطن، التي من المفترض أن يعمل بموجبها الأميركيون لإحلال الأمن في أفغانستان. ويطالب بالوقف الفوري لمشاركة القوات الأميركية في العمليات المسلحة مع الجيش الأفغاني، أو شنّها عمليات عسكرية منفردة. ولكن يبقى السؤال: هل يستطيع أحد أن يرغم الأميركيين ويمنعهم من قتل الأبرياء بذريعة أو أخرى؟
من جهته، يقول الزعيم القبلي نظام الدين خان: "لن نكتفي في المستقبل بالإدانات والشجب، بل سنقف صفاً واحداً ضد الاعتداءات الأميركية"، متهماً القوات الأميركية بالتسبّب في استمرار دوامة الحرب في أفغانستان، وذلك من خلال استهداف المدنيين، وهو ما يساعد الجماعات المسلحة، كما من خلال استهداف الشرطة والجنود القبليين، ما يصب في مصلحة جماعات مسلحة، لا سيما تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ويشير نظام الدين خان إلى حادث إقليم ننجرهار الذي حصل قبل أيام، حيث استهدفت القوات الأميركية القبائل المناهضة لـ"داعش" في منطقة بتشير أغام الجبلية، ما أدى إلى مقتل 15 قبلياً. ويتساءل، كما غيره الكثير من الأفغان، "إن كانت القوات الأميركية تفعل ذلك عن خطأ، فهل الأسباب التي تذكرها القوات الأميركية بعد كل حادث تبرر ذلك، في ظل وجود أهم التكنولوجيات لديها؟".
الاتهامات الموجّهة للأميركيين بدعم الجماعات المسلحة وسعيهم لاستمرار دوامة الحرب في البلاد حفاظاً على مصالحهم، تؤيدها الكثير من المعطيات على الأرض. وبالإضافة إلى ما ذُكر، ثمة من يقول إن القوات الأميركية تنقل السلاح والعتاد في شرق وشمال البلاد إلى مسلحي "داعش" لكي يكونوا بديلاً لـ"طالبان" ولكي تُهدد بهم دول المنطقة، لا سيما آسيا الوسطى ومن ورائها روسيا. ويتساءل الكثيرون حول خروج مئات المسلحين فجأة من جبال مغلقة من كل الأطراف كانت تحلق فوقها طائرات أميركية، كما حصل مراراً في إقليم بدخشان، وقبل أيام في جبال توره بوره، في شرق البلاد.