مضى العام الثالث على الانقلاب العسكري في مصر، في 3 يوليو/تموز 2013، ولا تزال السجون المصرية مفتوحة لاستيعاب كل معارض للنظام، وإن كان في المعسكر الموالي له يوماً ما. وأقدم النظام المصري على بناء تسعة سجون جديدة منذ تولي الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، الرئاسة وحتى اليوم، لتضاف إلى مقار الاحتجاز المختلفة الموجودة في مصر وعددها قرابة 382 مقراً للاحتجاز. وشهد عام 2015 فقط، بناء 5 سجون جديدة شيّدتها وزارة الداخلية المصرية بتكلفة 1.2 مليار جنيه (نحو 135 مليون دولار)، على الرغم من عجز الموازنة الذي وصل إلى 684 مليار جنيه (نحو 77 مليار دولار)، لتضاف تلك السجون إلى قائمة تضم 42 سجناً موزعة على 25 منطقة.
كان النظام المصري منذ البداية يعرف معارضيه كما يعرف مواليه، فدارت عجلة الانتقام وبدأت بالشباب، وعلى رأسهم حركة شباب 6 إبريل، التي أعلنت موقفها صراحة من النظام الجديد منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، وهي الحركة التي قالت "بل هو انقلاب". فكان أحمد ماهر، وهو منسق عام حركة شباب 6 إبريل، في صدارة المشهد، إذ أمرت النيابة العامة المصرية، بالقبض عليه مع الناشط السياسي علاء عبدالفتاح بتهمة التحريض على التظاهر، فتوجّه ماهر بنفسه يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، لتسليم نفسه للشرطة المصرية، ليجد نفسه محكوماً عليه بالحبس 3 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه ومراقبة 3 سنوات بعد انقضاء مدة الحبس.
ماهر، مهندس مدني، شارك في جميع مراحل الثورة المصرية، سواء بشكل فردي أو من خلال الحركة، واعترف بأن تظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013، قادت لانقلاب عسكري، وقالها صراحة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": 30 يونيو انقلاب... بس محدش عنده الجرأة يقول كده". في سجنه، كتب ماهر مذكرات 6 إبريل في 5 أجزاء متصلة، تحت عنوان "البداية". سُجن في عهود الرئيس المخلوع، حسني مبارك، على خلفية إضراب 6 إبريل، والرئيس المعزول محمد مرسي، على خلفية تظاهره أمام منزل وزير الداخلية، ويقضي عقوبة السجن في ظل نظام السيسي، على خلفية خرق قانون التظاهر.
ثم جاء دور حركة الاشتراكيين الثوريين التي كانت سبّاقة أيضاً في الاعتراف بأن ما حدث في 3 يوليو/تموز 2013، من الإطاحة بمرسي، وتولي الجيش مسؤولية إدارة شؤون البلاد بمساعد شكلية من السلطات القضائية والأحزاب، كان انقلاباً عسكرياً. ففي نهايات إبريل/نيسان الماضي، ألقت قوات الأمن المصرية، القبض على عضو حركة الاشتراكيين الثوريين، هيثم محمدين من منزله، قبل التظاهرات التي عُرفت بـ"جمعة الأرض" الرافضة للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، لصالح السعودية.
وكان قد ألقي القبض على محمدين يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011 من تظاهرة خرجت من حي شبرا في القاهرة، مع مجموعة كبيرة من الشباب، وأفرج عنهم قبل جمعة الغضب في 28 يناير/كانون الثاني من العام نفسه. وهو ابن القيادي العمالي فوزي محمدين، من القيادات العمالية التي شاركت في اعتصام عمال الحديد والصلب عام 1989، وكان له دور ونشاط سياسي وعمالي بارز. ولا تُعد تلك هي المرة الأولى التي تُلقي فيها قوات الأمن المصرية، القبض على محمدين، عقب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، إذ سبق لقوات الجيش المصري، أن ألقت القبض على محمدين، بكمين في السويس في سبتمبر/أيلول عام 2013، أثناء توجهه للتضامن مع إضراب عمال مصنع إسمنت. وتم احتجازه بقسم شرطة عتاقة في السويس، وعرض في اليوم التالي على النيابة بتهمة "التعدي على ضابط جيش أثناء تأدية عمله"، وأفرج عنه بعدها بحوالي 48 ساعة.
وما بين 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين، اجتهد النظام المصري في قمع جميع معارضيه، حتى وصل به الحال لإلقاء القبض على عضو حملة ترشح السيسي للانتخابات الرئاسية، الناشط السياسي عمرو عز، خلال التظاهرات الرافضة للتنازل عن الجزيرتين، وتوجيه اتهامات له بـ"الانتماء لجماعة إرهابية محظورة".