الانتخابات التركية المحلية: فرصة جديدة للمعارضة

01 أكتوبر 2018
يُتوقع أن تكون للأزمة الاقتصادية انعكاساتها على الانتخابات(كريس ماكغراث/Getty)
+ الخط -
قبل أشهر من انتخابات الإدارة المحلية في تركيا، المقرر إجراؤها نهاية مارس/آذار من العام المقبل، تواصل الأحزاب السياسية وضع استراتيجياتها من أجل اختيار مرشحيها في المدن والبلدات التركية، حسب الأصوات والقاعدة الشعبية التي أفرزتها انتخابات 24 يونيو/حزيران الماضي، فيما تتجه الأنظار دوماً إلى المعارضة في سعيها لتشكيل تحالفات للتغلّب على تفرّد حزب "العدالة والتنمية" في الحكم منذ سنوات.

وتختلف هذه الانتخابات عن الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة لعوامل داخلية وخارجية، منها التحوّل إلى النظام الرئاسي غير واضح المعالم في تفاصيله حتى الآن بالنسبة لطيف من الأتراك، وعدم تحقيق هذا النظام أي تقدّم في الجانب الاقتصادي على الرغم من كل الوعود التي بُني عليها، من الاستقلالية والرفاه والتقدّم، إذ تراجعت العملة المحلية وارتفعت الأسعار، ودخلت البلاد في مقدمة أزمة اقتصادية أدت إلى سياسة تقشف شديدة.

وعلى الصعيد الخارجي، ما زالت الأزمات مع الدول الكبرى متواصلة، وهذه المرة كانت الأزمة مع الولايات المتحدة، التي هددت وفرضت بعض العقوبات الاقتصادية، ما أدى إلى انخفاض قيمة العملة المحلية. وانعكست المواجهة مع أكبر قوة عالمية على الداخل، وربما يكون لذلك انعكاس على الناخبين الأتراك، لتتبدّل الظروف عن الانتخابات السابقة، بما قد يوصل إلى مشهد مختلف عما كان عليه الوضع في الاستحقاق السابق. وفي الوقت الذي قدّمت فيه أحزاب سياسية بعد الانتخابات السابقة، خريطة واضحة للمضي قدماً، كحزب "العدالة والتنمية" بعقد مؤتمره العام طارحاً استراتيجيات معينة، لا زالت أحزاب أخرى تعاني من اضطرابات، كـ"الشعب الجمهوري" الذي يشهد انقسامات، وكذلك "الحزب الجيد"، في حين تتواصل الأحاديث عن تحالفات بين الخصوم السياسيين، وظهور خريطة تشبه التي عرفتها الانتخابات السابقة، مع العلم أن الساحة السياسية التركية دائماً ما تشهد مفاجآت في الدقائق الأخيرة.

حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وبتعليمات من رئيسه، رجب طيب أردوغان، بدأ مرحلة اختيار المرشحين منذ بداية الشهر الماضي، بعد أن عقد مؤتمره العام في أغسطس/آب الماضي، ووضع الخبرات في قيادة الحزب. ومع بداية الشهر الحالي، بدأت مرحلة التحضير من خلال رصد نبض الشارع في المرحلة الأولى، وأخذ آراء الحزبيين المحليين ثانياً، من دون اشتراط أن يكون المرشح من "العدالة والتنمية"، على أن يتم إعلان أسماء المرشحين اعتباراً من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
واللافت أن الحزب الحاكم، ونتيجة انخفاض نسبة أصواته في الانتخابات البرلمانية السابقة إلى حاجز 42 في المائة، فاقداً الأغلبية البرلمانية، فإنه سيعمل على أسماء من خارج الحزب، معروفين من قبل أبناء المدن والبلدات التي ستجري فيها الانتخابات، ليتم ترشيح من هم ليسوا من الحزب، في استراتيجية جديدة تسعى لمزيد من التقرب مع الجمهور.

وخلال الاستعدادات، جرى الحديث كثيراً عن استمرار الاتفاق الجمهوري بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" اليميني المتطرف، وما زاد من هذه التوقعات هو عدم تسمية "الحركة القومية" مرشحاً له لرئاسة بلدية إسطنبول، ما فُهم على أنه دعم لمرشح "العدالة والتنمية"، وهو الأمر الذي لم يؤكده الأخير، حتى على لسان أردوغان الذي اكتفى بالإعلان أنه منفتح دائماً للقاء رئيس "الحركة القومية" دولت بهجلي، ما يشير إلى أنه لم تجر مفاوضات حقيقية بعد لانعقاد هكذا تحالف، ويعتبر مجرد إشارة ربما لتوحّد الطرفين في بعض الولايات والمدن.

