بعد أن تحولت حتى ساعة متأخرة من الليلة الماضية إلى ساحة حرب امتلأت ببقايا الرصاص المطاطي، وقنابل الصوت، والغاز المسيل للدموع، ومطر الحجارة، والدماء التي سالت من عيون وأجساد المصلين، عادت ساحات المسجد الأقصى المبارك صبيحة هذا اليوم السبت، نظيفة ومهيّأة لاستقبال عشرات آلاف المصلين الليلة، ما لم تحل قوات الاحتلال دون وصول العدد الأكبر منهم لإحياء ليلة القدر.
انظروا للهمجية.. انظروا للتوحش الإسرائيلي.. هجوم شرس والهدف إخلاء #المسجد_الأقصى من المصلين!! pic.twitter.com/MBNCsOV5ch
— رضوان الأخرس (@rdooan) May 7, 2021
وقال مدير عام أوقاف القدس، الشيخ عزام الخطيب في حديث لـ"العربي الجديد"، "إن العشرات من طواقم موظفي الأوقاف ومئات المتطوعين من المصلين شرعوا منذ ساعات مبكرة بحملة تنظيف واسعة من مخلفات الاحتلال من الرصاص وبقايا قنابل الصوت والغاز، إضافة لأكوام كبيرة من الحجارة كانت شاهدة جميعها على هول ما اقترفه الاحتلال من عدوان على الأقصى والمصلين فيه".
رغم الوجع والألم
— ميدان القدس (@MaydanAlquds) May 7, 2021
المقدسيون يقومون بتنظيف ساحات الأقصى بعد المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الآمنين العزل pic.twitter.com/pSAv7wN5Hp
وأوضح الخطيب: "نحن في دائرة الأوقاف أتممنا جهوزيتنا الكاملة لاستقبال المصلين الذين سيحيون ليلة القدر هذه الليلة، وجميع طواقمنا من حراس الأقصى ولجان النظام والنظافة، وكذلك مراكز الإسعاف والعيادة الطبية على أتم الاستعداد والمسؤولية للقيام بواجباتها وحفظ أمن المسجد ومصليه".
وكانت الطواقم التمريضية والطبية التابعة للأوقاف تحاول حتى ساعات الصباح الأولى استعادة قوتها وعافيتها، بعد الدمار الكبير الذي لحق بالعيادة الطبية الرئيسية في المسجد الأقصى جراء اقتحام جنود الاحتلال لها، والاعتداء على الطواقم العاملة فيها من أطباء وممرضين وإلقاء قنابل الصوت داخلها، ما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة في مرافق العيادة وفي الأدوية والمواد الطبية الأخرى.
ورغم أن عدداً قليلاً من المصلين لم يتجاوز الثلاثة آلاف مصلّ أدوا صلاة قيام الليل قبيل فجر اليوم، بعد انسحاب قوات الاحتلال من باحات الأقصى، إلا أن أعداداً كبيرة من المصلين انضمت إليهم في صلاة الفجر، ومعظمهم من مدينة القدس وضواحيها ومن مدن وبلدات وقرى فلسطين المحتلة عام 1948، في مشهد رسم صورة من التحدي لجنود الاحتلال الذين واصلوا انتشارهم الكثيف حول أبواب المسجد الأقصى والبلدة القديمة من القدس وفي جميع محاور الطرق المؤدية إليها، وتخلل ذلك محاولة جنود الاحتلال التحرش ببعض الشبان المقدسيين على أبواب المسجد بإخضاعهم للتفتيش والتدقيق في بطاقاتهم الشخصية.
بعد ليلة دامية شهدتها ساحات المسجد الأقصى المبارك#صور .. المئات يؤدون صلاة الفجر في ساحات ومصليات المسجد الأقصى فجر اليوم السبت 26 رمضان . pic.twitter.com/M39uPu060Y
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) May 8, 2021
بينما كان حي باب حطة المتاخم للأقصى من ناحيته الشمالية، والمعروف ببأس مقاومة فتيانه وشبانه للاحتلال، مسرحاً لأعنف مواجهات استمرت حتى ساعات الفجر الأولى، ووصف ناشطون ما جرى في الحي بأنه مواجهة حقيقية واشتباك من نقطة الصفر، أصيب خلالها نحو 15 شاباً و5 من جنود الاحتلال.
القدس تشتعل.. مواجهات عنيفة في منطقة باب حطة بالقدس المحتلة pic.twitter.com/HAcVTXvxgW
— AlQastal القسطل (@AlQastalps) May 7, 2021
ساحة الشهداء: مشاهد جريئة
في حين، كانت ساحة الشهداء في باب العامود بمدينة القدس هي ساحة ثانية للمواجهة مع قوات الاحتلال، بعدما قذفت شرطة الاحتلال بالمياه العادمة نحو مئات الشبان الغاضبين، وعززت سلطات الاحتلال منذ ساعات الصباح تواجدها فيها وفي محيطها بعد ليلة من المواجهات، تخللتها مشاهد جريئة من المواجهة رسم أحدها الشاب إبراهيم الصوص من مدينة بئر السبع في فلسطين المحتلة عام 1948 الذي قفز في الهواء من فوق مجموعة من الجنود محاولاً تجاوز حاجزهم الذي أقاموه في قلب الساحة، قبل أن يعتقلوه وينهالوا عليه بالضرب العنيف، ولم يطلق سراحه إلا في ساعة متأخرة من الليل بكفالة مالية مقدارها خمسة آلاف شيكل (نحو 1500 دولار) وإبعاد عن القدس لمدة شهر.
