كشفت خمس وثائق استخباراتية أميركية مسرّبة، أن مصر أوقفت، الشهر الماضي، خطة لتزويد روسيا بالصواريخ سراً، بعد محادثات مع مسؤولين أميركيين كبار، وقرّرت بدلاً من ذلك إنتاج ذخيرة مدفعية لأوكرانيا، وفق "واشنطن بوست".
ويأتي تقرير الصحيفة الأميركية، الإثنين، بعد أسبوع على تقرير آخر كشفت فيه عن وثيقة أميركية مسرّبة تتحدث عن خطة مصرية لتزويد روسيا بآلاف الصواريخ سراً.
وتُظهر الوثائق الجديدة تراجع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أوائل مارس/آذار الماضي، عن خطط لدعم موسكو، في خطوة كانت ستلقى اعتراضاً كبيراً من الجانب الأميركي، أحد أكثر حلفاء القاهرة الغربيين كرماً.
ولفتت الصحيفة التي تحدثت عن "انتصار دبلوماسي واضح لإدارة الرئيس جو بايدن"، إلى أن وثيقة أميركية مسرّبة ذكرت أن مصر أوقفت الصفقة مع موسكو، ووافقت على بيع قذائف مدفعية من عيار 152 ملم و155 ملم للولايات المتحدة، لنقلها إلى أوكرانيا، مشيرة إلى أن مصر تعتزم استخدام قدرتها على إنتاج أسلحة لأوكرانيا كـ"رافعة" للحصول على منتجات عسكرية أميركية متطورة.
Exclusive: Egypt paused a plan to secretly supply rockets to Russia following talks with senior U.S. officials and instead decided to produce artillery ammunition for Ukraine, according to five leaked U.S. intelligence documents obtained by The Post. https://t.co/p969RT846o
— The Washington Post (@washingtonpost) April 17, 2023
وتوفر هذه الوثائق، مجتمعة، وفق "واشنطن بوست"، نظرة ثاقبة جديدة حول الدبلوماسية الهادئة، ولكن عالية المخاطر، لإدارة بايدن، مع الدول التي سعت للبقاء بعيدة عن المواجهة المتصاعدة بين واشنطن وموسكو، كما تظهر أيضاً كيف سمحت المنافسة بين القوى العظمى، لمصر، بالسعي لمزايا جديدة، بعدما تراجعت أهمية علاقتها مع واشنطن.
وفي السياق، يقول مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية مايكل حنا، للصحيفة، إن واقع المنافسة يخلق فرصاً لتحقيق مكاسب سهلة مع الولايات المتحدة، "ويمكنك أن تتخيّل أن هذا سيكون على حساب أجندة الديمقراطية وحقوق الإنسان".
ولا تشير الوثائق، وفق "واشنطن بوست"، إلى ما إذا كانت القاهرة أعادت لاحقاً إحياء خطة موسكو، أو ما إذا كانت قد زوّدت الولايات المتحدة بالذخيرة لأوكرانيا.
ولم يردّ متحدث باسم الخارجية المصرية على طلب للتعليق على الوثائق المسرّبة الجديدة، في وقت أكدت وسائل إعلام مصرية نفي مسؤولين في القاهرة التقارير السابقة التي تحدثت عن إنتاج صواريخ لروسيا.
وقال مسؤول أميركي في إدارة بايدن، إن "مصر شريك وثيق، ونحن منخرطون بانتظام مع قيادتها في مجموعة من القضايا الإقليمية والعالمية".
ونقلت الصحيفة عن أحد السفراء الغربيين في القاهرة، قوله إن التسريبات تشير إلى أن مصر قلّلت من تقدير ردّ الولايات المتحدة على إمدادات الأسلحة المحتملة لروسيا، وأرادت تعظيم استفادتها من كلا الجانبين.
