بحث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء أمس الأربعاء مع رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري خلال عشاء عمل في الإليزيه جهود فرنسا لتحضير الدعم الدولي للبنان فور تشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات اللازمة لوقف الانهيار الاقتصادي وإعادة أعمار ما تدمّر في بيروت من جراء انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس/ آب الماضي.
وقال مصدر مقرّب من الحريري، لـ"العربي الجديد"، إنّ رئيس الوزراء المكلّف شرح لماكرون الأسباب التي تحول دون تشكيل الحكومة، وتمسّك فريق رئيس الجمهورية ميشال عون ومن ورائه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، بالثلث المعطّل، وبحصصٍ وزارية وازنة، يفترض أن تكون مُناطة بأشخاصٍ مستقلّين ومن دون خلفيات حزبية، منعاً لتكرار تجربة الحكومات السابقة التي خسرت ثقة الشعب اللبناني والمجتمع الدولي وأوصلت البلاد إلى الأزمة الراهنة.
وأكد الحريري لماكرون أنه لا يسعى إلى التعطيل أو خلق عقبات، لافتاً إلى أنه دائماً ما يطرح حلاً وسطياً يلاقي فيه الرئيس عون، شرط أن يخطو رئيس الجمهورية خطوة أيضاً باتجاهه.
وفي وقتٍ ترددت فيه معلومات عن خرق قد يحدث في الأيام القليلة المقبلة، على صعيد حجم الحكومة وعدد المقاعد الوزارية وآلية التسمية، كرّرت أوساط بعبدا التأكيد لـ"العربي الجديد"، أن الرئيس عون هو أصلاً غير متمسّك بالثلث المعطّل، وجلّ ما يريده إشراكه بعملية التأليف، كما يكرّس الدستور له هذا الدور، وهو حق لن يتنازل عنه، تماماً كوحدة المعايير عند التشكيل، لافتة إلى أن أبواب القصر الجمهوري مفتوحة للرئيس الحريري انطلاقاً من هذه الحقوق.
من ناحية ثانية، أشار المصدر المقرّب من الحريري إلى أنّ ماكرون أبدى استعداده للعب دور لتقريب المسافة بين عون والحريري، وإيجاد حل توافقي يزيل العقبات التي تحول دون تشكيل الحكومة، لكنه في المقابل، شدد على أن تشكيل الحكومة شأن داخلي، وعلى الأفرقاء اللبنانيين التعاون معاً ووضع الخلافات جانباً نظراً للظروف الخطرة التي يمرّ بها لبنان، وتقتضي باستقرار سياسي ينعكس إيجاباً أمنياً واقتصادياً ودولياً.
في المقابل، وفي ظلّ الحركة الدبلوماسية اللافتة في الداخل اللبناني، دولياً وعربياً، وعودة السفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري إلى نشاطه وتكثيف جدول لقاءاته مع سفراء عددٍ من الدول الفاعلة والمطلعة على الملف اللبناني، تردّدت أنباء عن زيارة سيقوم بها مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل لبيروت نهاية الأسبوع الجاري، بيد أن مصادر السفارة الفرنسية في بيروت تتكتّم على الموضوع.
وأكدت مصادر السفارة الفرنسية لـ"العربي الجديد" أن أي موعدٍ لم يُحدَّد بعد، لكنها في الوقت نفسه لم تنفِ الموضوع، و"سيُعلَن" فور تأكده رسمياً، علماً أنّ دوريل كان قد زار لبنان في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وكان مكلفاً من قبل ماكرون إيصال رسائل واضحة إلى القوى السياسية بضرورة تشكيل الحكومة والبدء بالإصلاحات بما يتناغم مع المبادرة الفرنسية، لكنّ الحركة التي قام بها لم تحدث أي خرقٍ يُذكَر، لا بل اتسعت رقعة الخلافات بين الرئيسين عون والحريري، وعادت الأمور إلى نقطة البداية، لا بل أسوأ من ذلك، في ظلّ الاتهامات المتبادلة بـ"الكذب والتعطيل".
وكان وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قد زار لبنان أول من أمس الثلاثاء الماضي، 9 فبراير، وقام بجولة على القادة السياسيين، شدّد فيها على ضرورة وضع القوى السياسية اللبنانية المصلحة الوطنية فوق كل المصالح الحزبية والسياسية، نظراً لحساسية المرحلة ودقتها، وأهمية تشكيل الحكومة في أسرع وقتٍ ممكن، معلناً، في مستهل زيارته التي بدأها بلقاء الرئيس عون، أن لا مبادرة في الوقت الراهن لجمع الأفرقاء اللبنانيين في قطر، وأن أي برنامج اقتصادي متكامل لدعم لبنان يتطلب وجود حكومة حتى تستطيع الدولة القطرية العمل بالشراكة معها على برامج اقتصادية ووفق معايير معينة.
على صعيدٍ آخر، قرّر "تيار المستقبل" برئاسة الحريري، إلغاء الاحتفال المركزي الجامع بإحياء الذكرى الـ 16 لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، في ظلّ ما تعيشه البلاد من ظروف استثنائية من جراء تفشي فيروس كورونا، على أن يقتصر إحياء الذكرى على كلمة متلفزة للرئيس سعد الحريري يلقيها في المناسبة، وفق بيان أصدره أمس الأربعاء.
وطلب التيار، من منسقياته في المناطق عدم القيام بأي نشاطات تتضمن تجمعات أو ما شابه، حرصاً على السلامة العامة، على أمل إحياء الذكرى الـ 17 في العام المقبل.
وتتجه الأنظار إلى الكلمة التي سيلقيها الحريري بالمناسبة، التي بحسب المصدر المقرّب منه، قد تطرأ عليها تعديلات تبعاً لنتائج مشاوراته الفرنسية والداخلية اللبنانية، التي في حال فشلها سيكون موقفه عالي السقف على صعيد الحكومة ومسار التأليف برمّته، وقد يكون الحدث مفصلياً لتحديد وجهة المرحلة المقبلة.