خرج رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي من عين التينة، بعد لقائه رئيس البرلمان نبيه بري، مجددا، ممتعضاً من دون الإدلاء بأي تصريح، ما فتح الباب "الإعلامي" أمام رسم سيناريوهات كثيرة لمحتوى الاجتماع صبّت كلها في خانة "السلبية" و"السجال الحاد المتبادل"، مروراً بالتهديد بخطوات تصعيدية، أبرزها من جانب بري، قبل أن تخرج أخبار تفيد بتوجه ميقاتي إلى الاستقالة مساءً، فسارعت مصادره إلى نفي الخبر.
ورُبطت زيارة ميقاتي إلى عين التينة بما يشاع عن تسوية سياسية تطبخ، قبيل ساعات على القرار المنتظر صدوره عن المجلس الدستوري إزاء الطعن الذي تقدم به "تكتل لبنان القوي" برئاسة النائب جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية)، في التعديلات التي طاولت قانون الانتخاب.
ومن أركان تلك التسوية "بري – باسيل – حزب الله"، ومن شأنها أن تطيح المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، واقتراع المغتربين وبعض القضاة، وتفعّل الحكومة، ولكنها لم تنضج بعد، في ظل حديث عن تمسك بري بقضاة محسوبين عليه، وخلافات بين أركان "التسوية" حول المطالب، يضاف إليهم رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط.
واكتفى ميقاتي لدى خروجه غاضبا من مقر رئاسة مجلس النواب بالإجابة عن أسئلة الصحافيين حول "الصفقة" بالقول: "نحن لسنا معنيين".
نحنا غير معنيين…
— Jean Nakhoul (@JeanNakhoul) December 20, 2021
إيه والله ولا نحنا 🤷🏻♂️ pic.twitter.com/GfwmOKHTCv
ويؤكد مصدر مقرب من ميقاتي، لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الوزراء يواصل اتصالاته ولقاءاته من أجل حث المسؤولين على ضرورة عقد مجلس الوزراء، متمسكا أيضا بما حمله من أجواء إيجابية في اجتماعه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس"، مع العلم أن هذه المشهدية تظهر عدم اكتراث المسؤولين في لبنان إلى مناشدات غوتيريس التي يكررها منذ أمس الأحد.
ويعيد المصدر تأكيد أن "ميقاتي ما يزال يتريث في دعوة مجلس الوزراء للانعقاد حتى حلّ الأزمة، ليتفادى أي ردات فعل، أخطرها الاستقالة من الحكومة، بيد أن أي تطور لم يحصل بعد مع حزب الله وحركة أمل (برئاسة بري)"، من دون أن يخفي ميل ميقاتي إلى أحقية مطالب الحزبين بصلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، و"لكنه لا يتدخل في القضاء".
وتنفي أوساط الرئيس ميشال عون الحديث عن مقايضة على حساب التحقيق بانفجار بيروت، مع العلم أن ما زاد فرضية نضوج التسوية الموقف الأخير الصادر عن "التيار الوطني الحر" برئاسة باسيل، الذي توقف فيه بشكل لافت عند استنسابية التحقيق، ما عرّضه لهجوم كبير دفع بعض نوابه إلى التوضيح بأن المقصود مدة التوقيف الطويلة التي طاولت الموقوفين في الملف، ومخاطر تأخر صدور القرار الظني.
ولم يحسم المجلس الدستوري قراره بعد، إذ تتجه الأنظار غداً إلى المسار الذي سيسلكه الطعن الذي تقدم به تكتل باسيل، ويسعى من خلاله بالدرجة الأولى إلى حصر اقتراع المغتربين بالنواب الستة الذين يمثلون الاغتراب، عدا عن نيته إجراء الانتخابات في مايو/أيار المقبل، مع الإشارة إلى أن المجلس له أن يقرر إبطال التعديلات جزئياً أو كلياً، وهو ما فتح أيضا الباب أمام احتمال منح باسيل مطلبا واحدا في إطار الصفقة.
