يشهد مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، جنوبي لبنان، منذ صباح اليوم الخميس، اشتباكات متقطعة في العديد من المحاور، تشتدّ حيناً وتخبو أحياناً، وذلك بعد جولة اقتتال، فجراً، خرقت الهدنة الهشّة ووصفت بالأعنف، حيث استخدمت فيها القذائف المدفعية والأسلحة الرشاشة، والقنابل المضيئة.
وتعالت الدعوات السياسية والشعبية لوقف الاقتتال الذي تتسع رقعة أضراره إلى مدينة صيدا وأحياء خارج المخيم، بعدما أسفرت الاشتباكات الأخيرة عن سقوط 7 قتلى وأكثر من 20 جريحاً في حصيلة أولية، ليرتفع العدد منذ الخميس الماضي، تاريخ تجدد الاقتتال، إلى 15 قتيلاً، وأكثر من 90 جريحاً.
كما سجّلت موجة نزوح كثيفة من المخيم، ولا سيما ليل أمس الأربعاء، نتيجة توسّع رقعة الجبهات والمحاور واشتعال الحرائق داخل المنازل.
وأعلن المكتب الإعلامي لرئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، مساء اليوم، أن "المساعي التي بذلها بري نجحت طوال اليوم لوقف الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، حيث جرى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يبدأ سريانه عند الساعة السادسة من مساء اليوم الخميس".
يأتي ذلك بعد سلسلة لقاءات عقدها بري اليوم مع مسؤولين فلسطينيين، أبرزها مع عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" موسى أبو مرزوق، ومن ثم عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" المشرف على الساحة اللبنانية عزام الأحمد.
وقال مصدر في حركة فتح، لـ"العربي الجديد": "إننا ملتزمون باتفاق وقف إطلاق النار، والعمليات التي نقوم بها هي في إطار التصدي لهجمات الجماعات الإسلامية المتشددة، التي يجب وضع حدٍّ لها".
وأضاف شريطة عدم ذلك اسمه: "لم نتدخل بعد، ولكل تحرّك وقته، حيث إنه الآن هناك قرارات تم التوصل إليها والتوافق عليها بين القوى الفلسطينية واللبنانية، ونحن نؤيدها، وننتظر تسليم المطلوبين في جريمة اغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني، اللواء أشرف العرموشي ورفاقه، ولكن لن ننتظر طويلاً".
وزار قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون، صباح اليوم الخميس، مدينة صيدا، واطلع من كبار الضباط على مجريات الاشتباكات الدائرة في مخيم عين الحلوة التي امتدت إلى خارجه لتلحق أضراراً في مبانٍ ومراكز حكومية وعسكرية ومؤسسات وإدارات عامة في الأحياء والقرى المحيطة.
وما زالت الدوائر الرسمية والمؤسسات العامة والجامعة اللبنانية مقفلة في صيدا، بينما تعتبر الحركة فيها خفيفة، ولا سيما الاقتصادية التجارية، وذلك بعدما طاولت القذائف والرصاص العشوائي العديد من المؤسسات والقطاعات الإنتاجية، ما ألحق بها أضراراً جسيمة، ولم تسلم منها المنازل السكنية. وبدأت ترتفع صرخات أهالي صيدا، الذين يناشدون المسؤولين اللبنانيين والفلسطينيين التدخل لوقف الاقتتال نهائياً، والذي يهدد حيواتهم وموارد رزقهم.
وفي بيان مشترك، صدر اليوم الخميس عن حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، طالب الجانبان بـ"وقف فوري لإطلاق النار، ورفع قوى المقاومة الفلسطينية الغطاء عن كل المتورطين في هذه الاشتباكات، وإلى رصّ الصفوف وتوحيد الموقف الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني وحده، وضرورة توقيف المتورطين في الجرائم، وتسليمهم إلى الجهات اللبنانية المختصة".
وقال عضو المكتب السياسي لـ"حماس" موسى أبو مرزوق: "أجرينا اتفاقاً مع حركة فتح يقضي بضرورة التشاور والتنسيق بين كل الفصائل والقوى الفلسطينية حول الخطوات والإجراءات والسياسات المتعلقة بالشأن الفلسطيني في لبنان".
وأكد أنه "تم التوافق على أن المسؤول عن الأمن في المخيمات الفلسطينية في لبنان يجب أن يكون قوة فلسطينية مشتركة، وليس فصيلاً واحداً"، مشيراً إلى أن "كل الفصائل مسؤولة عن المخيم".
يأتي كلام أبو مرزوق بعدما زار وفد من "حماس"، أمس الأربعاء، مدير الأمن العام بالإنابة في لبنان اللواء إلياس البيسري، ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، والأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان الشيخ محمد الطقوش.
وشدد الوفد على أهمية استمرار كل الجهود من كل القوى لتثبيت وقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة، وعلى ضرورة ألا يستخدم السلاح بين أبناء الشعب الفلسطيني على الإطلاق.
كما قال أبو مرزوق بعد لقائه رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، اليوم، إنه "لا بدّ من وقف لإطلاق النار وسحب المسلحين وإنهاء العسكرة داخل المخيمات بهذا الشكل المهين وعودة الشعب الفلسطيني إلى مكانه في المخيم وفتح المدارس وانسحاب المقاتلين منها وعودة العملية التعليمية من جديد".
وفيما اعتبر أبو مرزوق أن كل عمليات إطلاق النار مشبوهة ولا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، شدد على أن "موقفنا إدانة كل الاشتباكات ووقف إطلاق النار فوراً وتحريم الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني وأي عمل داخل الموضوع الفلسطيني يجب أن يكون بالحوار والتوافق والتفاهم".
وأشار أبو مرزوق إلى أنه "تعهدنا للرئيس بري أن نبذل قصارى جهدنا من أجل الأمن والعدل وتسليم المطلوبين وأن نكون أداة خير لشعبنا وللبنان، على أمل أن ينتهي هذا الوضع كله ويعود الأمن إلى لبنان كله".
وأمس الأربعاء، عقد رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي اجتماعاً في السراي الحكومي، ضمّ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح المشرف على الساحة اللبنانية عزام الأحمد، والسفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، وأمين سر "فتح" فتحي أبو العردات، وقائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون، والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، ومدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد طوني قهوجي.
وقال عزام الأحمد بعد الاجتماع إنه "جرى الاتفاق وضمن سقف زمني ليس طويلاً، على التمسّك بما سبق أن قرّرناه، لناحية ضرورة حقن الدماء، وتثبيت وقف إطلاق النار، وتسليم المتورّطين في جريمة اغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني، اللواء أشرف العرموشي ورفاقه، وقبلهم عبد الرحمن فرهود (أحد عناصر الجماعات الإسلامية المتشددة)، إلى القضاء اللبناني، مع ضرورة عودة المهجرين إلى منازلهم".
وأشار الأحمد إلى أن القيادة اللبنانية ستجري اتصالات مع جميع الأطراف بهدف تنفيذ هذه المقررات وإيصالها إلى الجميع من دون استثناء، بمن فيهم المتحصّنون في المدارس، التي لا بدّ من إخلائها في أسرع وقتٍ ممكنٍ، منبّهاً من أن "هناك من يريد أن يوسع الفوضى والصدام، خدمة لأجندات أجنبية".