لقيت اتهامات قائد الجيش السوداني، الجنرال عبد الفتاح البرهان، أمس السبت، لقوات الدعم السريع بالتورط في حادثة فض اعتصام محيط قيادة الجيش، قبل أكثر من 4 سنوات، اهتماماً كبيراً في الأوساط السياسية والحقوقية السودانية، كونه الاتهام الأول من نوعه في قضية فض الاعتصام.
وجاءت اتهامات البرهان خلال حديث له في مدينة عطبرة شمالي السودان، التي وصل إليها قادماً من مدينة بورتسودان مقره الحالي عقب خروجه من الخرطوم التي تشهد تصاعداً في العمليات العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ووقعت حادثة فض اعتصام محيط الجيش، في 3 يونيو/ حزيران 2019، حين هاجمت قوات من الدعم السريع وأخرى بزي الشرطة وثالثة بالزي المدني محيط قيادة الجيش، حيث كان يعتصم آلاف السودانيين للضغط على المجلس العسكري، برئاسة الجنرال البرهان ونائبه الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لتسليم السلطة للمدنيين عقب نجاح الثورة السودانية والإطاحة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير في 11 إبريل/نيسان 2019.
وأوقع الهجوم أكثر من مائة قتيل في صفوف المعتصمين وجرح الآلاف، فيما تحدثت تقارير حقوقية عن اغتصاب عدد من المشاركات في الاعتصام، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادثة، بينما كانت تشير أصابع الاتهام لقوات الدعم السريع وفلول النظام السابق، مع اتهام الجيش بالتواطؤ والاكتفاء بالمشاهدة وعدم التدخل، رغم أن الهجوم وقع على بعد أمتار من قيادته ومن مقر إقامة الجنرال البرهان.
🔴 البرهان من المدفعية عطبرة: قوات الدعم السريع متورطة في فض إعتصام القيادة العامة. pic.twitter.com/dMG9OZqi7H
— ذوالكــفـل ® (@HkZuk) September 30, 2023
وبعد تشكيل حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في أغسطس/ آب 2019، وبموجب الوثيقة الدستورية، تشكلت لجنة مستقلة برئاسة المحامي نبيل أديب، للتحقيق في جريمة فض الاعتصام، لكن اللجنة لم تصل لنتيجة حتى 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 حين انقلب البرهان وحميدتي معاً ضد حكومة حمدوك، وذلك وسط غضب من أسر الشهداء ولجان المقاومة، دينمو الحراك الثوري في البلاد، الذين اتهموا الجميع بـ"بيع دماء الشهداء".
ولم يصدر حتى الآن تعليق رسمي من قوات الدعم السريع حول اتهام البرهان، لكن اللواء المتقاعد صلاح الدين عيساوي، القريب من دوائر القرار في الدعم السريع، أقرّ، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، بمشاركة قوات الدعم في حادثة فض اعتصام محيط قيادة الجيش، "لكن لم تكن وحدها وقتئذ، إذ شاركتها قوات من الشرطة وأخرى من الفلول، وكل شيء تم بأوامر وعلم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي اندهش الجميع لحديثه اليوم بعد صمت استمر لأكثر من أربع سنوات".
وأشار عيساوي إلى أن "البرهان بذلك الاعتراف يقدم دليلاً قوياً على تورطه"، معتبراً أن حديث البرهان يأتي "بغرض تخفيف الضغط على فلول النظام البائد بعد أن بدأت مسيرة مطاردتهم دولياً، خصوصاً بعد صدور عقوبات أميركية، الأسبوع الماضي، بحق أمين عام الحركة الإسلامية علي أحمد كرتي، لمساهمته في إشعال الحرب الحالية".
ولم يجد حديث البرهان ارتياحاً وسط "أسر شهداء حادثة فض الاعتصام" الذين ينتظرون تحقيق العدالة، وقالت إيمان إسماعيل، إحدى ضحايا فض الاعتصام، لـ"العربي الجديد"، إن "الإجابة عن سؤال من فض الاعتصام حسمها منذ وقت مبكر عضو المجلس العسكري الفريق شمس الدين الكباشي، حينما قال قولته المشهورة: "وجهنا بفض الاعتصام وحدث ما حدث".
