عاد ملف لبنان ليُطرَح بقوّة في عناوين المواقف الدولية، وعلى رأسها فرنسا، صاحبة المبادرة الإنقاذية التي باتت على شفير الانهيار، تماماً كالوضع الداخلي اللبناني الذي يعاني من أسوأ أزمة معيشية ونقدية في تاريخه وسط انسداد الأفق الحكومي.
ويقرأ معنيون في الشأن السياسي المحلّي أنّ اللقاء الثامن عشر بين الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، اليوم الاثنين، لن يخرج بأي تطوّرٍ كبيرٍ، إلّا في حال لعبت مشاورات الأنفاس الأخيرة دورها في تليين موقف الحريري.
وقبيل اللقاء المنتظر في قصر بعبدا، يضع الرئيس الحريري ثلاث لاءات، "لا لحكومة تكنو-سياسية، لا لحكومة فوق 18 وزيراً، لا للثلث المعطل"، وفق ما يؤكد عضو "كتلة المستقبل" النائب عثمان علم الدين لـ"العربي الجديد".
ويلفت علم الدين إلى أنّ لقاء اليوم قد يكون مثمراً إذا كان الرئيس ميشال عون مدركاً لحجم المخاطر والانهيار الذي يدمّر لبنان على مختلف الأصعدة، والوضع الراهن يحتّم وجود حكومة اختصاصيين لا سياسية ولا تكنو-سياسية ولا محاصصة فيها، تعمل انطلاقاً من المبادرة الفرنسية، وتعوّل على الدول الصديقة والدعمين الدولي الأوروبي والعربي للنهوض بالبلاد.
وفي معرض تعليقه على المبادرة التي أطلقها رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط بضرورة الذهاب باتجاه تسوية تولد من خلالها الحكومة، وقبله دعوة أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله إلى حكومة تكنو-سياسية، يشدد نائب "المستقبل" على أن الحريري واضح وصريح وليس لديه أي شيء مخبّأ، فهو لن يساوم على شكل الحكومة ونوعها وحجمها ويتمسّك بمهمّته من أجل وقف الانهيار.
ويلفت علم الدين إلى أن الحريري لن يعتذر اليوم، وتعنّته هذا ليس من بوابة ليّ ذراع أي طرف، بل لإدراكه التام أن كل الحكومات السابقة عجزت عن تأدية دورها وأثبتت عدم قدرتها على الإدارة المطلوبة، من هنا المطلوب حكومة مؤلفة من اختصاصيين غير حزبيين يعيدون ثقة المجتمع الدولي بلبنان واستئناف ضخّ المساعدات إليه.
وقال مصدر في قصر بعبدا الجمهوري لـ"العربي الجديد" إنّ الرئيس عون يدرك خطورة الأزمة، وهو بات متسلحاً بمواقف بعض الأحزاب التي تدرك أن تعنّت الحريري لن يؤدي إلى مكان سوى التعطيل الطويل لعمل المؤسسات وعرقلة ولادة الحكومة، وعلى الرئيس المكلّف أن يدرك أهمية التوصل إلى توافق ما وصيغة مشتركة، خصوصاً أنه ليس بمستقلّ، وهو رئيس حزب سياسي يجعل الحكومة حكماً بمثابة التكنو-سياسية.
وتطرّق وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، اليوم الاثنين، إلى الوضع اللبناني محذراً من مخاطر الانهيار، داعياً الاتحاد الأوروبي إلى التحرّك والبحث في سبل مساعدة لبنان، وذلك لدى وصوله إلى اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
وكرّر لودريان موقفه من الأزمة اللبنانية وأداء المسؤولين السياسيين، وإحباطه من عدم التوصل حتى الساعة إلى تشكيل حكومة جديدة.
من جهة ثانية، قال القائم بالأعمال البريطاني في لبنان مارتن لونغدن، لـ"مجلة الجيش اللبناني"، إنّ ما تريده المملكة المتحدة هو أن ترى لبنان بلداً مستقلاً وآمناً ومزدهراً، مضيفاً: "يقع لبنان في منطقة خطيرة، لكن استقراره يصبّ في مصلحة المنطقة والمجتمع الدولي، ونعتقد أن للجيش دوراً رئيسياً في تحقيق ذلك لمصلحة جميع اللبنانيين".
وتابع لونغدن حديثه: "أوافق على أنّها أوقات مظلمة وصعبة على لبنان. تضع الأزمات السياسية والاجتماعية والصحية والاقتصادية ضغوطاً غير عادية على الساحة الاجتماعية، ولا يمكن للجيش اللبناني أن يكون محصَّناً تماماً ضد ذلك. وقد قدّمت المملكة المتحدة وأصدقاء لبنان الدوليون الآخرون دعماً كبيراً في المجالات الأمنية والاقتصادية والتعليمية والإنسانية. إلا أنّ المطلوب فعلاً هو حلٌّ سياسيٌّ لهذه القضايا، وحكومة قادرة على إجراء إصلاحٍ حقيقيٍّ. وهذه مسؤولية السياسيين في لبنان، وليس المملكة المتحدة".