وما أثار الشكوك والسخرية من بيان الشرطة المصرية، أنها عرضت جميع متعلقات ريجيني الشخصية، من بطاقات شخصية وجامعية ودراسية، بحالتها، وكأنها أخذت من الطالب القتيل وحفظت بمكان آمن، حتى تم الكشف عنها، وهو ما يتنافى مع سلوك العصابات الإجرامية التي تتعمّد دائماً إتلاف أي متعلقات تخص ضحاياها هروباً من المسؤولية، خصوصاً أن التخلص من مثل هذه البطاقات أسهل بكثير من التخلص من جثة عليها آثار تعذيب. كما ضاعف الشكوك تأكيد الشرطة العثور على جميع المبالغ المالية التي كانت بحوزة ريجيني، وهي خمسة آلاف جنيه، بالإضافة لثلاث نظارات شمسية، وساعة، وهاتفين محمولين حديثين، بالإضافة إلى قطعة صغيرة من مخدر الحشيش داخل حقيبة يد مرسوم عليها شعار المنتخب الإيطالي لكرة القدم.
اقرأ أيضاً: السيسي يطرح سيناريو مؤامرة قتل الطالب الإيطالي مجدداً
ويتنافى الحفاظ على كل هذه المتعلقات مع سلوكيات أي عصابة إجرامية تخطف المواطنين، مصريين أو أجانب، من أجل المال، أو الاستيلاء على الحاجيات الشخصية لبيعها والاستفادة من حصيلتها، ﻻ سيما أن بعض المتعلقات غالية الثمن، كالساعة والنظارات الشمسية.
ولم تكشف الشرطة أية متعلقات أخرى لضحايا أجانب لدى التشكيل العصابي المزعوم، والذي أعلنت الشرطة في وقت سابق أمس الأول قتل جميع عناصره (خلال تبادل لإطلاق النار)، ما يعني إحالة الواقعة للنيابة العامة من دون شهود أو متهمين، إلا الشهود المنتمين للشرطة نفسها. واعتادت الشرطة المصرية في الأشهر الأخيرة قتل عدد من الأشخاص ثم الإعلان عن انتمائهم لجماعة "الإخوان المسلمين"، أو مجموعات إرهابية تكفيرية، أو عصابات إجرامية، ما يؤدي إلى حفظ القضايا الخاصة بهم، وعدم تحريكها.
وعلّق مصدر قضائي في النيابة المختصة بالنظر في القضية قائلاً إن "تقرير الطب الشرعي عن ريجيني يتنافى مع فرضية الاختطاف والقتل للسرقة أو بدافع إجرامي، ﻻ سيما أن القتيل ليست له عائلة في مصر ليتمكن المختطفون من مساومتها". وأضاف المصدر لـ"العربي الجديد": "حتى الآن لم تصلنا التفاصيل التي أعلنتها الشرطة في بيان رسمي، لكن المعطيات التي نملكها وكذلك الأدلة التي توصّل لها المحققون الإيطاليون ﻻ تصب في اتجاه رواية الداخلية".
كما قال مصدر قضائي قريب من التحقيقات في قضية مقتل الأشخاص الخمسة الذين أعلنت الداخلية تورطهم في قتل ريجيني، إن "الأدلة التي سردتها الوزارة غير متماسكة، ويشوبها الكثير من التضارب وعلامات الاستفهام"، متابعاً "ستحمل الأيام القليلة المقبلة مفاجآت في ما يتعلق بالتحقيقات"، رافضاً الكشف عن ماهية تلك المفاجآت، إلا أنه رجّح احتمال تقديم قيادات في الشرطة للنيابة بتهمة تضليل العدالة، على حد تعبيره.
من جهته، قال مصدر دبلوماسي مصري إن "المحققين الإيطاليين مصممون على تورط جهاز أمني مصري في الحادث"، متوقعاً أن تؤدي الرواية التي أعلنتها الداخلية إلى اتساع الفجوة بين الطرفين قبل اللقاء المقرر عقده بينهما في العاصمة الإيطالية روما الشهر المقبل. وأشار المصدر إلى أن "استباق الشرطة المصرية الاجتماع المشترك المتفق عليه مع المحققين الإيطاليين بهذه الرواية، سيضاعف صعوبة مهمة الشرطة المصرية في إقناع الإيطاليين بهذه الرواية، خصوصاً في ظل عرض جميع متعلقات ريجيني".
وسبق للشرطة المصرية عبر مصادر مجهولة وأخرى معلنة أن طرحت في الصحف المصرية روايات متتالية عن مقتل ريجيني، جميعها ظهرت عدم صحتها ورفضتها النيابة والمحققون الإيطاليون، ابتداءً من الادعاء بأنه شاذ جنسياً، ثم الادعاء بأنه تشاجر قبل اختفائه بقليل مع شاب إيطالي مجهول، ثم القول إن له علاقات نسائية، وأخيراً نسب الاتهام لعصابة تم قتل جميع أفرادها.
اقرأ أيضاً: "نيويورك تايمز": قضية ريجيني تفضح المستور..القمع على أشده بمصر