القمة التركية-الأوروبية: الإزعاج الروسي يُغدق الدعم على أنقرة

30 نوفمبر 2015
عقب انتهاء القمة التركية الأوروبية (خليل ساغيركايا/الأناضول)
+ الخط -
على الرغم من أنّ تركيا لا تزال بعيدة عن العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، حققت القمة التركية ـ الأوروبية التي انعقدت، أمس الأوّل الأحد، نجاحاً كبيراً لصالح الطرَفين، وكانت الرسالة التي وجهها رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو العائد بقوة إلى بروكسل بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وبعد الصدام مع موسكو وإسقاط الطائرة الروسية، واضحة للغاية لإعادة إحياء المسيرة بين أنقرة والاتحاد، معتبراً هذا اليوم "تاريخياً".

وعلى الرغم من محاولة الجميع الابتعاد عن أجواء الحرب الباردة وعدم التورط فيها مرة أخرى، وتأكيد المسؤولين الأوروبيين أنّ السبب الرئيسي لهذه القمة هو معالجة أزمة اللاجئين التي تؤرق الرأي العام الأوروبي، فإنّ القمة كانت رسالة غربية واضحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل قمة المناخ العالمي التي انعقدت، أمس الإثنين، في العاصمة الفرنسية باريس، فحواها أنّنا "لا نريد حرباً باردة، لكننا لن نقبل بأن تتمادى على حسابنا أكثر من ذلك".

أنقرة ليست العاصمة الوحيدة القلقة والتي بدأت تدفع ثمن التمدد الروسي، بل إنّ معظم دول أوروبا الشرقية والشمالية تشعر بخوف كبير من الدب الروسي، وفي مقدمتها دول البلطيق، ودول أوروبا الشرقية، كفنلندا، ولاتفيا، وهنغاريا، وبولندا، وسلوفاكيا، وبلغاريا التي تخلّصت بصعوبة من سيطرة الاتحاد السوفييتي ولا تريد العودة إليها، والتي قامت بدور أساسي إلى جانب دول أوروبا الغربية التي تعاني من أزمة اللاجئين للضغط على الاتحاد للانفتاح باتجاه أنقرة، وتحديداً على الأعداء التاريخيين لتركيا وهما كل من اليونان، وقبرص، لتبدو تغريدة رئيس الحكومة اليونانية، ألكسيس تسيبراس عبر "تويتر"، أمس الأوّل الأحد، والتي كان قد وضع لها وسم "تركيا الاتحاد الأوروبي"، تعبيراً حقيقياً عن مدى انزعاج اليونانيين والقبارصة اليونانيين من الانفتاح الأوروبي التركي.

وعلّق تسيبراس ساخراً من قيام الطيران التركي بإسقاط الطائرة الروسية، بالقول لرئيس الوزراء داود أوغلو: "لحسن الحظ أنّ طيارينا ليسوا عصبيين كطياريكم ضد الروس، إنّ ما يحصل في بحر إيجة هو أمر غير معقول، نحن نصرف المليارات على الأسلحة، لتقوم أنت بالاعتداء على أجوائنا ونقوم نحن باعتراضك". وتابع "نحن لدينا أكثر الأسلحة الجوية تقدماً، لكن على الرغم من ذلك، لا نستطيع على الأرض أن نلقي القبض على مهرّبي البشر الذين يغرقون الأبرياء".

وردّ داود أوغلو قائلاً، تعليقاً على تغريدات تسيبراس حول الطيارَين: "تبدو بعيدة عن روح اليوم (الأحد). ألكس، فلنركّز على الأجندة الإيجابية". وعزّز في اليوم الثاني، أمس الإثنين، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، يانز شتولتنبرغ ، دعمه لأنقرة، خلال اللقاء الذي جمعه بداود أوغلو، قبل ساعات من بدء قمة التغيرات المناخية في باريس، عندما قال إن "تركيا تتمتع بحق حماية حدودها ومجالها الجوي ونحن ندعم جهودها للتواصل مع روسيا".

وعلى الرغم من أنّ روسيا طغت على الاجتماع التركي الأوروبي، إلّا أنّ تركيا استطاعت، في نهاية المطاف أن تصل إلى معادلة تبدو أكثر من ناجحة مع الاتحاد، تمّت خلالها مراعاة مصالح الطرفَين. فبعد الخسارات الكبيرة التي تكبّدتها أنقرة بمعارضتها ومن ثم رفضها المشاركة بالغزو الأميركي للعراق، وما تلاها من تبعات على مستوى نفوذ أنقرة في المنطقة وعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي و"الأطلسي"، ومن ثم وقف القمم السنوية الأوروبية التركية عام 2004، في ما بدا طرداً لبقاً من الكتلة الغربية، عادت أنقرة إلى أوروبا مرة أخرى لكن أكثر قوة، وذلك بعدما انكسرت معادلة الحياد الموارب التي سعت أنقرة للوصول إليه مع موسكو خلال الأزمة الأوكرانية، إثر تدخل الروس في سورية بشكل مباشر.

