"ملحمة حلب"... المعارضة تتوغّل في مناطق النظام وتتوعد بمفاجآت

30 أكتوبر 2016
B3A686FD-937D-4950-85D9-7A86FF07AEE1
+ الخط -


تواصل المعارضة السورية كبرى معاركها في حلب شمال البلاد، ضد قوات النظام والمليشيات، معلنة دخولها أحياء جديدة تحت سيطرة النظام وحلفائه، وبدء التمهيد الناري على الأكاديمية العسكرية، أكثر المواقع التابعة للنظام تحصيناً، وتوسيع جبهة الهجوم لتشتيت قوات النظام، مؤكدة أن "ملحمة حلب الكبرى" تسير وفق الخطة المرسومة، وتحقق أهدافها بـ"سحق دفاعات العدو". وتتحضّر المعارضة بعد انتهاء المرحلة الأولى من المعركة، للتوغل في معاقل النظام غرب المدينة، وتوسيع جبهة الهجوم.
وفي تطورات المعارك أمس الأحد، توغّلت قوات المعارضة أكثر في المدينة في اليوم الثالث لمعركة "ملحمة حلب الكبرى"، التي بدأت الجمعة، وسط حالة من الإرباك والتخبّط تعتري قوات النظام والمليشيات وعصابات الشبيحة. ودارت اشتباكات وحرب شوارع داخل مشروع 3000 شقة في حي الحمدانية، وفق ناشطين إعلاميين مرافقين لقوات المعارضة. كما توغّل مقاتلو "جيش الفتح" داخل أحياء حلب الجديدة التي تجاور الأكاديمية العسكرية غرب المدينة، وسيطروا على مساحات واسعة منها.
وتبادل الطرفان الاتهامات باستخدام الغازات السامة، إذ قال الدفاع المدني في حلب إن قوات النظام استهدفت حي الراشدين وبلدة خان العسل بغاز الكلور السام، مما أسفر عن حالات اختناق في صفوف المدنيين. في المقابل، قالت وكالة الأنباء التابعة للنظام "سانا"، إن "التنظيمات الارهابية المنتشرة في أطراف مدينة حلب الغربية استهدفت صباح اليوم (أمس) منطقة حي الحمدانية وضاحية الأسد بقذائف تحمل غازات سامة، أدت الى إصابة أكثر من 35 شخصاً بحالات اختناق".
أما مدير المرصد السوري، رامي عبد الرحمن، فأعلن في حديث مع وكالة "فرانس برس" أن "38 مدنياً، بينهم 14 طفلاً، قُتلوا جراء مئات القذائف والصواريخ التي أطلقتها الفصائل المعارضة على الأحياء الغربية في مدينة حلب منذ بدء هجومها". وأشار إلى إصابة "حوالى 250 آخرين بجروح". كما أسفرت المعارك والغارات الجوية على مناطق الاشتباكات، منذ الجمعة، عن مقتل "أكثر من 64 مقاتلاً سورياً وآخرين أجانب في صفوف الفصائل، وما لا يقل عن 55 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها"، وفق المرصد السوري.
وبينما فشل الموفد الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، في القيام بأي تحرك سياسي فاعل ينهي النزيف السوري، فقد أعرب عن "صدمته" لإطلاق المعارضة "عدداً كبيراً من القذائف والصواريخ العشوائية" على أحياء غرب حلب في اليومين الماضيين. وجدد في بيان صدر في جنيف، تنديد الأمين العام للأمم المتحدة بالهجمات الأخيرة على مدارس في شرق وغرب حلب، إضافة إلى الغارات الجوية على الأحياء المدنية. وأضاف في بيانه: "لقد عانى المدنيون من كلا الجانبين في حلب بما فيه الكفاية بسبب محاولات غير مجدية وقاتلة، لإخضاع مدينة حلب، هؤلاء المدنيّون يحتاجون إلى وقف دائم لإطلاق النار".
أما عن سير المعركة، فأكد عمار سقار، المتحدث العسكري باسم تجمع "فاستقم"، أحد فصائل المعارضة في حلب، أن التمهيد الناري بالمدافع الثقيلة على الأكاديمية العسكرية كبرى الحصون العسكرية للنظام في حلب بدأ صباح أمس، الأحد، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "ملحمة حلب الكبرى" تسير وفق المخطط "وعلى أكمل وجه"، لافتاً إلى أن قوات المعارضة "تخوض معارك ضارية"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن التخبّط يسود صفوف قوات الأسد والمليشيات الموالية لها. وأكد سقار أن هناك فرقاً كبيراً بين قوات المعارضة، وقوات الأسد، مضيفاً: "نحن ندافع عن أهلنا وحقوقنا"، معتبراً المناطق التي يسيطر عليها النظام "محتلة"، وموجّهاً رسالة إلى سكان حلب مفادها أن مقاتلي المعارضة "منكم ولكم"، مضيفاً: "حملنا السلاح من أجل الدفاع عنكم"، فيما أعلنت قيادة "جيش الفتح"، في بيان، انتهاء المرحلة الأولى من المعركة، بالسيطرة على "ضاحية الأسد"، والـ1070 شقة ومناطق أخرى، معلنة أسماء أحياء، منها ما هو تحت سيطرة النظام، "مناطق عسكرية"، في إشارة إلى نيّتها التقدّم نحوها في المرحلة الثانية منها: حلب الجديدة، والحمدانية، و3000 شقة، وسيف الدولة، وأحياء حلب القديمة، مطالبة سكان هذه الأحياء بالتزام منازلهم أو اللجوء إلى الأقبية.