وتفنّد الوثائق المسرّبة شهراً من التقارير الاستخباراتية من أوائل فبراير/شباط إلى أوائل مارس/آذار، كانت موجهة لكبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون). وتشير الصحيفة إلى أنه يبدو أن الرئيس المصري علّق خطط تزويد روسيا بالصواريخ بعد زيارات أجراها مسؤولون أميركيون إلى القاهرة في أواخر فبراير، فضلاً عن زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مطلع مارس. وذكرت إحدى الوثائق المسرّبة، والمؤرخة في 9 مارس، اليوم الذي تلا زيارة أوستن، أن مصر وافقت على بيع قذائف مدفعية للولايات المتحدة لنقلها لأوكرانيا.
وذكرت الوثيقة، التي كانت جزءاً من تحديث استخباراتي يومي لكبار قادة البنتاغون، أن مصر خططت لاستخدام طلب الولايات المتحدة للحصول على ذخيرة، لدفع الأخيرة إلى الموافقة على صفقة مساعدات عسكرية طويلة الأمد، والحصول على معدات أميركية محدّدة، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز "إف-35 شبح"، وأنظمة "باتريوت" للدفاع الجوي.
وتتناول وثيقة أخرى، تعود على ما يبدو إلى منتصف مارس، زيارة أوستن إلى القاهرة، وتلخص المحادثات بين السيسي واثنين من كبار المسؤولين في 8 مارس، وهو اليوم الذي أجرى فيه أوستن والسيسي محادثات في القاهرة. وفي محادثات 8 مارس، عبّر السيسي عن شكوكه في إمكانية أن تكون مناقشاته مراقبة، وأصدر وزير الدفاع محمد زكي ما وصفته الوثيقة بأنه تحذير لـ"توخي الحذر" بشأن مناقشة الطلبات العسكرية المفترضة من دول أخرى، مثل روسيا. وذكرت الوثيقة أن السيسي وزكي أشارا إلى "عقود عسكرية" مع روسيا، لكنهما لم يتحدثا صراحة عن خطة إنتاج الصواريخ.
وأبلغ زكي، السيسي، بأنه يخطط لزيارة وفد مصري روسيا في 12 أو 13 مارس، حيث من المحتمل توقيع عقود، تمّ تأجيلها "حتى يتضح الموقف"، عقب زيارة أوستن. وقال السيسي إن الحذر مطلوب لتفادي وقوع مصر في مشاكل لا داعي لها، الأمر الذي ردّ عليه زكي بالتأكيد أن مصر لم توقّع أي عقود أو تتخذ أي إجراءات.
وتوفر المعلومات الاستخباراتية أيضاً نظرة إضافية للعلاقة العسكرية العميقة بين مصر وموسكو، وكيف أنها قد تكون ساعدت بالفعل القوات الروسية في ساحة المعركة، إذ تشير وثيقة إضافية غير مؤرخة ضمن المجموعة المسرّبة، إلى أن الصور الأميركية والاستخبارات الإلكترونية قد حدّدت أربعة أنظمة صواريخ أرض-جو روسية من طراز "إس أي-23" في أوكرانيا، "من المحتمل جداً" أنها كانت مخصصة للتصدير إلى مصر.
وذكرت الوثيقة الأميركية أن القاهرة وقّعت عقداً مع موسكو للحصول على أربع بطاريات "إس أي-23" في عام 2017، وتمّ تسليم أول بطاريتين إلى مصر في عامي 2020 و2021، من دون أن تذكر صراحة ما إذا كانت مصر أعادت هذين النظامين إلى روسيا لاستخدامهما في أوكرانيا.
وخطوة تسليم مصر صواريخ لروسيا في حال حدوثها قد تؤدي إلى تأزم العلاقات المصرية الأميركية، إذ لا تزال القاهرة، على الرغم من علاقتها الوطيدة بموسكو، مستفيدة من شراكتها مع الولايات المتحدة التي قدمت لمصر على مدى عقود أكثر من مليار دولار سنوياً، على مستوى المساعدة الأمنية.