برغم الصيام وارتفاع نسبي لدرجة الحرارة، يفضل الناشط حسين بزينة حمل مكبر الصوت ككل جمعة لقيادة مظاهرات الحراك الشعبي وسط العاصمة الجزائرية.
وحضّر حسين رفقة عدد من الناشطين مجموعة من الشعارات والهتافات رددت خلال المظاهرة التي شهدها شارع ديدوش مراد، المؤدي إلى ساحة البريد المركزي، حيث كان المتظاهرون يرددون الهتافات الصاخبة والغاضبة بسبب استمرار رجال بوتفليقة في الحكم، كـ"حكومة بريكولاج (ترقيع)"، و"حكومة الكوكايين"، في إشارة إلى فضيحة محاولة تهريب 701 كيلوغرام من الكوكايين في مايو/ أيار 2018، عندما كان رئيس الحكومة الحالي نور الدين بدوي وزيرا للداخلية.
كما رفعت هتافات تخص المطالبة بملاحقة ومعاقبة من يصفهم المتظاهرون بـ"العصابة"، وزعيمها السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المخلوع، بقول المتظاهرين: "يا عصابة جاء وقت المحاسبة"، "العصابة تحت المراقبة.. والعدالة مطالبة بتسليط أقصى عقوبة"، في إشارة إلى إقدام القضاء العسكري على اعتقال السعيد بوتفليقة، والمديرين السابقين لجهاز المخابرات محمد مدين وبشير طرطاق، الذين رفعت بشأنهم شعارات تطالب بمحاسبتهم على ما يصفها بعض الناشطين بـ"جرائم مترتبة على توقيف المسار الانتخابي في يناير (كانون الثاني) 1992، خاصة قضية المختطفين قصرا والإعدامات خارج القانون".
وكان لافتا أن عددا كبيرا من الشعارات واللافتات رفعت صور وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، ودعت إلى التوافق على شخصه كرئيس مؤقت للدولة، لفترة انتقالية، وأحمد بن بيتور كرئيس حكومة كفاءات مستقلة تتولى التحضير لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وعلقت على العمارات والمباني العالية وسط العاصمة لافتات عملاقة تحمل صور الإبراهيمي كتب عليها "من أجل مرحلة انتقالية، نعم للإبراهيمي، نعم لبن بيتور".
وطرحت لافتة أخرى في جمل قصيرة خطة محددة لعبور المأزق الدستوري الحالي، إذ تقترح استقالة رئيس المجلس الدستوري الحالي كمال فنيش، على أن يعين الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي رئيسا للمجلس الدستوري، ثم يستقيل بن صالح لتؤول رئاسة الدولة إلى الإبراهيمي، كما رفعت شعارات ترفض إجراء الانتخابات في الظروف الحالية كـ"يا بن صالح ماكانش (لا توجد) انتخابات".
ورفع المتجمعون شعارات تطالب بتطبيق المادة 7 من الدستور الجزائري، والتي تنص على أن "الشعب هو مصدر كل السلطة" و"السيادة ملك للشعب"، و"ترحلوا يعني ترحلوا".
وأضيفت في اللافتات والشعارات التي رفعت حتى الآن أسماء وصور شخصيات سياسية مغضوب عليها، ويطالب المتظاهرون برحيلها من المشهد السياسي، بينها الأمين العام الجديد لحزب جبهة التحرير الوطني محمد جميعي.
وتباينت الشعارات الموجهة إلى قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، حيث انتقدت بعض الشعارات مواقفه الداعمة لبقاء بن صالح وبدوي، وتمسكه بإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في موعدها المقرر في الرابع من يوليو/ تموز المقبل، رغم عدم توفر الظروف السياسية المناسبة لإجرائها.
ورفعت لافتات تقول "الجيش لا نؤيده ببلاهة، ولا نعارضه بسفاهة، واجبه مرافقتنا بنزاهة، واجبنا السير معه بنباهة"، إضافة إلى هتافات تقول "نريد جمهورية وليس ثكنة".
وقدم عدد من المتظاهرين من المدن القريبة من العاصمة الجزائرية للمشاركة في مظاهرات الجمعة، بينهم العم حميد، الذي وصل إلى العاصمة قادما من منطقة بومرداس، التي تبعد مسافة تقارب الـ70 كيلومترا على دراجة نارية.