وتؤكد مصادر "الدستوري"، لـ"العربي الجديد"، أن "كل ما يشاع يأتي في خانة الصراع السياسي والتقصد برمي أخبار لجسّ النبض، والمجلس لا يخضع لأي إملاءات سياسية".
ويوضح المحامي جاد طعمة، لـ"العربي الجديد"، أن "المجلس الدستوري يحتاج لإصدار قراره إلى أكثرية موصوفة حددها القانون بموافقة 7 أعضاء منه، علما أن نصاب أي جلسة لتُعقد هو حضور 8 أعضاء من أصل 10".
وأشار إلى أنه "في حال لم يتوصل المجلس إلى موافقة 7 أعضاء يعتبر الطعن كأنه لم يكن، ويصبح القانون الصادر عن مجلس النواب بمنأى عن أي مراجعة طعن بمضمونه، وبالتالي سيكون للمغتربين حق التصويت في كل الدوائر الانتخابية، أما في حال قبول الطعن فسينحصر تصويتهم كل حسب القارة الموجود فيها على 6 مقاعد نيابية، ما يريح التكتل ورئيسه".
ويلفت إلى أن "الطعن يعتريه ضعف قانوني في فهم دور المجلس الدستوري الذي يراقب مدى دستورية القوانين وليس مدى ملاءمتها لمنطق الأمور ومقتضيات الواقعية، ولذلك فقد انقسم أعضاء المجلس الدستوري مناصفة بين قبول الطعن ورفضه، ما استدعى حصول صفقة سياسية يتم الحديث عنها قد تكون أدت إلى خروج الرئيس ميقاتي ممتعضا من عين التينة".
ويشير طعمة إلى أن "تصويت المغتربين إن لم يتم حصره في 6 مقاعد مثلما يقترح التكتل، فمن شأن التصويت في جميع الدوائر الانتخابية قلب المعادلات، مما يهدد بشكل مباشر إمكانية باسيل في الوصول إلى الندوة البرلمانية، وهذا من شأنه اغتياله سياسيا، وهي ضربة أستاذ وجهها رئيس مجلس النواب له".
ويحذر المحامي والمدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" نزار صاغية من مخاطر التسوية في منع المساءلة القضائية، وأنها قد تؤدي أيضاً إلى تطيير الانتخابات برمتها.
غدا اخر يوم لاصدار المجلس الدستوري قراره في قضية الانتخابات. يحصل هذا في ظل تنامي الحديث عن تسوية غير اخلاقية مؤداها ابقاء اصحاب الحصانات بمنأى عن اي مساءلة قضائية مقابل تجريد المغتربين من اصواتهم وربما تطيير الانتخابات وصولا الى ضرب المساءلة الشعبية.
— Nizar SAGHIEH (@nsaghieh) December 20, 2021
وأصدر مكتب ميقاتي الإعلامي بياناً، مساء اليوم، أوضح فيه أن رئيس الوزراء كرر خلال اجتماعه مع بري "موقفه المبدئي برفض التدخل في عمل القضاء بأي شكل من الأشكال، أو اعتبار مجلس الوزراء ساحة لتسويات تتناول مباشرة أو بالمواربة التدخل في الشؤون القضائية بالمطلق".
كما كرر وجوب أن تكون الحلول المطروحة للإشكالية المتعلقة بموضوع المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء منوطة بأحكام الدستور دون سواه، من دون أن يقبل استطرادا بأي قرار يستدل منه الالتفاف على عمل المؤسسات، كما يؤكد مكتبه.
وشدد على أن "ميقاتي مستمر في مهامه وجهوده لحل قضية استئناف جلسات مجلس الوزراء، وأي موقف لاحق قد يتخذه سيكون مرتبطا فقط بقناعاته الوطنية والشخصية، وتقديره لمسار الأمور".