تطابقت معلومات مصادر ليبية خاصة حول كواليس دخول رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا إلى العاصمة طرابلس، موضحة أن باشاغا يواجه نقدا محليا كبيرا حيال خطوة إقدامه على دخول العاصمة، دون وجود أي تنسيق كامل بينه وبين داعميه.
وأكدت المصادر أن من بين منتقدي باشاغا عدد من النواب المقربين من رئاسة مجلس النواب، بمن فيهم عقيلة صالح، مشيرة إلى أن ترتيب باشاغا لدخول طرابلس جرى بشكل مستعجل وغير معد له.
ويسود الهدوء الكامل العاصمة طرابلس بعد ساعتين من الاشتباكات التي دارت حول مقر كتيبة النواصي، التابعة لوزارة داخلية حكومة الوحدة الوطنية، والتي أصدرت بيانا، فجر اليوم، ترحب فيه بدخول باشاغا للعاصمة، وأمنت دخوله واستضافته في مقرها.
وبرر باشاغا، عبر مكتبه الإعلامي، خروجه من العاصمة طرابلس بعد ساعات من إعلانه دخولها، بأنه "حرصا على أمن وسلامة المواطنين وحقنا للدماء وإيفاءً بتعهدات الحكومة التي قطعتها أمام الشعب الليبي بخصوص سلمية مباشرة عملها من العاصمة وفقا للقانون"، ولم يعلن عن وجهته بعد خروجه من مقر النواصي.
وفي التفاصيل، أشارت المصادر إلى اتفاق جرى بين ممثلي باشاغا وقادة بعض التشكيلات المسلحة في طرابلس، أثناء لقائهم في اجتماعات مونترو في سويسرا غير الرسمية، التي جرت في مطلع الأسبوع الجاري، أكدوا له خلالها استعدادهم لتقديم الحماية له وتسهيل وصوله إلى مقرات الحكومة في طرابلس.
واحتضنت مونترو اجتماعات غير رسمية بين عدد من قادة التشكيلات المسلحة من مختلف مناطق ليبيا، من بينهم ممثلون عن اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر وكتائب طرابلس، وعدد من أعضاء مجلسي النواب والدولة، برعاية مركز الحوار الإنساني، قبل ان تُختتم يوم الأحد الماضي، على أن يتم استئنافها في مطلع الشهر المقبل في المغرب، لمواصلة مناقشة عدد من القضايا السياسية والعسكرية.
ووفقا للمصادر ذاتها، فإن نتائج اجتماعات مونترو كان أبرزها اتفاق القادة العسكريين على ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية في البلاد واتفاقهم على البدء في وضع خطط لذلك بدءا من اجتماعات ستجري في المغرب خلال الفترة المقبلة، مشيرة إلى أنه تم تمثيل أغلب تشكيلات طرابلس في الاجتماعات وبغياب ممثلين عن القيادات العسكرية الداعمة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة.
ورجحت المصادر أن يكون للعلاقات المتوترة بين قادة الكتائب في طرابلس ارتباط برغبة بعضهم في تشجيع باشاغا على دخول طرابلس، خصوصا العلاقات بين قادة كتيبة النواصي وجهاز دعم الاستقرار.
وتعد كتيبة أبوسليم التي تعمل تحت مسمى جهاز دعم الاستقرار، وكتيبة النواصي التي تعمل تحت مسمى القوة الثامنة، وكتيبة الردع التي تعمل تحت مسمى جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وكلها تتبع لوزارة داخلية الحكومات التي توالت على طرابلس، من أكبر الفصائل المسلحة في طرابلس، بالإضافة للواء 444 الذي يتبع لوزارة دفاع حكومة الوحدة الوطنية.
وتسيطر كتيبة النواصي على منطقة ميناء طرابلس ومحيطها بما في ذلك قاعدة أبوستة البحرية، وقطاع من منطقة طريق الشط. ووفقا لأحد المصادر، وهو ضابط في مديرية أمن طرابلس، فإن باشاغا وصل الى طرابلس عن طريق بلدة الزنتان (180 كم غرب طرابلس)، برفقة رتل مسلح تابع للنواصي، مرورا بمناطق سيطرة اللواء 444، جنوب شرق طرابلس، الذي لم يعترضه.
