في معرض تقاذف المسؤوليات وسياسة النأي بالنفس عن الأزمات المعتمدة من قبل ساسة لبنان، رمى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، اليوم الأربعاء، كرة "تفسير الصلاحيات" في مرمى مجلس النواب، بعد كلام أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله الأخير عن إعادة تفعيل عمل الحكومة المستقيلة ومن دون شروط كحلّ من اثنين عرضهما في حال استمرّ التأزم الحكومي، ولم يتفق الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري بعد لقاء الاثنين.
وقال دياب، في بيان: "بدل أن يتساعد الجميع في الدفع لتشكيل حكومة جديدة، تصاعدت وتيرة المطالبة بتفعيل الحكومة المستقيلة من جهة، مقابل تحذيرات من خرق الدستور من جهة أخرى، بينما صدرت بعض الأصوات التي تتهمنا بالتقاعس عن تصريف الأعمال".
وأشار إلى أنّ "الجدل القائم حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال يؤكّد الحاجة إلى تفسير دستوري يحدّد سقف تصريف الأعمال ودور الحكومة المستقيلة في ظل الواقع القائم الناتج عن تأخّر تشكيل حكومة جديدة"، مشدداً على أن "هذا التفسير هو في عهدة المجلس النيابي الكريم الذي يمتلك حصراً هذا الحق، كما أكد المجلس نفسه سابقاً".
ويرفض "تيار المستقبل" تعويم حكومة حسان دياب متذرعاً بالدستور، وبـ"تجربة دياب التي عجز فيها يوم كان رئيساً للحكومة عن إدارة الأزمة، لا بل فاقمها بممارساته هو ووزارئه حدّة وخطورة"، على حدّ قول مصدر قيادي في "المستقبل" (يتزعمه الرئيس سعد الحريري) لـ"العربي الجديد"، الذي يشدد على أنّ "السبب الأساسي وراء فشل حكومة دياب أنها كانت سياسية وعرابها حزب الله، من هنا يرفض الحريري دعوة نصر الله إلى حكومة مدعومة سياسياً، ويصمّم على مطلبه تشكيل حكومة من اختصاصيين غير حزبيين".
وقال عضو لجنة "الإدارة والعدل" النيابية النائب فادي سعد، لـ"العربي الجديد": "اعتدنا على تصرّفات رئيس الحكومة المستقيلة ورميه الكرة يميناً وشمالاً لإزاحة المسؤولية عنه، حتى أنه لم يتحمّل المسؤولية قبل الاستقالة"، مؤكداً أنّ "قول دياب بأن التفسير هو في عهدة مجلس النواب، ما هي إلّا بدعة من قبله، ومضيعةٍ للوقت، فلا يحق لمجلس النواب تحديد سقف السلطة التنفيذية، من هنا أهمية تشكيل حكومة في وقتٍ سريع لتحمل مسؤولياتها، والأمل الوحيد يبقى بانتخابات نيابية مبكرة تعيد إنتاج السلطة والأمل ببناء الدولة التي تلبّي طموحات اللبنانيين".
يرفض "تيار المستقبل" تعويم حكومة حسان دياب متذرعاً بالدستور، وبـ"تجربة دياب التي عجز فيها يوم كان رئيساً للحكومة عن إدارة الأزمة، لا بل فاقمها بممارساته هو ووزارئه حدّة وخطورة"، على حدّ قول مصدر قيادي في "المستقبل" لـ"العربي الجديد"
ويعتبر سعد أن "الظروف الراهنة استثنائية، ومع ذلك لا يؤدي الرئيس دياب أي دورٍ ولا يقوم بمسؤولياته، فهو يتقاعس عن القيام بأي مهمة، حتى وصل به الأمر إلى التهديد بالاعتكاف، وبالتالي فإنّه مستسلمٌ ولا يريد المواجهة واتخاذ أي قرار ولا يريد تحمّل المسؤولية".
