وفي انعكاس لتباعد وجهات النظر السياسية، سجلت الفترة الماضية تبدل خطاب القوى اللبنانية، بدءاً من إعلان بعضها تأييد "العلمنة الكاملة" في البرلمان من خلال إقرار قانون نسبي يجعل لبنان دائرة واحدة، مروراً بمطالبة رئيس التيار الوطني الحر، وزير الخارجية، جبران باسيل، بإلغاء التقسيم المذهبي للطوائف المسيحية في الانتخابات. وهو طرح يُعزز الواقعين الطائفي والمذهبي إلى أبعد الحدود، ويُكرس "المشرقية التقسيمية"، كما يقول مصدر وزاري طلب عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد". ويعتبر المصدر نفسه أن "النقاش الحالي حول قانون الانتخابات يهدف لمنح بعض القوى السياسية أفضليات مناطقية في توزيع الدوائر الانتخابية بين النظامين الأكثري والنسبي على حساب صحة التمثيل، وهو قانون معروف النتائج مُسبقاً". كما يؤكد المصدر الوزاري أن "القانون المُختلط أخطر من قانون الستين، لأنه يُوحد المذاهب ضمن الطائفة لمواجهة الطوائف الأخرى".
ولا يخلو العهد الجديد اليوم من بذور الخلاف السياسي تحت عنوان "هواجس التمثيل الدرزي" بعد أن كان "تهميش المسيحيين" عنوان المعركة السياسية التي خاضها التيار الوطني الحر في لبنان، حتى تحقيق المصالحة المسيحية مع حزب القوات ثم الاتفاق مع "تيار المستقبل" على إنهاء الشغور الرئاسي.
ومع انتقال لغة الهواجس من القاموس المسيحي إلى القاموس الدرزي، يُطالب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، رئيس كتلة اللقاء الديمقراطي، النائب وليد جنبلاط، وحيداً، بإجراء الانتخابات الحالية وفق النظام الأكثري القائم. ويجول نوابه ووزراؤه على القوى السياسية كافة لشرح "الهواجس الدرزية" ورفض إقرار أي شكل من أشكال النسبية في الانتخابات.
يقول وزير التربية، عضو الوفد الاشتراكي الذي يجول على القوى، مروان حمادة، إن "الوفد لمس تفهماً لما طرحناه من مُختلف القوى التي التقيناها".
ويشير عضو كتلة القوات، النائب أنطوان زهرا، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "النقاش الحالي الذي يتناول القانون المُختلط وصل إلى مرحلة جدولة الدوائر الانتخابية بين النظامين الأكثري والنسبي، وهو تقسيم سيُلبي هواجس الدروز والنائب جنبلاط من خلال عدم طرح توسيع دائرة الشوف وعاليه لتشمل منطقة بعبدا بما يضمن التمثيل السليم الذي يطالبون به".
إعلان زهرا يسبقه رفض لـ"تقديس النظام النسبي من قبل البعض، خصوصاً أن العديد من الدول العريقة ديمقراطياً لا تعتمد هذا النظام". ويضع النائب القواتي "صعوبة توقع النتائج مُسبقاً" كأحد حسنات القانون المُختلط، مع تأكيده أن العديد من القوى السياسية "أجرت استطلاعات رأي لدراسة أثر كل شكل من أشكال الاقتراع على تمثيلها البرلماني".
وبينما تلتزم القوى السياسية بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، يرفع وزير الداخلية، نهاد المشنوق، لواء "التمديد التقني" المطلوب في حال إقرار أي قانون انتخابي جديد، وهو تمديد يقول المشنوق إنه "قد يطول أو يقصر بحسب تعقيد أو سهولة القانون الجديد".
"النظام النسبي سهل التطبيق"
وفي حين تضع القوى السياسية اللبنانية مبدأي "وحدة المعايير وتأمين صحة التمثيل" للتوافق على أي قانون انتخابي، تضع قوى المُجتمع المدني مجموعة مطالب إصلاحية تطاول مُختلف أوجه العملية الانتخابية.
وتؤكد الأمينة العامة لـ"الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" (لادي)، زينة الحلو، أنه "ليس هناك موقف مبدئي في رفض أو تأييد أي شكل من أشكال قانون الاقتراع، لكن لدينا ملاحظات على شكل القانون المختلط الذي قد يتم التوافق عليه". وتشير الحلو، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "القوى السياسية الأساسية ليست متفقة على قانون واحد، وأصلاً لم يعتد المواطنون على أي توافق إيجابي جمع القوى السياسية".
