لم يكن صدفة أن يسارع رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى استنكار هجمات تنظيم "ولاية سيناء"، فرع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في مصر، وتقديم تعازيه للشعب المصري، فقد أعلن في الوقت نفسه عن الشراكة التي تجمع إسرائيل بنظام عبدالفتاح السيسي في مصر وأطراف أخرى في الشرق الأوسط في "الحرب ضدّ الإرهاب الإسلامي المتطرّف".
اقرأ أيضاً: إسرائيل تستغل اعتداءات سيناء لاتهام "حماس" بمساندة "داعش"
تلك العبارة كافية كي تبرز حجم الفائدة التي تعود بها هجمات "داعش" على إسرائيل، التي أتمت قبل يومين فقط عملية القرصنة والاختطاف في عرض البحر لأسطول الحرية الثالث، مدعية أن غزة لا تعاني من الحصار، موجّهة عبر ضباط جيشها للرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، عند اعتراض الأسطول، تساؤلاتها الساذجة عن دعمه لنظام إرهابي في قطاع غزة.
تعطي اعتداءات "داعش" في سيناء إسرائيل، من خلال استثمار دماء الجنود المصريين، ورقة تلوّح بها في وجه المجتمع الدولي لمواصلة الحصار على غزة، من جهة، خصوصاً بعدما استغل نتنياهو كل فرصة ومنبر ليردّد افتراءاته ضدّ حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مدعياً أنها لا تختلف عن "داعش"، وأن "حماس هي داعش وداعش هي حماس".
من جهة ثانية، تأتي اعتداءات سيناء في وقت ظهر فيه نوع من الانفراج بين سلطة "حماس" في قطاع غزة من جهة، وبين النظام المصري من جهة ثانية. لكن الهجمات غذّت مجدداً روح العداء في النظام المصري لحركة "حماس"، معزّزة، بحسب المواقع العبرية، بتأكيدات من المصادر الإسرائيلية الأمنية لادعاءات النظام بوجود تعاون بين "حماس" وبين تنظيم "داعش" في سيناء.
وتمنح الهجمات إسرائيل سلاحاً ليس فقط في وجه "حماس" واستمرار الحصار، وإنما أيضاً في تعزيز ادعاء الحكومة الإسرائيلية بعدم وجود شريك فلسطيني، بدليل دعوة إسرائيل قبل يومين السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس في رام الله إلى استنكار عمليات إطلاق النار الأخيرة في الضفة الغربية المحتلة.
وفيما سارع محللون في وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى الإعلان بأن "داعش على حدودنا"، وفق العنوان الذي اختارته "يديعوت أحرونوت" لصفحتها الرئيسية أمس، فقد تناغم ذلك مع "الكرم الحاتمي" الذي أبدته إسرائيل عندما نقلت وسائل إعلامها أن الأخيرة قررت الاستجابة لطلب القيادة المصرية بإدخال تعزيزات إضافية إلى سيناء في حال قدمت القيادة المصرية طلباً بهذا الخصوص، وهو إعلان يذكّر المصريين بأن السيادة على سيناء تظل في جانبها الأمني مشروطة بموافقة إسرائيلية لتغيير عدد القوات المصرية المسلحة المسموح لها بالانتشار في سيناء، وبضرورة الحصول مسبقاً على موافقة إسرائيلية لهذا الغرض.
وبموازاة ذلك، تسارع إسرائيل إلى تضخيم خطر "داعش" عليها، والإشادة بالتحديات العسكرية التي تفرضها قوات "داعش" في سيناء على جيش الاحتلال أيضاً، خصوصاً في ظل سيطرتها على قوات مدرعة وعلى آليات ثقيلة، بحسب ما أشار إليه رون بن يشاي في موقع "يديعوت أحرونوت".
وينسجم هذا مع ذهاب أليكس فيشمان، المحلل العسكري للنسخة الورقية من صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى القول إنه في حال فشل الجيش المصري بتحييد قدرات "داعش" في سيناء وضمان فصل غزة بشكل محكم عن شبه جزيرة سيناء، فإن "هذه المشكلة ستأتي إلينا إن عاجلاً أو آجلاً".
وفيما أكّد أنّ هجمات سيناء ليست عملية إرهابية، بل هي حرب بكل معنى الكلمة، رصد تسفي برئيل، في صحيفة "هآرتس"، فروقاً جوهرية بين "داعش" مصر (ولاية سيناء) وقوات "داعش" في سورية، أهمها أن القوات المتوفرة لداعش سيناء، من حيث عددها وعدتها أقل بشكل كبير للغاية من تلك المتوفرة لداعش في سورية. كما أن تنظيم "داعش" في سيناء يواجه صعوبات كبيرة في الحصول على دعم وإمدادات من الدول المجاورة (سواء كانت هذه الدول السودان أم ليبيا)، إضافة إلى أنه يفتقر للقدرة على تعزيز صفوف قواته بمقاتلين جدد من الخارج، خلافاً لحالة "داعش" في سورية، حيث يتدفق إليها مقاتلون عبر أراضي تركيا والعراق ولبنان.
ويتوقع أن تكتفي إسرائيل ميدانياً بنشر قوات على الحدود مع سيناء مع رفع حالة التأهب، لكنها ستعمل سياسياً ودبلوماسياً لتكريس اتهاماتها لحركة "حماس" بالتعامل مع "داعش" والتعاون معها، على اعتبار أن ما حدث في سيناء يعزز صحة ادعاءات نتنياهو السابقة بخصوص تشبيه "حماس" بـ"داعش"، وستوظف ذلك في هذه المرحلة بالذات لعرقلة المبادرة الفرنسية المرتقبة، من جهة، والمماطلة في ملف رفع الحصار عن غزة، ناهيك عن السعي لابتزاز حركة "حماس" نفسها وسلطتها في غزة، بالرغم من معرفتها بأن الأخيرة تخوض مواجهات في القطاع مع التيارات والحركات السلفية الجهادية.
وتبقى إشارة لافتة للمحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، الذي لم يتردد في الإعلان أن هجمات سيناء هي عملياً ثمن الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي قبل عامين، رابطاً في الوقت نفسه بين اعتداءات "داعش" في سيناء وبين جريمة اغتيال النائب المصري العام، هشام بركات.
ويضيف هرئيل أن إسرائيل كانت مسرورة للغاية من "الانقلاب العسكري الذي أطاح بشريك إشكالي من وجهة نظرها وجاء بجنرالات لا يخفون (على الأقل وراء الأبواب المغلقة) تأييدهم لإسرائيل، التي يعتبرونها شريكة لهم في محاربة الإرهاب المتطرف". إضافة إلى أن السيسي، خلافاً لمرسي، حافظ على مسافة من حركة "حماس" في القطاع، وفي أحيان كثيرة مارس ضغوطاً على غزة فاقت تلك التي مارستها إسرائيل.