يشهد الجزء الخارج عن سيطرة النظام السوري في محافظة إدلب (شمال غربي سورية) كثافة سكانية، إذ تجاوز عدد السكان فيه نحو ثلاثة ملايين نسمة، ويتركز نحو مليون منهم في مدينة إدلب وحدها، الأمر الذي أدى إلى خلق أزمة سكنية. وزادت هذه الأزمة من جشع بعض أصحاب المنازل الذين عمدوا إلى رفع بدلات الإيجار، الأمر الذي أدى إلى حدوث مشاكل بين أصحاب البيوت والمستأجرين، تنتهي في أحيان كثيرة بطرد المستأجر من العقار ليبقى وعائلته من دون مأوى.
من هنا، عمدت مجموعة "هذه حياتي" التطوعية العاملة في سورية ودول الجوار إلى العمل على إيجاد سكن مؤقت لهذه العائلات، ريثما يتم إيجاد سكن بديل. ويقول مدير المجموعة سارية البيطار لـ "العربي الجديد" إن "فكرة بيت الضيافة انطلقت من ضرورة إيجاد سكن بديل للعائلات التي يتم إخراجها من منازلها لأي سبب كان، وانطلق المشروع بعدما دعينا كفريق لمساعدة عائلات كانت تفترش الطرقات بعدما تركت منازلها أو أخرجت منها". ويوضح أن البيت يقع في مدينة إدلب، ويقدّم للنزلاء كافة الخدمات من مياه وكهرباء وإنترنت وطعام مجاني. وفي الوقت نفسه، يسعى القائمون عليه لإيجاد سكن بديل للعائلة التي تتم استضافتها من خلال البحث عن متبرعين جدد أو تأمينها في سكن مناسب تتوفر فيه جميع الخدمات.
ويقول المتطوع في "قسم الحالات" التابع للمجموعة، عبد الله تريسي لـ "العربي الجديد" إن مهمة الفريق تبدأ من خلال التوجه إلى العائلة التي لا تملك سكناً، فتنقل بسيارات المجموعة إلى بيت الضيافة وتحصل على كافة الخدمات لمدة ثلاثة أيام، وحتى الخدمات الطبية، فيما يتولى عدد من أفراد المجموعة البحث عن سكن دائم. ويشير تريسي إلى أن البيت الذي بدأ باستضافة العائلات مطلع عام 2022، استقبل حتى الآن عشرات العائلات، وكانت جميعها تعاني من مشاكل في تأمين سكن دائم، أو كانت عاجزة عن دفع بدلات الإيجار، وتم تأمين العائلات من خلال إعطائهم مساكن أخرى بمساعدة متبرعين أو على نفقة المجموعة".
بهاء طالب، وهو نازح من مدينة حمص، كان يقطن منزلاً في مدينة إدلب قبل أن يخرجه صاحبه منه بعدما أصبح عاجزاً عن دفع بدل الإيجار نتيجة إصابته بمرض مزمن أدى إلى توقفه عن العمل. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه لجأ إلى إحدى حدائق المدينة لينام فيها، لكن متطوعي مجموعة هذه حياتي وصلوا إليه ونقلوه على الفور إلى بيت الضيافة، وقدّموا له الإقامة والطعام والشراب لمدة ثلاثة أيام.
ويشير إلى أن المجموعة جهزت له غرفة خاصة في المدينة، وقدّمت له المؤونة والمستلزمات المنزلية، كما دفعت بدل الإيجار لمالكها لمدة ستة أشهر، ووفرت التيار الكهربائي للغرفة من خلال تركيب ألواح طاقة شمسية وبطارية لتخزين الطاقة.
من جهته، يقول أحمد سالم، وهو صاحب مكتب عقارات في إدلب لـ "العربي الجديد"، إن المنازل أصبحت "عملة نادرة" في إدلب بسبب الكثافة السكانية، وقد توجّه الكثير من الناس إليها على اعتبار أن الخدمات فيها من كهرباء ومياه واتصالات أفضل من غيرها، ما جعل أصحاب المنازل يطلبون أسعاراً مرتفعة لا تتناسب ووضع العقار في الواقع. ويختلف السعر بحسب بعد أو قرب المنزل عن المركز. يضيف أن الحد الأدنى لأسعار المنازل هو نحو 100 دولار أميركي، الأمر الذي يعد مرتفعاً نسبياً لمنطقة مثل إدلب، التي ما زالت تشهد قصفاً عدا عن التهديد بعمل عسكري في أي لحظة. كما أن أصحاب العقارات باتوا يطلبون تأميناً على محتويات المنزل من المستأجرين، ومنهم من يشترط كتابة عقد لمدة ستة أشهر أو سنة، تضاف إليها رسوم المكتب العقاري الذي يتقاضى عادة ما يعادل أجر شهر كامل. ويؤكّد سالم أن الطلب الكبير على استئجار المنازل زاد من الإقبال على فتح المكاتب العقارية في إدلب، حتى باتت من أكثر المهن رواجاً. ويلجأ الكثير من رجال الأعمال إلى الاستثمار في العقار وقد ارتفعت أسعار الأراضي المحيطة بمدينة إدلب إلى أرقام خيالية.
وتعدّ بدلات إيجار المنازل في مدينة إدلب مرتفعة مقارنة بالخدمات الموجودة فيها، وتفتقر معظم المنازل إلى التدفئة والتبريد والمياه والاتصالات والصرف الصحي، وخصوصاً تلك التي تعرّضت للقصف أو التي بنيت حديثاً على عجل بسبب زيادة الطلب على المنازل نتيجة موجات النزوح المتتالية.
وتحاول حكومة الإنقاذ ضبط إيجار العقارات، من خلال إصدار قرارات دورية ومعاقبة المخالفين، لكن هذه القرارات لم تكن محطّ ترحيب من أصحاب العقارات، إذ تتكرر المشاكل حتى اليوم، وهاجس النازحين في المدينة يبقى أزمة أسعار الإيجارات وتحكّم أصحاب الأملاك بمصيرهم.