#شاهد مواجهات عنيفة بين المواطنين وقوات الاحتلال قرب #باب_العامود بالقدس المحتلة. pic.twitter.com/7cmqYqd2sQ
— Newpress|نيو برس (@NewpressPs) May 7, 2021
أما مستشفى المقاصد، الذي استقبل العدد الأكبر من المصابين ومن بينهم من فقدوا عيونهم، فقد ازدحم هذا الصباح بالعديد من أقرباء الجرحى ومن المتطوعين الذين تبرعوا بدمائهم لإنقاذ الجرحى، ومنهم من أدخل العناية المكثفة لكسور في الجمجمة مثل الفتى عدي غيث نجل محافظ القدس عدنان غيث، بعد إصابته بعيارات مطاطية في الرأس.
في حين، شكّل شبان من بلدة الطور مجموعات من المتطوعين الذين تبرعوا بمركباتهم، وفتحوا بيوتهم لمساعدة وإيواء من تقطّعت بهم السبل من مواطني الضفة الغربية وفلسطينيي الداخل المحتل عام 1948.
ويقول موسى الصياد أحد المتطوعين، في حديث لـ"العربي الجديد"، "إن شبان البلدة عملوا حتى ساعات فجر اليوم، على مساعدة عشرات المواطنين ونقلهم بمركباتهم إلى حواجز للاحتلال توصلهم إلى مناطق سكناهم، بينما تم توفير وجبات طعام السحور لهم".
حي الشيخ جراح: المواجهة الرئيسية الثانية
أما حيّ الشيخ جراح الذي كان ساحة المواجهة الرئيسية الثانية بعد الأقصى، فما زال محيطه حتى ساعات ما قبل ظهر اليوم، محاصراً بحواجز الاحتلال وبعشرات الجنود الذين يواصلون منع من هم من غير سكانه من الفلسطينيين من دخوله، في حين يتحرك المستوطنون وبعضهم مسلح ببنادق أوتوماتيكية داخل الحيّ وفي البؤر الاستيطانية المقامة هناك، خاصة المقابلة لمنزل عائلة المواطن نبيل الكرد.
وشهد محيط الحيّ مواجهات استخدمت خلالها قوات الاحتلال الرصاص المطاطي وقنابل الصوت، إضافة إلى المياه العادمة التي قذف بها نحو المتضامنين والمساندين لسكان الحي، ما أوقع إصابات لدى الجانبين، في حين تحول الحي ومحيطه إلى ما يشبه المكرهة الصحية، بسبب كثافة المياه العادمة التي ألقيت بكميات كبيرة.
ويقول المقدسيون إنهم في انتظار ليلة ساخنة أخرى فيما لو حاولت قوات الاحتلال عرقلة وصولهم للمسجد الأقصى، علماً بأن حراكات شبابية دعت إلى النفير العام اليوم، للرباط في المسجد الأقصى وإحياء ليلته المباركة.
وحذّر نشطاء في هذه الحراكات من أنهم سيحولون ساحات القدس كلها إلى ساحات لإقامة الصلوات وتحدي قوات الاحتلال.
وفي مشهد آخر، يؤشر على تمسك المقدسيين بممارسة حياتهم اليومية، بدأت البلدة القديمة من القدس منذ ساعات الصباح تزدحم بزوّارها وروّادها والمتسوقين، بينما نشط العاملون في محال الحلويات، ومحال بيع اللحوم والسكاكر والخضروات في نقل كميات كبيرة من بضائعهم إلى محالهم عشية عيد الفطر المبارك، الذي تشهد فيه أسواق البلدة القديمة حركة نشطة للمتسوقين تستعيد التجارة في المدينة المقدسة عافيتها مرة واحدة في السنة خلال الشهر الفضيل.
أهالي الشيخ جراح يرفضون زيارة منصور عباس
وفي وقت لاحق، أعلنت لجنة أهالي حي الشيخ جراح وأهالي الحي اليوم السبت، رفضهم زيارة النائب في الكنيست الإسرائيلي منصور عباس للحي.
ووفق بيان صحافي، عممته لجنة الشيخ جراح وأهالي الحي، فقد أكدت أن موقفها تجاه زيارة منصور عباس كان وما زال الرفض التام لزيارته، وزيارة أي جهة تخون الشعب الفلسطيني وتتحالف مع المستوطنين والجهات الصهيونية ضده.