يواجه الأطباء في الكويت هجوماً إعلامياً عنيفاً من مجموعات معادية للتطعيم واللقاحات الخاصة بفيروس كورونا، وسط ضعف في الإقبال على اللقاحات، كشفه إعلان وزارة الصحة أنّ 923 ألفاً فقط من أصل 4.5 ملايين مقيم تلقوا جرعتين من اللقاحات.
ويربط الأطباء تصاعد الحملات المعادية للتطعيم، رغم توالي التحذيرات من التراخي في أخذ اللقاحات، واتخاذ السلطات الصحية قراراً بمنع غير المطعّمين من دخول الأماكن العامة والمجمعات التجارية، والسفر أو العودة إلى الكويت، بثلاثة أمور؛ أولها الإحساس باليأس والغضب من تأخر فتح الأماكن العامة وطول مدة الإغلاق. والثاني تخبط السلطات في اتخاذ الإجراءات المناسبة وفشلها في تنفيذ حملة تطعيم واسعة رغم تسجيل الآلاف أسماءهم لتلقي اللقاحات. أما السبب الثالث فيرتبط بتجاهل التدخل الرسمي الحاسم لمنع الروايات المشككة بفاعلية عملية التطعيم واللقاحات.
ونظمت المجموعات المعادية للقاحات احتجاجات متكررة في ساحة الإرادة، وسط العاصمة، للمطالبة بعدم إجبار الناس على أخذ اللقاحات. واندفعت وسائل الإعلام المرئية لتغطية هذه التحركات، ما مثل بحسب محللين كُثر "وسيلة لإفادة وسائل الإعلام تلك من مناخ الحريات الكبير في الكويت كي تتصدر مشهد الترويج للنظريات المعادية للتطعيم".
يقول الطبيب علي الشمري لـ"العربي الجديد": "ما يحدث في الكويت كارثة كبيرة على كل المستويات، واللقاحات متوافرة لتنفيذ حملة التطعيم، لكنها تواجه سوء إدارة في التوزيع، إذ تعطي السلطات الصحية مواعيد مباشرة للمواطنين، وتتعمد تأخير مواعيد وافدين تسجلوا منذ شهور للحصول على اللقاح". وينتقد الشمري وسائل الإعلام التي تعاملت مع احتجاجات المجموعات المعادية للقاحات باعتبارها فرصة للحصول على مشاهدات وقراءات كثيرة لمنصاتها، ويقول لـ"العربي الجديد": "تعد الكويت أكثر بلد خليجي احتضاناً لنظريات المؤامرة حول فيروس كورونا ولقاحاته، وذلك بسبب الإعلام المفتوح الذي تحوّل إلى نقمة على البلاد، خصوصاً بعدما فتحت صحف واسعة الانتشار صفحاتها لكتابة أكاديميين محليين مقالات معادية للقاحات".
وتعتبر المستشارة في مستشفى مبارك الكبير، الدكتورة فاطمة خاجة، أحد أهم الأطباء الذين تعرضوا إلى هجوم واسع من المجموعات المعادية للتطعيم، وصولاً إلى تلقيها تهديدات بالقتل، ما دفع الجمعية الطبية الى إصدار بيان طالبت فيه الحكومة باتخاذ إجراءات قاسية في حق المعادين للأطباء، ومروجي نظريات المؤامرة الذين ساهموا في تقليل عمليات التطعيم في شكل كبير في البلاد، خصوصاً في صفوف المواطنين. وتصف خاجة في حديثها لـ"العربي الجديد" الحملات المعادية للتطعيم بأنّها "منظمة وتتعمد استهداف القطاع الطبي، في حين أن الضحايا هم الناس". وتؤكد أنّ الأطباء "نذروا أنفسهم للعلم وخدمة الناس، وسيستمرون في توعية الجميع بأخطار فيروس كورونا، والمطالبة بضرورة حصولهم على لقاح، كي لا يحصل انهيار كامل للوضع الصحي العام في الكويت". تضيف: "بدأت مهاجمة الكوادر الطبية منذ تطوّع أطباء لتوعية الناس في شأن إيجابيات التطعيم. وكان ذلك أمراً متوقعاً من أشخاص لا يملكون حججاً، ويستخدمون هذه الأساليب والتهديدات لتحقيق أهدافهم. لكنّ صوت العلم أقوى وأعلى دائماً، في حين أنّ المسألة ليست سهلة في ظلّ فقدان الأرواح يومياً. والحقيقة أنّ حملات الجهل والتشكيك قلصت عملية التطعيم، وعطّلت الحصول على مناعة مجتمعية مناسبة، لذا أطالب السلطات بتطبيق القانون على مروجي الإشاعات". أما الكارثة الكبرى، بحسب خاجة، فهي "تحريض عدد قليل من الأطباء الناس على عدم مواكبة التطعيم، وذلك استناداً إلى أهواء شخصية".
من جهتها، تقول الصيدلانية سعاد العجمي لـ"العربي الجديد" إنّ "نظريات المؤامرة التي روّج لها معادو اللقاحات بدأت كمزحة، ثم تحوّلت إلى تيار عام جذب جمهوراً كبيراً في الكويت". تضيف: "قطعت دول خليجية الطريق على طرح هذا الموضوع ومنعت الحديث عنه، لكنّنا في الكويت نعاني من فوضى وضعف في اتخاذ القرار. وقد توفي أقرباء لي بفيروس كورونا بعدما رفضوا أخذ اللقاح، استناداً إلى رسائل نشرت على تطبيق واتساب وتغريدات على تويتر تلقوها يومياً، وحذرتهم من التطعيم".
من هنا تطالب العجمي الحكومة باتخاذ إجراءات أكثر حزماً، ومنع غير المطعّمين من الذهاب إلى وظائفهم "خصوصاً أنّ إهمالهم تسبب في كوارث كبيرة في البلاد حتى الآن". وتتحدث العجمي عن تجربتها الشخصية في محاولتها توعية أشخاص ضمن عائلتها وأصدقائها، وتقول: "إنّها تجربة صعبة لأنّ المعادين للتطعيم منظمون بشكل مخيف، ويضم تيارهم عشرات من الأكاديميين في جامعة الكويت، واستفادوا من وجود حريات سياسية وإعلام حرّ في البلاد للسيطرة على التيار في شكل مطلق".
يقول الطبيب والمستشار والأستاذ في كلية الطب بجامعة "الكويت" محمد جمال، لـ "العربي الجديد" إنّ "مجتمع العلم والطبّ يخوض حرب توعية ضدّ مروجي نظريات المؤامرة الذين يتلاعبون بمصير الناس وأرواحهم. ونحن نعرف جيداً عائلات توفي عدد كبير من أفرادها بسبب تصديقهم نظريات المؤامرة التي يروّجها البعض".
واتهم أطباء كويتيون زملاء لهم يعيشون في الخارج بترويج نظريات المؤامرة، رغم أنّهم حصلوا هم أنفسهم على اللقاحات في البلدان التي يعيشون فيها، وذلك "بهدف الظهور إعلامياً ومحاولة تحقيق شهرة".