بالرغم من التزامها الصمت إزاء الغارات التي استهدفت الليلة الماضية مطاراً في محيط حماة وقاعدة عسكرية في ريف حلب، إلا أن بعض المؤشرات قد تدلّ على أن إسرائيل هي من تقف خلف هذه الغارات.
فقد سربت مصادر عسكرية في تل أبيب معلومات لبعض المعلقين الإسرائيليين بشأن المطار المستهدف، تشي بأن إسرائيل بالفعل هي صاحبة المصلحة في تنفيذ هذه الغارات.
وكتب يوسي يهشوع، المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، على حسابه على موقع "تويتر"، صباح اليوم الإثنين، أنه قبيل ساعات على الغارة التي استهدفت المطار، هبطت فيه طائرة شحن عسكرية قادمة من إيران، إلى جانب أن المطار يضمُّ قاعدة إيرانية للطائرات من دون طيار.
لكن ما الذي يدفع إسرائيل لضرب أهداف إيرانية مجدداً في سورية، بالرغم من أن التقديرات الإستراتيجية في تل أبيب ترجح بأن طهران سترد على الغارة التي استهدفت قبل شهر مطار "تيفور" القريب من حمص، والتي قتل جرّاءها سبعة من قيادات "الحرس الثوري"؟
بغض النظر عن المسوغات الحقيقية وراء الهجمات الإسرائيلية الجديدة، فإن هناك ما يدل على أن تل أبيب تنطلق من افتراض مفاده أن هامش المناورة المتاح أمام إيران محدود جداً، بشكل يسمح لها بمواصلة استنزافها في سورية، دون خشية رد فعل إيراني كبير. فلا يوجد لإيران رد على تفوق سلاح الجو الإسرائيلي، حيث إن الطائرات الحربية الإيرانية العاملة في سورية قديمة، وغير مؤهلة لمواجهة الطائرات الحربية الإسرائيلية ذات القدرة الفائقة على المناورة. إلى جانب ذلك، فإن منظومات الدفاع الجوي، سواء تلك التي يملكها نظام بشار الأسد أو تلك التابعة لـ"الحرس الثوري الإيراني" غير قادرة على التأثير على فاعلية الطيران الإسرائيلي.
في الوقت ذاته، فإن دوائر التقدير الإستراتيجي في تل أبيب ترى أن الإيرانيين غير معنيين بأن يفضي التصعيد إلى مواجهة واسعة مع إسرائيل، حيث إن هذه المواجهة ستتم على بعد آلاف الكيلومترات عن إيران، وهذا ما سيمكن إسرائيل من المس بقدرتها على نقل السلاح والذخيرة التي يفترض أن تستخدم في الجهد الحربي خلال هذه المواجهة.
وهناك في تل أبيب من يرجح بأن طهران غير معنية بالمواجهة الواسعة، خشية أن تستغل إسرائيل هذه المواجهة، وتقوم بقصف المنشآت النووية داخل إيران، بدعم مباشر من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وبالرغم من أن تل أبيب تعي أن مصدر قوة إيران الرئيسي يتمثل في ترسانة الصواريخ التي تملكها في سورية وتلك التي يحوز عليها "حزب الله" في لبنان، وهي الصواريخ التي بإمكانها ضرب أي هدف داخل إسرائيل، إلا أنها تفترض أنه ليس من مصلحة طهران والحزب استخدام هذه الصواريخ بشكل يفضي إلى مواجهة شاملة.
ويقدر الإسرائيليون بأن إيران غير معنية بمواجهة تقلص من قدرتها على إنجاز هدفها المتمثل في التمركز في سورية، حيث إنهم يرون أيضا أن الاعتبارات الداخلية تقلص هامش المناورة أمام "حزب الله"، المشغول بالمعركة الانتخابية المقررة الأحد المقبل في لبنان، والحريص على تعزيز مكانته على الصعيد الوطني، ما يجعله يتجنب الولوج في أي مسار يمكن أن يقود إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل.
إلى جانب ذلك، فإن الإسرائيليين يقدرون بأن إيران غير معنية بأن تستدرج إلى مواجهة قبل الثاني عشر من مايو/أيار المقبل، وهو الموعد، الذي يفترض أن يصدر فيه ترامب قراره النهائي بشأن الالتزام الأميركي بالاتفاق النووي، خشية أن يستغل الرئيس الأميركي هذا التصعيد لإضفاء صدقية على قراره المتوقع بالانسحاب من الاتفاق.
ومما لا شك فيه أن الغارات التي شنت الليلة تمثل اختباراً قوياً لموقف روسيا، التي سارع رئيسها فلادمير بوتين في أعقاب الغارة التي استهدفت "تيفور" قبل أسبوعين، إلى الاتصال برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والطلب منه التوقف عن شنّ هذه الغارات. وبالرغم من أن تل أبيب تتعامل بمنتهى الجدية مع الروس، وتعي خطورة أي سيناريو يقود إلى مواجهة معهم في سورية، إلا أنها تفترض في المقابل، أن موسكو تتخوف من تحرك إسرائيلي أميركي مشترك ضد المصالح الروسية في سورية، لاسيما المسّ باستقرار نظام الأسد.
وقد سبق أن هدد نتنياهو موسكو بشكل غير مباشر بأن إسرائيل لن تتردد في الدفع نحو إسقاط نظام الأسد في حال لم تتم مراعاة مصالحها. ومن نافلة القول إن المس باستقرار نظام الأسد يعني قطع الطريق على انطلاق مشاريع إعادة إعمار سورية، التي تراهن روسيا على احتكار تنفيذها.