حثت بعثات دبلوماسية أوروبية الأطراف المعنية في لبنان على احترام استقلالية القضاء والسماح بتحقيق عادل وشفاف في انفجار مرفأ بيروت.
وأشارت بعثات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والنرويج وسويسرا في لبنان، في بيان صادر اليوم الجمعة، إلى أن "الحق في المعرفة والمساءلة ركيزتان من ركائز سيادة القانون".
وتجمّدت التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت مرة جديدة بعد قرار المحقق العدلي القاضي طارق البيطار إرجاء عقد جلسات استجواب المدعى عليهم في القضية التي كان يفترض أن تبدأ الاثنين الماضي بالاستماع إلى المدعى عليهما الوزيرين السابقين غازي زعيتر ونهاد المشنوق، وذلك من دون تحديد مواعيد جديدة، في ظلّ المعركة القضائية القائمة على جبهتي البيطار والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات.
وعرقل القاضي عويدات حركة المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت بعدما أمر الأجهزة المعنية بعدم تنفيذ قراراته وإجراءاته، وادعى عليه بتهمة "اغتصاب السلطة وإساءة استعمال السلطة والنفوذ" ومنعه من السفر وأحاله إلى التفتيش القضائي، علماً أن النائب العام التمييزي كان قد تنحّى عن الملف لصلة القرابة التي تربطه بالمدعى عليه النائب غازي زعيتر (ينتمي إلى حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري).
وتراجع القاضي عويدات من تلقاء نفسه عن تنحّيه، وسط اتهامات له بالسطو على صلاحيات المحقق العدلي وإخلاء سبيل جميع الموقوفين في الملف، بعدما قرّر البيطار العودة إلى التحقيقات التي توقفت لأكثر من سنة بفعل كف يده مؤقتاً، وذلك استناداً إلى دراسة قانونية أجراها تجيز له الملاحقة دون الحصول على إذن، وإصداره جملة قرارات في القضية، ضمنها الادعاء على عددٍ من الشخصيات السياسية والأمنية والعسكرية والقضائية بما في ذلك النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات.
وطالب "ائتلاف استقلال القضاء" في لبنان بإقالة النائب العام التمييزي فوراً "بعدما أصبح خطراً على النظام العام والسلامة العامة"، واصفاً فعل القاضي عويدات بالخطوة الانقلابية، بينما تقدم محامو أهالي الضحايا بدعوى مخاصمة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز ضد الدولة عن أعمال القضاة والخطأ الجسيم بإطلاق سراح الموقوفين في ملف انفجار المرفأ من قبل القاضي عويدات، في حين أشار "نادي قضاة لبنان" إلى أن ردة فعل القاضي عويدات غير مبرّرة وخارجة عن الضوابط والأصول بشكل صارخ بما يهدم أساسات العدالة والقانون.
تخوف من تسوية تطاول تحقيقات انفجار بيروت
في السياق، يقول الأستاذ الجامعي والناشط السياسي الدكتور علي مراد، لـ"العربي الجديد": "إننا أمام عملية ممنهجة لإفراغ التحقيق بانفجار مرفأ بيروت ومنع حصول أي تقدّم وعدم الإبقاء على أي موقوف أو مشتبه به، وبالتالي إفلاتهم من العقاب. هذه سياسة واضحة وهي لغاية الآن تؤتي ثمارها".
ويرى مراد أن "قرار القاضي البيطار بإرجاء الجلسات هو تعبيرٌ عن موازين القوى الحالية الضاغطة على التحقيق، إذ إنه كما هو ظاهر اليوم، فإن القدرة على الاستمرار بالمواجهة تصبح محدودة، لا سيما في ظل الجوّ السياسي والأمني الضاغط وعدم تنفيذ الأجهزة الأمنية قرارات البيطار، ومنها تبليغ المدعى عليهم بجلسات استجوابهم والاستماع إليهم".
وتابع مراد قائلا: "نتجه لكفّ يد مؤقت، ريثما تتبلور نتائج الاتصالات، وقد يكون ذلك مؤشر إلى عودة الوضع لما كان عليه، أي على طريقة التسويات الدائمة في لبنان، بحيث يستمرّ البيطار كمحقق عدلي من دون أن يفعّل طلباته، أي الاستماع إلى المدعى عليهم لنعود عندها إلى نقطة البداية".
من جهة ثانية، يشير الأستاذ الجامعي والناشط السياسي في لبنان إلى أن موضوع التدويل غير مطروح لأسباب عدة، منها أن الظرف الدولي لا يسمح بذلك، كما أنه ليست هناك مصلحة دولية للذهاب بهذا الاتجاه، ناهيك عن أن موازين القوى لا تسمح بذلك، بحسب قوله.
لافتاً إلى أن المطلوب هو الضغط من جانب أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت والمنظمات الحقوقية العالمية على الدول الأعضاء بمجلس حقوق الإنسان للموافقة على إرسال لجنة تقصي حقائق، تقوم أولاً بكشف الأسباب التي أدت إلى وقوع الحادث، وثانياً، تحميل المسؤوليات، وثالثاً، تحميل مسؤوليات عرقلة التحقيقات التي بصدور نتائجها يمكن أن تحدث فارقاً كبيراً وضغطاً لاستكمال التحقيقات في لبنان وإن كانت قراراتها غير ملزمة بالمعنى القانوني.
البعثات الأوروبية: مستعدون لدعم لبنان على مسار الاستقرار الاقتصادي
على صعيد آخر، أعربت بعثة الاتحاد الأوروبي والنرويج وسويسرا في لبنان عن عميق القلق حيال الوضع الراهن في لبنان، ودعت مجلس النواب إلى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية يوحّد الشعب اللبناني في إطار المصلحة الوطنية، كخطوة أولى لاستعادة قدرة مؤسسات الدولة اللبنانية على صنع القرار على المستويين الإداري والسياسي.
أيضاً، جدد الموقعون على البيان دعوة الأطراف المعنية في لبنان إلى التصرف بمسؤولية حتى تنفذ بالكامل الخطوات التي سبق الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي، معربين عن استعدادهم لدعم لبنان على مسار الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي الذي يتطلب إصلاحات بنيوية.
كما شددوا على أن موازنة العام 2023 يجب أن تعالج مسألة انهيار قيمة رواتب موظفي القطاع العام لتمكينهم من متابعة عملهم لصالح الشعب اللبناني.