اعتبرت هيئة الدفاع في قضية "أنستالينغو" المتهمة بالتجسس وتبييض الأموال، خلال ندوة صحافية اليوم الخميس، أنه جرى توظيف الملف لأهداف سياسية من خلال الزج بزعامات حزبية، من بينها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، لتصفية الخصوم والمعارضين.
وقالت هيئة الدفاع إن "هناك إيهاماً وترويجاً خاطئاً بأن مؤسسة أنستالينغو تنشط في التجسس، في حين أنها مؤسسة تجارية قانونية مصدرة كلياً تعمل في مجال المحتوى الإعلامي الرقمي، وتقدم صناعات ذات طبيعة رقمية، كترجمة المقالات التي تنتجها وسائل إعلام دولية معروفة، وهي تتعامل في نطاق عملها مع عدة دول على غرار الولايات المتحدة ودول الخليج وغيرها".
وأكدت هيئة الدفاع، خلال الندوة الصحافية، أنّ "جميع معاملات هذه المؤسسة تخضع للقانون التونسي ولمبدأ الشفافية وفق التصاريح المالية الجبائية والتزاماتها مع الصناديق الاجتماعية، وهو مثبت في الوثائق التي سلمت للجهات القضائية والبنك المركزي".
واعتبرت هيئة الدفاع أن "مسألة تتبع الشركة وظّفت سياسياً واستعملت القضية لتصفية الخصوم والتضييق على الحريات".
وكانت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بسوسة 2 قد أذنت، يوم 20 يونيو/حزيران الماضي، بفتح بحث تحقيقي ضد 28 شخصاً مشتبهاً بهم، من بينهم من شملهم البحث سابقاً في ملف ما بات يعرف بقضية "شركة أنستالينغو" التي كانت منتصبة بمدينة القلعة الكبرى (محافظة سوسة بالساحل التونسي) والمختصة في صناعة المحتوى والاتصال الرقمي.
ومن بين المشتبه بهم في هذه القضية، المتحدث الرسمي السابق باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي، والقيادي بحركة النهضة عادل الدعداع.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، أكد المتحدث الرسمي باسم هذه المحكمة علي عبد المولى، في تصريحات صحافية، أنه وجهت للمشتبه فيهم تهم "تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي، مع إضافة تهمة ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة وتهمة المؤامرة الواقعة لارتكاب أحد الاعتداءات ضد أمن الدولة الداخلي".
وأضاف عبد المولى أنّ "6 من العاملين في الشركة تم الاحتفاظ بهم، من بينهم صحافية، مثلوا أمام النيابة العمومية، كما مثلوا أمام قاضي التحقيق بالمكتب الأول في المحكمة الإبتدائية بسوسة 2، الذي قرر مواصلة الاحتفاظ بهم على ذمة التحقيق".
ولفت إلى أن "النيابة العمومية وجهت نفس التهم لثلاثة أشخاص آخرين مدرجين بالتفتيش، وهم صاحب الشركة وزوجته وطرف ثالث، وهم موجدون خارج البلاد، وذلك بعد اتخاذ إجراء منع السفر في حق المحتفظ بهم".
وقامت وحدات أمنية مختصة في وقت سابق، بإذن النيابة العمومية، بحجز 23 وحدة إعلامية مركزية، كانت بحوزة العاملين بهذه الشركة، لتُعرَض على مخبر التحاليل الفنية، إلى جانب عرض الأشخاص والذوات المعنوية على الاختبارات الفنية والمالية.
وفي ندوة صحافية سابقة، أفادت المتحدثة باسم وزارة الداخلية فضيلة الخليفي، حول قضية شركة "أنستالينغو"، بأنه "لا أحد فوق القانون وأنه رغم انتساب أحد المحتفظ بهم في هذه القضية إلى المؤسسة الأمنية، فقد أُخضع للبحث مثل غيره من المشتبه بهم، وقد أصدر قاضي التحقيق في حقه بطاقة إيداع في السجن".
وقال عضو هيئة الدفاع المحامي سمير بن عمر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه القضية تكتسي صبغة سياسية صرفة، وكل المؤشرات تقود إلى ذلك، بداية من طريقة التعاطي مع القضية وظروف إثارة الملف والإجراءات المتابعة".
وبيّن بن عمر "أن قاضي التحقيق الذي كان متعهداً بالقضية تخلى عن الملف، فعُزل من قبل السلطة السياسية القائمة بسبب رفضه الخضوع لإملاءات السلطة السياسية ورفضه الزج بأشخاص لا علاقة لهم بالملف".
وأوضح أنّ "قاضي التحقيق المعزول من ضمن قائمة القضاة الـ57 المعفيين من قبل قيس سعيّد رغم عدم وجود شبهة فساد حوله، تهمته رفض تعليمات السلطة السياسية".
وتابع عضو هيئة الدفاع أنه "بعد إعفاء قاضي التحقيق، جرى تعهيد الملف إلى قاض ثان، وجرت إعادة إثارة الملف من جديد من النيابة العمومية، والحال أن قاضي التحقيق متعهد بالملف سواء في الجانب المتعلق بتهمة تبييض الأموال أو في الجانب المتعلق بالتآمر على أمن الدولة وغيرها من التهم المضحكة والمخجلة"، بحسب تعبيره.
وأشار إلى أنه "جرى خرق القانون بشكل سافر وتوسيع دائرة المتهمين وإقحام شخصيات سياسية في ملابسات مشبوهة"، مبيّناً أنه "لا علاقة لراشد الغنوشي وقيادات النهضة المتداولة أسماؤهم بملف (أنستالينغو) لا من قريب ولا من بعيد".
وبيّن أنهم "أُقحموا لغايات سياسية لتصفية خصوم سياسين وقمع حرية الإعلام والتعبير، لاعتبار أن كل المحالين هم معارضون للانقلاب وفي خلافات مع وزير الداخلية الحالي".
وأكد أن "القضية أثيرت بعد 25 يوليو، وانطلقت سلطة الانقلاب في إغلاق كل المواقع التي خطها التحريري ضد الانقلاب، وتهمة أنستالينغو إدارتها هذه المواقع".
وبين بن عمر أن "قاضي التحقيق المتعهد اليوم بالقضية يتعرض لضغوطات كبيرة من قبل صفحات صفراء معلومة، تعمدت تشويهه وتهديده وتتوعده بالمحاسبة، في صمت مريب للأجهزة الأمنية، وذلك لإجبار القاضي غلى اتخاذ قرارات والزجّ بأشخاص وإيداعهم السجن، وفي ذلك مسّ بضمانات المحاكمة العادلة".
إلى ذلك، قال عضو هيئة الدفاع أمين بوكر، خلال الندوة الصحافية اليوم، إنّ "الإجراءات في هذا الملف تثير الاستغراب لتداخل عدة أطراف لا صلة لها بالقضية في مسار التقاضي، وفي ذلك توظيف سياسي مفضوح للقضية"، حسب وصفه.
واعتبر أن "الزج بأسماء قيادات سياسية، على غرار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، أكبر دليل على ذلك".
وعبر المحامي عن "خشيته من أن تكون هناك جهات تحجب حقيقة عمل شركة أنستالينغو عن رئيس الجمهورية، لتوظيف ذلك عمداً قصد تصفية خصومات ذاتية".