وقال العم حميد، البالغ من العمر 73 سنة، لـ"العربي الجديد": "أساند الحراك بدراجتي، وقد وصلت بها قبل أسبوعين إلى مدينة برج بوعريريج"، شرقي الجزائر، حيث شارك في مظاهرات الحراك الشعبي "تأييدا للشباب الذي بفضله حدثت هذه الهبة الشعبية المباركة"، وفق قوله.
وقال الناشط في الحراك الشعبي سفيان حجاج، لـ"العربي الجديد"، إن "ناشطي الحراك كانوا حريصين على التعبئة بأكبر قدر ممكن لمسيرات الجمعة الـ12 والأولى في شهر رمضان، بهدف توجيه رسالة واضحة إلى الجيش والسلطة أنه إذا كنتم تراهنون على شهر رمضان والصيام لإنهاك الحراك الشعبي فأنتم واهمون".
وأضاف أن "الحراك لن يتوقف ما دامت المطالب المركزية لم تتحقق، وما دام في السلطة رموز نظام بوتفليقة، وما دام الشعب لم يستعد حقه كاملا ولم يطمئن لوضع البلد بين أيد أمينة"، مشيرا إلى أن "الطلبة قدموا رسالة أولى، الثلاثاء الماضي، في احتجاجاتهم، ونحن نرسل رسالة ثانية في مظاهرات الجمعة".
ورغم استمرار السلطات الأمنية في إغلاق النفق الجامعي للجمعة الثالثة على التوالي، لمنع المتظاهرين من تنظيم مسيرة بين ساحة البريد المركزي وساحة أودان، كونه الممر الوحيد المؤدي والرابط بين الساحتين، على مسافة لا تتجاوز 600 متر، إلا أنه كان لافتا تراجع الانتشار الأمني في شوارع وساحات العاصمة الجزائرية، حيث لم تعرف انتشارا أمنيا كثيفا مقارنة مع الجمعات الماضية.
وخففت السلطات من قبضتها على وسط العاصمة، لكنها عززت، في المقابل، من وجود عناصر الأمن باللباس المدني لمراقبة الوضع، وأبقت على تمركز قوات الأمن قرب قصر الحكومة وقصر الرئاسة.
وللمرة الأولى منذ أربع جمعات، لم تشدد السلطات مراقبة منافذ العاصمة الجزائرية، وخففت حواجز الدرك الوطني التي كانت تنشرها في الغالب يوم الجمعة لمنع التحاق المتظاهرين بالعاصمة الجزائرية.
لكن استمرار الحراك في الجزائر بكل زخمه الشعبي منذ ما يقارب الثلاثة أشهر، تقابله حالة جمود سياسي باتت مقلقة للقوى الشعبية والمدنية، بسبب تمسك الجيش ورئاسة الدولة بالخيار الدستوري المؤدي بالضرورة إلى الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو/ تموز المقبل، مقابل تسمك قوى المعارضة السياسية والمدنية وناشطي الحراك الشعبي برفض خطة الانتخابات قبل تنحي بن صالح وبدوي من السلطة.
وفي السياق، اعتبر المحلل السياسي مروان لوناس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "ينطبق وصف الانسداد على الوضع الحالي. هناك تمسك بالمواقف بين الشعب والجيش، ونلاحظ أن هناك صداما وتباينا واضحا في الخيارات. سنحتاج الى جهد سياسي لفك هذا المأزق".
وتوقع مروان لوناس أن يقدم الجيش على تنازلات سياسية جديدة، بفعل استمرار الضغط الشعبي.
بدوره، قال الناشط السياسي مسعود عمراوي إن "مسعى الجيش تطبيق المادة 102 بحذافيرها لن يكون حلا للأزمة، لأن الانتخابات ليست حلا في الظروف الحالية. هذه الأزمة لم يصنعها الشعب، صنعتها السلطة، وهي أزمة سياسية لا حل لها من وجهة نظري، إلا بالمزاوجة بين الحل السياسي والدستوري".
وتستعد قوى المعارضة السياسية لعقد ندوة وطنية موسعة خلال الأيام المقبلة لمناقشة طرح خطة انتقال سياسي للخروج من الأزمة الراهنة.