وترى الأمينة العامة لـ"لادي" أنه "ليس هناك قانون انتخابات مثالي، وإنما هناك قانون يناسب مجتمعاً سياسياً مُعيناً، لذك نرفض في لبنان النظام الأكثري الذي يقترع فيه الناخب لكل المرشحين ضمن دائرة مُعنية، لأنه إقصائي، ولكننا نُرحب بإقرار قانون أكثري مع اعتماد الصوت المحدود، لأنه يعطي مفعول القانون النسبي". ومع تنوع الطروحات السياسية الخاصة بحجم الدوائر، تؤكد الحلو أن "إقرار أي قانون نسبي مع دوائر تضم عدداً كبيراً من المقاعد (5 وما فوق)، هو قانون مرفوض، لأنه ذو مفعول أكثري". كما ترفض الحلو أي مشروع قانون يقوم على نظام الدائرة الفردية "لأنه سيحول البرلمان إلى مجلس مخاتير يُقدمون خدمات تزيد من واقع الزبائنية السياسية، كما يؤدي إلى تأسيس برلمان بولاءات مناطقية وعائلية، وهو ما يقوض الاستقرار السياسي". ويخضع قانون الانتخابات اللبناني من وجهة نظر الجمعية إلى 6 معايير تُحدد مدى توافقه مع القيم الديمقراطية، وهي: "قدرته على إنتاج دينامية تغيير في الحكم وتدوال السلطة، الحد من الزبائنية السياسية التي تُحوّل القوى السياسية إلى ممر إلزامي للحصول على حقوق الطبابة والتوظيف والتعليم، والحد من الخطاب الطائفي، وتحقيق المساواة بين الأصوات، وتحسين التمثيل، وتشجيع الانتخاب على أساس برامج وليس على أساس أشخاص". وبعكس التصريحات السياسية التي اعتبرت أن "تطبيق النسبية أمر صعب ومُعقد"، تشير الحلو إلى أننا "في بلد يتمتع بنسبة تعليم مرتفعة، والشعب مؤهل للاختيار بين لوائح مقفلة وجاهزة". ومع احتمال إجراء الانتخابات وفق قانون مختلط، على المواطنين توقع تعديلات شكلية في إتمام عملية الاقتراع، منها: وجود صندوقين في قلم الاقتراع، أحدهما مخصص للمقاعد التي ستُنتخب على أساس أكثري والثاني مُخصص للمقاعد التي ستُنتخب على أساس نسبي.
وبصرف النظر عن شكل القانون الذي سيُعتمد، تطالب الجمعيات المعنية بديمقراطية الانتخابات وحقوق النساء بإنشاء الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، "حتى لا تصبح ديمقراطية الانتخابات مرتبطة بحسن نية أو استقلالية أي وزير داخلية تابع لحزب سياسي"، بحسب الحلو.
وتطالب الجمعيات بأن تشمل صلاحيات الهيئة: "الحد من الإنفاق الانتخابي، ورفع السرية المصرفية عن أصول وفروع المرشحين، والتأكد من تساوي فرص المرشحين أمام وسائل الإعلام". كما تؤكد أهمية اعتماد اللوائح المطبوعة سلفاً. وتُطالب الجمعيات بـ"إقرار كوتا نسائية مرحلية بنسبة 30 في المائة، اعتماد ورقة الاقتراع المطبوعة سلفاً وحصر الفرز بالمراكز وليس داخل الأقلام، لمنع تعقب المرشحين لأصوات الناخبين".
ومع تعطيل رئيس الجمهورية للقرارات الإجرائية التي تسمح بإجراء الانتخابات في موعدها بالقانون الأكثري الساري حالياً، ينتظر اللبنانيون إقرار القانون الجديد لانتخاب برلمان جديد بعد 8 أعوام من ولاية المجلس الحالي. ومع إعلان "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" عن خوض الانتخابات بشكل مشترك، واستمرار التحالف بين قطبي "الثنائية الشيعية" (حزب الله وحركة أمل)، يبدو "تيار المستقبل" الأكثر تأثراً بأي تعديل قد يطرأ على شكل النظام الأكثري الذي سمح له بتشكيل أكبر كتلة برلمانية في لبنان، وحيازة العدد الأكبر من أصوات الناخبين السنة في البلاد.