لم تعد وسائل الإعلام الفرنسية، المرتكزة على مختلف استطلاعات الرأي، تعتبر المرشح الاشتراكي للرئاسة الفرنسية بونوا هامون مرشحا جديا قادرا على الوصول إلى الدورة الثانية، وحتى صحيفة ليبراسيون، اليسارية، التي لم تُخف بعض تعاطف معه، يبدو وكأنها حسمت أمره، ولم تعُد تتوقع له اختراقا يستطيع أن يضعه في الدورة الثانية.
وفي عدد اليوم، الأربعاء، تتحدث الصحيفة عن "امرأة وثلاثة رجال"، وتتحدث عن الاحتمالات الستّة في الدورة الثانية، دون أن يكون هامون حاضرا فيها، وتشدد الصحيفة على أن كل الاحتمالات واردة، لكن بين هؤلاء الأربعة، فقط، لا غير.
وترصد ليبراسيون استراتيجياتهم على بعد 11 يوما من الاستحقاق الانتخابي، ما بين مرشحة اليمن مارين لوبان، التي تحاول تجنب الفخاخ التي سقط فيها والدها، جان-ماري، من قبل، بنجاح كبير، لكن مع بعض السقطات، كتلك التي جرّت عليها انتقاد خصومها وقسم كبير من وسائل الإعلام، بخصوص براءة فرنسا من اضطهاد اليهود.
وأيضا عن استراتيجية جان-لوك ميلانشون، الذي يلعب على وَتَر الحذَر، فالَغَضب والاندفاع هما أكبر عدو، وقد جرّب الأمرَ من قبل، ولهذا تحسنت علاقاته مع وسائل الإعلام، خلافا لعجرفته في انتخابات 2012.
أما إيمانويل ماكرون، الذي لم يرتكب، لحد الساعة، أي هفوة كبيرة، فمن واجبه أن يحافظ على الثقة التي تنبعث منه، في حين أن فرانسوا فيون، المحارب الذي لا يتعب ولا يكل، فرغم كل المحن والضربات، لا يزال يؤمن بالنصر، ولهذا قرر ألّا يطلب من الفرنسيين أن يحبّوه، كشرط ضروري، للتصويت له.
وإذا كانت مارين لوبان تستطيع أن تراهن على جمهور لها وفيّ، يقترب من 25 في المائة من الناخبين، يصدق خطابها بأن كلّ مصائب فرنسا، الاقتصادية والاجتماعية، نابعة من تقاسُم السلطة، خلال عقود، بين الحزب الاشتراكي وحزب "الجمهوريون" ومسميّاته السابقة، فإن فرانسوا فيون لا يرى في صعود ميلانشون في استطلاعات الرأي خطرا داهِماً عليه، على اعتبار تداخُل جمهورهما، وأيضا على اعتبار أنّ المتضرر في نهاية الأمر، سيكون ماكرون، الذي لا يفتأ يطلق عليه لقب "فرانسوا ماكرون"، في إشارة إلى أن إيمانويل ماكرون، ليس سوى خليفة للرئيس الحالي فرانسوا هولاند، وأن هذا الأخير يدير الخيوط من الإليزيه.
وفي كل مرة يرتفع فيها سهم ماكرون، تنهال عليه الانتقادات، من اليمين، مذكّرة إيّاه بأنه يتحمل جزءاً من تركة هولاند، وأن ادعاءاته المتكررة عن "قتل الأب" غير صحيحة، وخصوصا أن مواقف فرانسوا هولاند العلنية، بخصوص مرشحه في الانتخابات، ملتبسة، إن لم تكن متعاطفة معه، في اللقاءات والتصريحات الخاصة.
يستطيع جان-لوك ميلانشون أن يَجذب بعض الذين يفكرون في التصويت لماكرون، ولم يحسموا أمرهم، ولكن لا يجب أن يصل الأمر إلى مستوى لا يمكن لجمُه، وهو ما يفسر، فجأة، غلاف صحيفة "ليزيكو"، الاقتصادية، أمس الثلاثاء: "ميلانشون، "الخطر" الفرنسي الجديد"، ثم الغلاف العنيف لصحيفة لوفيغارو، اليمينية، والموالية لفرانسوا فيون، اليوم الأربعاء، "ميلانشون: مشروع تشافيز الفرنسي الهذياني"، على الرغم من أنّ الصحيفة كرست موضوعا آخر بعنوان: "الخطر الوحيد، في نظر فيون، هو ماكرون".
وعلى كل حال، وفي ظل تقارب الحظوظ بين الأربعة الكبار، وأيضا مع اقتراب موعد الاستحقاق، فإن من مصلحة كل مرشح الإجهاز على خصومه، ما دام أن الكل قادر على اجتراح معجزة.
أما مرشح الحزب الاشتراكي، بونوا هامون، فحتّى وإن وصل أمس، في آخر استطلاع للرأي، إلى نسبة 10 في المائة (بزيادة 1 في المائة)، فإنه يظلّ بعيدا خلف الأربعة الكبار، ولم تعد هجمات خصومه الكبار تستهدفه إلّا في النادر.
ومما يفسّر صعوبة حملته، التي لا يمكن أن يغفل عن تفسيرها كثرة "الخيانات"، وتكاسُل الحزب عن دعمه، وتراخي حتى أقرب حلفائه، مونتبورغ وأوبري وبوميل ودوفلو، في الوقوف معه، بقوة، أن المُراهنين البريطانيين، كما تنقل ليبراسيون، يراهنون على حصوله على المرتبة السادسة خلف المرشح فرانسوا أسيلينو، الوحيد الذي يطالب بالخروج من اليورو ومن الاتحاد الأوروبي ومن حلف النيتو.
ولعلّ إحساس بونوا هامون بصعوبة الأمر، رغم حماسه، دفعه للإعلان عن دعمه لميلانشون، في حال وصوله للدورة الثانية.
هل يكون اليسار حاضرا بالدورة الثانية؟
لم يعد يكفي التفاؤل، الذي كان من سمات اليسار، فانشغال الرئيس الفرنسي في التحذير من تعاظم دور مارين لوبان، ثم انقسام هذا اليسار، بهذه الطريقة، يحدّ من كل أمل في الحضور في الدورة الثانية.
كما أن مرشح الحزب الاشتراكي أصبح، اليوم، ضحية لما يسمى "التصويت النافع"، والذي يستفيد منه المرشح إيمانويل ماكرون، الذي يذكّر في كل مرة، لمن يريد الاستماع، بأنه "ليس من أصحاب اليسار ولا اليمين"، على الرغم من أن هذا الأخير، أي اليمين، لا يرى في مشروع ماكرون سوى نسخة معدلة عن الحزب الاشتراكي، الذي عجز، مرة أخرى (مثال المرشحة سيغولين روايال، في انتخابات 2007، لا يزال ماثلا)، عن تقديم مرشح يحظى بالإجماع من داخله.