الحراك الجزائري يرد على قائد الجيش: مطالبات بدولة مدنية ودعوات للعصيان المدني
وشهدت العاصمة الجزائرية مظاهرات صاخبة بعد الفراغ من صلاة الجمعة، حيث نزل الآلاف إلى ساحة البريد المركزي وساحة أودان وشوارع ديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي، وسط العاصمة، ونظموا مسيرات عبر الشوارع الكبرى، رفعت خلالها شعارات، كان أبرزها شعار "دولة مدنية وليس عسكرية"، حيث غطى هذا الشعار على مجمل الشعارات الأخرى، في رد شعبي موجه إلى قائد الجيش، الذي كان قد هاجم بحدة المطالبين بالدولة المدنية.
وكان قائد أركان الجيش قد هاجم بحدة المجموعات السياسية والشعبية التي ترفع في المظاهرات شعارات تطالب بالدولة المدنية، وقال، في خطاب ألقاه الثلاثاء، إن هكذا شعارات هي "أفكار مسمومة أملتها عليهم دوائر معادية للجزائر، ولمؤسساتها الدستورية، ودوائر تكن حقدا دفينا للجيش ولقيادته الوطنية، التي تقلق أتباع العصابة وأذنابها، إلى درجة أنهم باتوا يقومون بحملات تشكيك معروفة المرامي، في كل عمل تقوم به المؤسسة العسكرية وقيادتها".
وصعد قائد الجيش من لهجة تحذيراته ضد هذه المجموعات، التي ترفع هذه الشعارات وتنتقد الجيش، وهدد بملاحقتهم بقوله: "إننا نحذرهم شديد التحذير، وقد آن أوان النظر الصارم المعتمد على حماية المصلحة العليا للجزائر، بشأن اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال كل ما يقوم به هؤلاء العملاء".
وقال الناشط البارز في الحراك الشعبي عبد الوكيل بلام، لـ"العربي الجديد"، إن "خطاب التأزيم الأخير لقائد الجيش حول الدولة المدنية كان يستحق ردا شعبيا في مظاهرات الجمعة. الدولة المدنية وتكريس الممارسة الديمقراطية مطلب مركزي بالنسبة للحراك الشعبي، والجزائريون لن يسمحوا مجددا باستمرار نفس لعبة العسكر، لإقامة حكم عبر واجهات مدنية لا تحكم فعليا، ويحكم من خلالها الجيش كما كان منذ الستينات".
ورفعت خلال مظاهرات اليوم شعارات تطالب قائد الجيش برفع يده عن المشهد السياسي، وبتحرير العدالة والإعلام من الضغوط والإكراهات التي تمارس عليها من قبل السلطة بأشكال متعددة، كما طالب المتظاهرون بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم القيادي الثوري لخضر بورقعة، وعدد من الناشطين الذي كانت السلطات قد اعتقلتهم بسبب رفع الراية الأمازيغية.
كما جدد المتظاهرون المطالبة برحيل رموز النظام السابق الذين ما زالوا على رأس مؤسسات الدولة، كالرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، بعد نجاح الحراك الشعبي في إطاحة رئيس البرلمان معاذ بوشارب.
وأكدت مظاهرات الجمعة الـ21 مجددا استعادة الحراك الشعبي لنفسه الثوري والاحتجاجي، بعد حملات تعبئة كبيرة قام بها الناشطون في الحراك والقوى السياسية والمدنية النشطة فيه، خاصة منذ الجمعة الماضية، التي تزامنت مع احتفالات عيد الاستقلال.
ورغم بوادر الانقسام في المواقف بين المجموعات الشعبية والسياسية المشاركة في الحراك، في نقاط خلاف تتعلق خاصة بالموقف من الجيش والمجلس التأسيسي، والمرحلة الانتقالية، ومطلب رئيس أو هيئة انتقالية.
العصيان المدني
ولا يغطي نجاح مظاهرات الجمعة الـ21 مخاوف فعلية من دعوات جديدة إلى تطوير الحراك الشعبي إلى إضراب عام أو عصيان مدني، حيث شاركت في مظاهرات اليوم الجمعة مجموعات من المتظاهرين تدعو إلى حالة عصيان مدني. وكانت بعض الشخصيات السياسية، بينها مؤسس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي، قد دعت إلى التفكير في العصيان المدني كآلية جديدة للضغط على السلطة، بعد استهلاك الحراك للمظاهرات والمسيرات كأدوات ضغط.
كما ترفض هذه المجموعات ( "التقدمية" في الغالب) خيار الذهاب إلى انتخابات رئاسية قبل توفير الشروط السياسية والضرورية لذلك، بما فيها اتخاذ إجراءات وتدابير التهدئة والإفراج عن الموقوفين، وتشكيل هيئة مستقلة تدير الانتخابات، كما رفضت بعض المجموعات مقترح عبد القادر بن صالح إقامة حوار غير مباشر مع المعارضة عبر هيئة شخصيات مستقلة.
وفي السياق، يتخوف مراقبون من أن يضعف هذا الانقسام ويتيح للجيش التمدد في المشهد السياسي وإحكام مزيد من قبضته، وفرض تصوراته للحل السياسي، عبر فرض انتخابات "بمن حضر"، دون توفير شروط نجاحها، ما يؤدي في النهاية إلى انسداد خطير قد يخلق حالة من الصدام وتحول عنيف للحراك الشعبي، خاصة في مناطق معروفة بمطالبها السياسية كمنطقة القبائل.
وقال المحلل السياسي محمد ايوانوغان، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك شعورا لدى الكثيرين في أن عدم نجاح الحراك في تحقيق مطالبه أو تلاعب السلطة به، قد يخلق جديا حالة توتر، ويولد أشكالا من العنف والعصيان المدني"، مشيرا إلى أن "هذه المخاوف الاستباقية لها ما يقابلها في الميدان، عبر تقلص مساحات الأمل التي ولدها الحراك الشعبي بفعل تشدد السلطة وعودتها إلى بعض السلوكات السياسية والبوليسية".