من جهته، أكد المتحدث باسم "حركة نور الدين الزنكي" الفاعلة في حلب، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، أن "ملحمة حلب الكبرى" تسير "بشكل ناجح وبوتيرة سريعة"، واصفاً نتائج الأيام الأولى للمعركة بـ"الممتازة"، قائلاً في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "تم سحق خطوط دفاع قوات النظام وحزب الله وحركة النجباء". وأشار عبد الرزاق إلى أن المرحلة الثانية من المعركة تتضمن التوغل في معاقل النظام غرب المدينة، وتوسيع جبهة الهجوم "بحيث لا تحتمل دفاعات النظام المتهاوية الصمود أكثر من ساعات"، موضحاً أن تطوير الهجوم باتجاه الأكاديمية العسكرية "يعتمد على سير المعركة، ووتيرة الهجوم، ودفاعات العدو".
أما عضو المكتب السياسي في "حركة نور الدين زنكي"، ياسر اليوسف، فكشف لوكالة "فرانس برس" عن "هجوم مرتقب من داخل الأحياء الشرقية" لدعم العملية القائمة. وقال: "لا تزال هناك مفاجآت كبيرة مستقبلاً حول تنوع المحاور التي سيتم فتحها".
ورأى محللون عسكريون أن قوات المعارضة استفادت من معارك سابقة لها مع قوات النظام، وطوّرت من أساليبها العسكرية في "ملحمة حلب الكبرى"، وضربت قوات النظام والمليشيات من حيث لم يكن في حسبان الأخيرة. وكسبت قوات المعارضة عنصر المفاجأة، ودخلت أماكن داخل حلب لم تكن قوات النظام  تتوقع أن تباغتها المعارضة من خلالها، إذ صرف النظام جهوده العسكرية على منطقة الراموسة جنوب حلب.
وفي هذا الصدد، أعلن المحلل العسكري، أحمد رحال، أن معركة "ملحمة حلب الكبرى" تسير وفق الخطط الموضوعة من قيادة "جيش الفتح" والفصائل الأخرى المشاركة بها، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": من الواضح أن المعارضة المسلحة تلافت تماماً الأخطاء التي وقعت بها في المعركة السابقة، فقامت بتوسيع العمق الاستراتيجي للمعركة، كما عملت على قطع طريق خناصر جنوب المدينة وهو طريق إمداد مهم لقوات النظام والمليشيات الطائفية في حلب".
وأعرب رحال عن اعتقاده بأن المعركة تدار وفق رؤية عسكرية واضحة تعتمد على معرفة تامة بتفاصيل الأرض، واستطلاع دقيق، مشيراً إلى أن الطيران الروسي "يساند قوات الأسد والمليشيات في المعركة، على خلاف ما ذكرته بعض المصادر، والدليل قيامه بقصف مواقع لقوات النظام عن طريق الخطأ أكثر من مرة". وأشار إلى أن قوات المعارضة قامت بعملية التفاف حول الأكاديمية العسكرية أكثر مواقع النظام تحصيناً في المدينة، بحيث باتت تحاصرها من جهتين، وهي في طريقها لمحاصرتها بالكامل في حال سيطرت على حي الحمدانية، معرباً عن قناعته بأن محاصرة الأكاديمية "ستكون ضربة معنوية كبيرة لقوات النظام والمليشيات في المدينة"، مشيراً إلى أن المعارضة "حسمت أمرها، ولن تكون مدينة حلب لإيران بأي حال من الأحوال".
وتُعدّ مدينة حلب، كبرى مدن الشمال، من أكثر المدن السورية التي تعرضت لعمليات قصف بكل أنواع الأسلحة منذ منتصف عام 2012، بما فيها الصواريخ البالستية، وتلك التي تحرمها القوانين الدولية. كما دمّر طيران النظام، ومن ثم الطيران الروسي، أحياء كاملة في المدينة بما فيها من معالم تاريخية هامة. وهجّر نظام الأسد خلال سنوات أكثر من نصف سكان المدينة التي كانت كبرى المدن السورية لجهة عدد السكان، وشنّ أواخر عام 2013 حملة قصف بالبراميل على الأحياء الشرقية، أدت إلى نزوح أكثر من مليون مدني. كما شنّ الطيران الروسي ومقاتلات النظام حملة جوية غير مسبوقة على أحياء حلب الشرقية على مدى أكثر من شهر، ولّدت غضباً دولياً عارماً نتيجة مقتل وإصابة آلاف المدنيين، أغلبهم أطفال ونساء، ودفعت المعارضة إلى حشد قواها تحت قيادة واحدة في "ملحمة حلب الكبرى" التي تتطلع إلى تغيير مسار الصراع في شمال سورية.
وقُسّمت حلب منذ منتصف عام 2012 إلى "غربية" يسيطر عليها النظام، و"شرقية" تسيطر عليها المعارضة، هُدمت أحياء داخلها وهُجّر أغلب أهلها بفعل القصف الجوي اليومي والحصار الذي اتخذ منه النظام سلاحاً فتاكاً لإخضاع المناطق الخارجة عن سيطرته وتهجير أهلها، إلا أنه لم ينجح في مسعاه في مدينة حلب.

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.