من جهته، يقول وسام اللحام، الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري، لـ"العربي الجديد" إنه "لا يحق لمجلس النواب تفسير الدستور، وادعاء مجلس النواب بذلك باطل، حيث إن الدستور لا يمنحه هذه الصلاحية".
وأوضح اللحام أن التفسير يقوم به المجلس الدستوري في معرض رقابته على دستورية القوانين، وفي القوانين المطعون بها أمامه، أما مجلس النواب فيحق له ذلك إذا تصرّف كسلطة تأسيسية لا تشريعية، مع ضرورة الإشارة إلى أنه لا يمكنه تفسير الدستور بمحضر مجلس النواب، ولو فعل ذلك لن يكون للتفسير أي قيمة قانونية، ويعتبر غير ملزم لأحد، وينحصر في إطار الاستئناس، باعتبار أن التفسير الأصلي يعطيه المرجع الذي يخوله الدستور التفسير.
ولفت اللحام الى أن "مجلس النواب في حال فسّر الدستور بقانونٍ عادي وصوّت عليه فلا طائل منه أيضاً، لأن القانون العادي يمكن الطعن به كذلك أمام المجلس الدستوري، ما يؤكد أن تفسيره غير ملزم".
من ناحية ثانية، يؤكد اللحام أن "حكومة تصريف الأعمال لها أن تجتمع عند أي ظرف استثنائي يقتضي اتخاذ قرار معيّن، ويبقى قرارها في حال كان مشوباً بخطأ قابلا للطعن أمام مجلس شورى الدولة، وسبق لحكومات تصريف أعمال أن اجتمعت واتخذت قرارات معينة على ضوء الظروف الاستثنائية التي شهدتها البلاد، لكن يبدو أن هناك انسحاباً واضحاً من الرئيس دياب، حتى تلويحه السابق بالاعتكاف خطوة يمكن أن يُحاسب عليها، فهي غير جائزة".
بدوره، قال المحامي هيثم عزو، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يحق لمجلس النواب تفسير الدستور"، ويشير في إطار تصريف الأعمال، إلى أنّه "من حيث المبدأ، متى ما أصبحت الحكومة مستقيلة، تصبح حكومة تصريف أعمال، أي إنها تصرف الأعمال بالمفهوم الضيق، لتأمين استمرارية المرافق العامة بانتظار ولادة حكومة جديدة، بحيث يحظر على الحكومة المستقيلة ترتيب أعباء مالية جديدة على الدولة أو إثقال الحكومة المقبلة بالتزامات ناتجة عن اتفاقات لم تكن هي من أبرمها ، إنما الحكومة المستقيلة".
من حيث الاستثناء، يضيف عزو: "متى ما وجدت ظروف طارئة في البلاد، فيصبح بإمكان الحكومة المستقيلة ممارسة أعمالها كما لو انها غير مستقيلة، شريطة أن تكون الأعمال التي تقوم بها هي خدمةً للمنفعة العامة ولمواجهة هذه الظروف الطارئة والقاهرة، ولتجنيب البلاد والعباد اضراراً جسيمة لا يمكن تدارك نتائجها إلا بتدخل الحكومة المستقيلة وقيامها بأعمال تصرفية استجوبتها الضرورة، وإن رتبت أعباء والتزامات على الدولة، وذلك عملاً بمبدأ الضرورات تبيح المحظورات. ولأنه في الظروف الاستثنائية تحل شرعية استثنائية فيصبح ما هو محظر مباحاً لغاية انتهاء الظرف الاستثنائي الذي وجدت فيه الحكومة المستقيلة نفسها مضطرة لمجابهته".
بالتالي، يرى عزو، أن "الظروف الصحية المرتبطة بوباء كورونا الذي يهدد الأمن الصحي القومي، وتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وأمام أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار، والأمن الغذائي الذي بات بدوره بخطر، وغيرها من الأزمات، تبرر تدخل الحكومة وإن كانت مستقيلة، وأن لا تبقى مكتوفة الأيدي إلى حين تشكيل الحكومة التي قد تطول جداً، وذلك من أجل تجنيب البلاد المزيد من الأخطار".