استمع إلى الملخص
- شهود عيان يروون تفاصيل مروعة عن المجزرة، مؤكدين على الطبيعة الصادمة والمتعمدة للعمل، مع التركيز على النساء والأطفال كضحايا رئيسيين.
- تم توثيق مقتل 107 أشخاص بالاسم، مع تقديرات تشير إلى أن العدد الإجمالي للقتلى بلغ 117، مما يجعل مجزرة الحولة رمزاً للعنف المروع في الحرب السورية.
يستذكر السوريون في مثل هذا اليوم 25 مايو/ أيار، مجزرة الحولة الدموية في ريف حمص الشمالي، والتي نفذتها قوات النظام السوري عام 2012، على الأطراف الجنوبية لمدينة تلدو، وقُتل خلالها أكثر من 54 طفلاً، بينهم من قُتل رمياً بالرصاص، ومن قُتل بحراب البنادق، أو بأدوات حادة. مشاهد القتل الدموية ما زالت عالقة في ذاكرة الشهود بعد 12 عاماً على ارتكاب المجزرة المرعبة، خصوصاً أن من بين القتلى أطفالاً رضعاً لم تتجاوز أعمارهم بضعة أشهر.
ومن الشهود، عبد الله المحمد الذي كان من بين موثقي أسماء قتلى المجزرة، والذي روى لـ"العربي الجديد" مواقف صادمة عاشها حينها، وقال: "ما رأيناه مرعب. لم نكن نتخيل بوصفنا سوريين أن تُرتكب مجزرة كالتي حصلت في الحولة بهذه الوحشية والدموية، كنا نعرف الموت بالقصف المدفعي، لكن أن يتعمد النظام وأعوانه ارتكاب مجزرة كهذه، الأمر كان صادماً وقتها. بحسب طرق القتل التي شاهدناها على الجثث، من نفذ عمليات قتل الأطفال هم أشخاص مدربون على القتل، لا يملكون أدنى مشاعر من الإنسانية تجاه طفل أو امرأة، ولم تكن المجزرة ردة فعل أبداً بحسب ما أشيع".
وتابع المحمد: "الصدمة الأولى التي عشناها، هي ظننا أن المجزرة ارتكبت بحق قلة من الأفراد، لكن الصدمة الحقيقة كانت عند بدء السيارات بنقل الجثث إلى المستشفى الميداني، والقصف الذي لم يتوقف على مدار الساعة بعد ظهر يوم الخامس والعشرين من مايو، لمدة لا تقل عن 24 ساعة". أما عن الموقف الأصعب الذي مر به المحمد، فقال: "عندما نقلنا الجثث إلى المسجد بعد تكفينها، في اليوم التالي للمجزرة، كنت أكتب أسماء الشهداء على الأكفان، هناك جثث كثيرة لم نستطع أن نكفّنها، جثث مشوهة وفظاعة المنظر لا توصف، أغلب القتلى من النساء والأطفال".
وتابع: "كوني من أبناء حي بعيد عن حي طريق السد، لم أكن أعرف أسماء القتلى، خاصة من الأطفال والنساء، كنت أستعين بأحد الشبان من آل عبد الرزاق، لمعرفة أسماء القتلى وتدوينها على الأكفان. وحينها مررت بجثة طفل لم يتجاوز شهره الخامس وفق ما قدّرت، سألت الشاب عن اسمه، أجاب بعدم المعرفة، حينها كان بجانبنا رجل استند على ركيزة في المسجد، كان يبكي، سألناه إن كان يعرف اسم الطفل، حينها نظر إلى الجثة، وقال إنه ابنه، سمّى الطفل وانهار حينها. توجهنا نحوه وحاولنا تهدئته، ومن ثم كتبنا اسم الطفل، مررنا بجثة طفل آخر وسجلنا اسمه، بعدها انتقلنا إلى جثة طفل في العاشرة من العمر، سألت الشاب عنها، وأجاب أنه لا يعرف. عدنا إلى الرجل ذاته، وفور أن وجه نظره إلى الجثة، قال إنه ابنه الثاني، وانهار بالبكاء".
وقال: "كان يبحث عنهم، من كان بالقرب منا توجه إليه وحاول تهدئته معنا. من ثم انتقلنا إلى جثة فتاة بعمر 11 عاماً، أيضاً لم يعرف الشاب اسمها، الرجل ذاته الذي تعرف على الجثتين قبلها تعرف على جثة الطفلة وقال إنها ابنته. وبعدها تعرف على جثة طفل رابع. جميعهم أبناؤه. في الحقيقة الموقف يفطر القلوب، انهار الرجل، وما حدث كافٍ ليهدّ الجبال".
مأساة
يتذكر عباس الحسين الذي كان أيضاً من بين الشهود على مجزرة الحولة، المواقف الصعبة التي عاشها، بوصفه أحد كوادر قطاع الصحية، وقال لـ"العربي الجديد": "المجزرة كلها مأساة، وكلّ شخص شهد المجزرة مر بموقف صعب. منذ بداية دخول الجثث إلى المستشفى الميداني، وحتى دفنهم، هناك مشاهد عالقة في ذهني بعد مرور 12 عاماً على المجزرة. في البداية كان عدد الجثث التي وصلت إلى المستشفى 24، جميعهم من النساء والأطفال. لم يكن هناك أي رجل، المشهد صادم، الصدمة الثانية كانت مع استمرار وصول السيارات التي تنقل الجثث إلى المستشفى".
وأردف الحسين: "في اليوم التالي للمجزرة، بعد تأخير الدفن حتى وصول المراقبين الدوليين، كنت شاهداً على جثة طفل لم يتجاوز من العمر 5 أشهر، الطفل تعرض للضرب بطريقة وحشية على الرأس بأداة حادة ثقيلة، إما ساطور أو فأس تقطيع أشجار، وهذا ما عرفته كوني مختصاً في القطاع الصحي، الطفل أشقر، وأتساءل لغاية اليوم كيف يمكن أن يتجرأ أي شخص على قتل طفل بهذا العمر بالطريقة الوحشية تلك، كيف وصل بهم الحد إلى هذه الدناءة بقتل طفل رضيع، بغض النظر عن المعارضة للنظام أو الولاء له، كيف يمكن قتل الأطفال بهذه الوحشية. مجزرة الحولة مروعة في الحقيقة، وتبقى مشاهدها في ذهني إلى اليوم".
وارتكبت مجزرة الحولة في حي طريق السد وحي الطريق العام بعد ظهر يوم الجمعة في 25 مايو 2012، عندما تقدمت وحدات من جيش النظام في حي طريق السد، يردفها عناصر من مليشيات موالية له، لتبدأ عمليات تصفية عشوائية للمدنيين في الحي الذي يضم في غالبه أفراداً من عائلة عبد الزراق، ومن ثم توجهت مجموعات من جيش النظام مساء اليوم ذاته إلى منازل يسكن غالبها أفراد من عائلة السيد من الجهة الجنوبية لمدينة تلدو، برفقة عناصر مليشيات مدربة على القتل، لتمارس عمليات التصفية ذاتها للمدنيين، من دون التمييز بين أطفال أو نساء.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تم توثيق مقتل 107 أشخاص في مجزرة الحولة بالاسم الثلاثي. وأشارت الشبكة إلى أن هناك قتلى لم تتمكن من الوصول إلى بياناتهم، إذ بحسب التقديرات المحلية، بلغ عدد القتلى 117 شخصاً.