وأضاف المصدر "كان من المفترض أن ينظم عدد من التشكيلات المسلحة متوسطة التسليح والموزعة في أكثر من مكان في طرابلس لعملية السيطرة السريعة على مقار الحكومة، لكن جهاز دعم الاستقرار فاجأ الجميع بحجم القوة التي قام بنشرها، وسريعا ما طوق مقر كتيبة النواصي .. وكل ذلك حدا بالكتائب الأخرى لتراجعها عن وعودها لباشاغا".
وبعد أربع ساعات من ظهور باشاغا، في كلمة مرئية مقتضبة، يؤكد فيها دخوله لطرابلس، تمكن قائد اللواء 444 من الدخول في وساطة لإنهاء الاشتباكات وتوفير ممر آمن لخروج باشاغا، وتم نقله إلى مقر اللواء 444 تحت حراسة مشددة، وفقا للمصدر الأمني.
وجهة باشاغا عقب خروجه من طرابلس
وفيما أعلن باشاغا خروجه من العاصمة طرابلس، لم يعلن حتى الآن عن وجهته، لكن الراجح أنه عاد إلى منطقة الزنتان الجبلية.
وفيما أظهر بيان رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، صباح اليوم، انزعاجه من اندلاع الاشتباكات بشكل مفاجئ، أكد مصدر برلماني انتقاد عقيلة صالح دخول باشاغا إلى طرابلس دون تنسيق كامل معه.
وكان صالح قد أبلغ السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، أثناء لقائه به في القاهرة أخيرا، بعزم باشاغا وحكومته على العمل من مدينة سرت، وسط البلاد، وأن ذلك "سيمكنها من العمل بحرية تامة، ولن تقع ضحية لابتزاز المليشيات أو من أي كان"، بحسب المكتب الإعلامي لعقيلة صالح.
كما صوت مجلس النواب، خلال جلسة الأسبوع الماضي، على عقد جلسة في الفترة المقبلة (لم يحدد موعدها) في مدينة سرت دعما للحكومة لمباشرة عملها من مدينة سرت"، بحسب بيان للمتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبد الله بليحق.
وفي تصريح تلفزيوني، أوضح بليحق، عقب بيانه، أن عمل حكومة باشاغا من سرت ستكون له آثار إيجابية، منها حقن دماء الليبيين، مشيراً إلى أن المجلس اختار عقد جلسة في المدينة "دعما لانطلاق عمل الحكومة من داخلها". وأكد بليحق، في التصريح ذاته، أن عقيلة صالح تناول تلك المسألة خلال لقائه الأخير مع السفير الأميركي، وأكد له أن "وجود الحكومة في سرت سيحول دون إدخال البلاد في حرب جديدة".
ولم يعلن مجلس النواب حتى الآن عن موقفه الرسمي حيال محاولة باشاغا دخول العاصمة، كما لم يصدر عن قيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي تقارب مع باشاغا، أي موقف أيضا.
وحظي الحدث في طرابلس باهتمام دولي، فقد طالبت المستشارة الأممية ستيفاني وليامز والسفارتان الأميركية والبريطانية لدى ليبيا الأطراف بضبط النفس ووقف الاشتباكات، مؤكدين على ضرورة استمرار المشاورات بين الأطراف السياسية حول الإطار الدستوري للانتخابات.
وجاءت حكومة باشاغا نتيجة اتفاق لجنتين من مجلسي النواب والدولة، وقام بعد اتفاقهما مجلس النواب في فبراير/شباط الماضي بإقرار خريطة طريق، وتعديل الإعلان الدستوري، وتكليف باشاغا بتشكيل حكومة، الأمر الذي رفضه مجلس الدولة وحكومة الوحدة الوطنية.
وكانت حكومة باشاغا قد أدت اليمين القانونية مطلع مارس/آذار الماضي أمام مجلس النواب في طبرق، وتمكنت بعد ذلك من بسط نفوذ في شرق وجنوب البلاد.