أما حزب "الشعب الجمهوري" فيعاني من تصدّعات داخلية، بعد فشل تيار من الحزب في جمع تواقيع لازمة لعقد اجتماع طارئ. وعلى الرغم من ذلك، ظهرت فجوة كبيرة، مع نسبة كبيرة داخل الحزب تطلب التغيير، فيما يتمسك رئيس الحزب كمال كلجدار أوغلو برئاسة الحزب من دون السعي للتغيير، واكتفائه بتغيير مجلس قيادة الحزب من أجل استرضاء الأصوات الداخلية.
وبعد النتيجة التي حصدها مع حليفه "الحزب الجيد" خلال الانتخابات الأخيرة، لا يزال "الشعب الجمهوري" يقيّم التحالف مجدداً معه في الانتخابات المقبلة، بسبب توزع الخارطة الجغرافية والديمغرافية للأصوات من جهة، والحاجة لجذب أصوات من مختلف شرائح المجتمع العلمانية والقومية، وحتى المحافظة، بالاعتماد على أصوات "الحزب الجيد" في مناطق مهمة مثل منطقة البحر المتوسط وبحر مرمرة وجنوب البلاد، وسط أنباء عن نظرة إيجابية من كلجدار أوغلو لهذا الاتفاق.

أما "الحزب الجيد"، المنشق عن "الحركة القومية"، فهو يسعى أيضاً لاستيضاح صورة مستقبل هذا التحالف، كما جاء على لسان سكرتيره العام جيهان باجاجي، الذي أكد أنه على المستوى الرسمي لا وجود حتى الآن لأي ميول لعقد تحالفات، ولكن القاعدة الشعبية للحزب أعطته الصلاحية لعقد التحالفات المطلوبة، وهو ما يجعل الحزب منفتحاً على أي مفاوضات تجري مع أي أحزاب لعقد تحالفات. "الحزب الجيد" بعد الانتخابات واستقالة زعيمته ميرال أكشنر، واللغط الذي حصل وعودتها عن قرارها بعدم الترشح لقيادة الحزب، عقد اجتماعه الطارئ الثاني في أغسطس/آب الماضي، وأعاد انتخاب أكشنر التي توصف بالمرأة الحديدية، وتتلقى دعماً ملحوظاً من الغرب، وبدأ استعداداته للانتخابات المقبلة.


من جهته، يسعى حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي، لاستغلال ما وصفه بالمعارضة من قبل كتل كبيرة من الشعب في مناطق غرب البلاد لعقد اتفاق سماه بـ"المعارضة الديمقراطية"، على أن تحصل التحالفات وفق القاعدة الشعبية، وليس على صعيد قمة الحزب أي بشكل رسمي، في حين أن استراتيجياته واضحة في الشرق ذات الأغلبية الكردية، مع ضمان نجاحه في تلك البلديات. وبهذا فإن الأحزاب الخمسة الرئيسية التي لها فرص الفوز بالانتخابات، استكملت ترتيب بيتها الداخلي، على أن يبقى موضوع تشكيل التحالفات الداخلية على المستوى الرسمي، وهو ما سيتضح في الأيام المقبلة، ويتبع ذلك تحديد المرشحين.

أما على صعيد الخارطة الميدانية، فتشكّل ولايات الشمال على البحر الأسود ووسط الأناضول مناطق محسومة لـ"العدالة والتنمية"، فيما جنوب شرق البلاد لصالح الأكراد، في حين غرب البلاد على سواحل بحري إيجة والمتوسط، ينحاز لـ"الشعب الجمهوري"، بينما سيكون الصراع في مناطق جنوب البلاد جلياً بين الحزبين القوميين "الحركة القومية" و"الجيد".
ولكن أبرز المناطق التي ستشهد صراعاً هي بلديات المدن الكبرى، وتحديداً بلديتي إسطنبول وأنقرة، اللتين ستشهدان منافسة شرسة غير محسومة، على الرغم من تفوّق "العدالة والتنمية" فيهما. ولكن أي تحالف بين "الشعب الجمهوري" و"الجيد" وإذا ما ضم الأكراد، قد يزعزع اليد العليا للحزب الحاكم، وهو ما سيُدخل البلاد في مرحلة جديدة، قد تستدعي لاحقاً انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، في حال خسارة "العدالة والتنمية"، مع تواصل التراجع الاقتصادي، وانخفاض سعر صرف الليرة، وانعكاس ذلك على غلاء الأسعار، مما يؤلب الداخل على الحزب الحاكم.

أما احتمال حصول التحالف بين معارضي الحزب الحاكم، فيبدو أنه سيكون بين "الشعب الجمهوري" و"الجيد". وكان الأخير قد حلّ في الانتخابات السابقة ثانياً في ولاية بوردور، وثالثاً في ولايات تشانق قلعة، وأدرنه، واسكي شهير، وغريسون، وقرق قلعة، وموغلا، وسينوب، وياولفا، وتكيرداغ وانطاليا. كما أنه حل ثانياً في أحياء ومناطق في إسطنبول وأنقرة، ما يرفع احتمالات التحالف، مع وجود رغبة متبادلة من الحزبين، خصوصاً في ظل مخاطر خسارة "الشعب الجمهوري" نحو تسع بلديات من التي يرأسها حالياً. فتحالف العلماني الكمالي ممثلاً بـ"الشعب الجمهوري"، واليميني المحافظ، ممثلاً بـ"الجيد"، سيدفع بمزيد من الفوز في بلديات لصالح هذا التحالف إن حصل، وبالتالي تشكيل تحالف كبير ضد أردوغان وحزبه. لكن المزيد من التفاصيل وأسماء المرشحين تنتظر شهر أكتوبر الحالي، لتبدأ لاحقاً الحملات الانتخابية، وصولاً للانتخابات العام المقبل.

المساهمون