اقرأ أيضاً: شهر عسل تركي ــ أوروبي: اتفاق لمصلحة أنقرة غداً؟

وبدت العودة إلى التحالفات القديمة أمراً لا بدّ منه، ليكون أهم ما حصلت عليه أنقرة وما ركز عليه داود أوغلو خلال تصريحاته بعد القمة، هو حصول تركيا على قمّتَين سنوياً مع الاتحاد الأوروبي، قائلاً، "اليوم هو يوم تاريخي، لأنه بعد 11 عاماً عقدنا أول قمة أوروبية تركية، إذ كانت المحطة الرئيسية هي إحياء عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، فقررنا عقد قمّتَين كل سنة، وبناء الآليات المشتركة للتعاون".

وعلى الرغم من اعتراضات اليونان وقبرص اليونانية المنكوبتين اقتصادياً، بدت الصفقة الأوروبية التركية متوازنة، تلقت خلالها أنقرة دفعة كبيرة من الدعم الغربي، وأنقذت الاتحاد الأوروبي من أزمة اللاجئين المتفاقمة، وحفظت لليونانيين ماء وجههم عبر وضع السلام في الجزيرة القبرصية شرطاً لإتمامها.

لبّى الاتحاد طلب أنقرة المتمثل بإعادة إحياء عملية الانضمام التركية المتعثرة، وإلغاء تأشيرات دخول المواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي، وأيضاً المساعدات المالية للاجئين في تركيا، ولأول مرة، وفق جدول زمني واضح.

كما تم فتح الفصل السابع عشر في مسيرة الانضمام المتعلق بالسياسات الاقتصادية والمالية، مبدئياً، على أن يتم العمل على فتح فصول أخرى العام المقبل، في حال التزمت تركيا بالشروط الأوروبية لفتح هذه الفصول، وأيضاً بوقف تدفق اللاجئين والعمل على إنهاء المشكلة القبرصية، حيث توقّع العديد من المسؤولين الأوروبيين والأتراك إحداث خرق مهم في المفاوضات مع حلول الربيع المقبل، خصوصاً في ظل المناخ الإيجابي التي بدت عليه المحادثات بعد وصول اليساري مصطفى أكنجي إلى رئاسة قبرص التركية، العام الحالي.

وتم الاتفاق على تقييم كل ذلك بتقريرَين أوروبيَّين؛ الأوّل، في مارس/آذار المقبل والثاني في يونيو/حزيران المقبل. وفي حال استوفت تركيا الطلبات الأوروبية، سترفع قبرص "الفيتو" التي تفرضه على انضمام تركيا إلى الاتحاد، وسيتم فتح خمسة إلى ستة فصول جديدة وهي؛ الطاقة، والقضاء، والحقوق الأساسية، والحريات والأمن، والتعليم والثقافة، والسياسات الدفاعية والخارجية والأمنية. كما ستدخل معاهدة (إعادة القبول في الاتحاد) حيّز التنفيذ في يونيو/حزيران 2016، والإعفاء من تأشيرة السفر للأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي في أكتوبر/تشرين الأول 2016، على أن تلتزم تركيا بعدها بإعادة استقبال المهاجرين القادمين عبر أراضيها مرة أخرى، وبذلك سيضطر الاتحاد إلى اعتبار تركيا دولة آمنة، أي يجب أن يتم فتح فصول جديدة تؤدي إلى الاعتراف بأن تركيا باتت دولة ذات نظام قضائي وحقوقي لا يخالف معايير الاتحاد الصارمة في ذلك.

وفي ملف المساعدات للاجئين المتواجدين على الأراضي التركية، أقرّ الاتحاد الأوروبي خلال القمة، منح ثلاثة مليارات يورو (3,2 بلايين دولار) إلى أنقرة لمساعدتها على إيواء اللاجئين السوريين، والذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، الأمر الذي أكده داود أوغلو، قائلاً، إنّ "أوروبا لا تمنح هذه المليارات الثلاثة إلى تركيا، بل تمنحها للاجئين السوريين، لكني لا أستطيع أن أضمن أي شيء لأي أحد في المسألة السورية. ليتني كنت أستطيع أن أقول بأن عدد اللاجئين في أوروبا سيقلّ. الضمان الوحيد الذي أستطيع تقديمه هو أن ألتزم بأننا سننفذ جميع تعهداتنا في إطار الخطة الأوروبية التركية المشتركة". وتعهّدت تركيا العمل على تشديد المراقبة على حدودها ومنع تسلل المزيد من اللاجئين والمهاجرين.

ويأتي هذا، في الوقت الذي تبقى فيه مصادر تمويل المساعدات المالية وآليات تسليمها غير واضحة، إذ اقترحت المفوضية الأوروبية تأمين 500 مليون يورو (529 مليون دولار) من ميزانيتها، على أن تتولى دول الاتحاد تأمين باقي المبلغ، ليبقى الجواب على بعض الأسئلة عالقاً، عمّا إذا كان المبلغ ستحصل عليه تركيا سيُدفع مرّة واحدة أو على دفعات وعلى مدى سنة أو سنتيْن.

اقرأ أيضاً: قمة تركية أوروبية ناجحة:3 مليارات يورو لاحتواء أزمة اللاجئين 

المساهمون