ومن جهته، قال شهاب إبراهيم الطيب، القيادي في قوى الحرية والتغيير، إن "الخطابات السياسية التي تصدر من طرفي الحرب في هذا التوقيت لا قيمة لها، والقضية الرئيسية ليست في تبادل الاتهامات بشأن فض الاعتصام، خصوصاً أنها قضايا يمكن حسمها من خلال لجان تحقيق، وجريمة فض الاعتصام لا تسقط بالتقادم"، مبيناً أن الأولوية الآن هي "إيقاف هذه الحرب".
وأضاف الطيب أن "ما يتم حالياً من انتهاكات لا تقل عن مجزرة فض الاعتصام"، وجدد التأكيد على أن "أي مسؤولية عن المجزرة لا يتحملها طرف واحد، وسيتحملها الطرفان طال الزمن أم قصر"، مجدداً الدعوة لكل من الجيش والدعم السريع لـ"العمل على وقف الحرب بدلاً من تبادل الاتهامات".
ورأى الصحافي عبد الماجد عبد الحميد، في تعليقه على كلام قائد الجيش السوداني، بحديث لـ"العربي الجديد"، أن "حديث البرهان في عطبرة يعد اعترافاً خطيراً"، مبدياً استغرابه "من تأخره".
وقال محمد عبد الحكم، المسؤول الإعلامي في حزب التجمع الاتحادي، لـ"العربي الجديد"، إن "اتهام البرهان في هذا الوقت بالتحديد لا يمكن الأخذ به، فمن أطلق الاتهام هو في حالة حرب مع المتهم، وذات الأمر ينطبق على اتهامات ساقها الدعم السريع ضد الجيش. فالحقيقة هي ضحية الحرب الأولى".
وتساءل عبد الحكم: "إن سلمنا جدلاً بصحة حديث البرهان، فلماذا لم يوجه هذه الاتهامات قبل الحرب؟ هل دماء الشهداء الذين سقطوا أمام بوابات قيادة الجيش رخيصة لديه حتى يُغيب معلومات مهمة كهذه عمداً؟"، مضيفاً: "أعتقد أن الأطراف الضالعة في فض الاعتصام معلومة للجميع، وهذا الأمر يحتاج إلى تحقيق شفاف وعبر خبراء مهنيين للفصل في حقيقة ما جرى في مجزرة فض اعتصام القيادة، وهي جرائم لن تسقط بالتقادم، ولن يهدأ لنا بال حتى تطاول العدالة كافة الجناة".
ورأى المحامي حاتم إلياس أن "الأثر القانوني لاتهامات البرهان ضعيفة"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن البرهان "وضع نفسه موضع سخرية، حيث أراد كسب موقف سياسي وتبرئة نفسه والجيش، وبهذا يخلط بين تلك الواقعة التي كُلفت بها لجنة قانونية وبين المواقف السياسية، أو قل التصرفات والدوافع السياسية التي فرضتها الحرب وجعلت الأطراف المتصارعة تحاول تقديم تفسير جديد للأحداث والوقائع السابقة".
وأشار إلياس إلى أن "قضية فض الاعتصام تشكل أزمة وجدانية ونفسية للشعب السوداني الذي يبحث عن الحقيقة وتحديد المتهمين، بينما يسعى البعض لجعلها ضمن أدوات اللعبة السياسية"، مؤكداً أن "السؤال سيبقى معلقاً: لماذا صمت البرهان طيلة تلك الفترة؟ ولماذا انتظر قيام الحرب وخلافاته مع الدعم السريع ليعلن أن الدعم السريع هو من فض الاعتصام"، مشيراً إلى أن "البرهان بتصريحه يدين نفسه الآن، فهو كان على رأس أعلى سلطة في البلاد. فما الذي منعه وقتها طالما هو على علم بمن فض الاعتصام؟ لماذا لم يقدم الدعم السريع للمحاكمة؟ ولماذا صمت كل هذه الفترة لينتظر لحظة تفجر الحرب؟".
وأوضح إلياس أن "قانون الإثبات السوداني والقوانين الأخرى تضع محاذير كبيرة على شهادة الشريك، وتعتبرها من أضعف الشهادات ولا يعتد بها، لأن قانون الإثبات هنا يقول إن الشريك في الجريمة أو المتهم الشريك، وبغرض الإفلات من المحاكمة والعقاب، ربما سعى لإلقاء وزر الجريمة على شركائه الآخرين، وهذا ما يقوم به البرهان".