أطفال الزلزال... خوف من العودة للمنزل والاطمئنان للخيمة

هاتاي

عبدالله البشير

avata
عبدالله البشير
إدلب

عامر السيد علي

avata
عامر السيد علي
24 فبراير 2023
أطفال يخشون العودة إلى  منازلهم بعد الزلزال
+ الخط -

لم تكن الطفلة آسيا محمد اليعقوب (8 أعوام) تتخيل يوماً معنى الزلزال والخوف والرعب والدمار. إلا أنها اختبرت الرعب هي والكثير من الأطفال في منطقة شمال غرب سورية، من جراء الزلزال المزدوج الذي ضرب البلاد وجنوب تركيا في السادس من الشهر الجاري، ثم في العشرين منه. تقول لـ"العربي الجديد": "لم أكن أعرف ما هو الزلزال، لكنني أعرفه اليوم. تهدمت المباني وكان الناس خائفين ولا يعرفون أين يذهبون. جئنا إلى هذا المخيم حتى يزول خطر الزلزال لنعود بعدها إلى البيت. خفت على أبي وأمي وإخوتي وجميع الناس. وعندما مات البعض بسبب الزلزال شعرت بالقهر. كنا في إدلب وانقطع التيار الكهربائي واهتزت الأرض. نزلنا وركبنا في السيارة وأتينا إلى المخيم". اتجهت الطفلة مع عائلتها إلى مخيم إيواء قريب من مدينة إدلب.
حتى لحظة وقوع الزلزال، لم تكن الطفلة ساين السعيد (11 عاماً) تعرف أي شيء عن الزلزال. تقول لـ"العربي الجديد": "كنا في البيت في إدلب حين انقطع التيار الكهربائي واهتزت الأرض، فجئنا إلى المخيم، الزلزال مرعب جداً. خفت على أمي وأبي وإخوتي والناس جميعاً. شعرت بالحزن على الموتى. أعطونا خيمة للبقاء داخلها، لكن لم نكن نعرف أن هذا يحدث عند وقوع الزلزال، ولم نعد نعيش في بيوت. كنت أشرب الشاي مع أمي حين اهتزت الأرض. أمسكنا بإخوتي وغادرنا البيت. الناس كانوا في الخارج يصرخون ويُكبّرون".
يعجز الأطفال عن وصف ما عاشوه، وخصوصاً في السادس من الشهر الجاري. شعر البعض بآلام في البطن والمعدة، وتمنوا ألا يباغتهم زلزال آخر ليلاً وهم نيام، بل نهاراً ليكون بمقدورهم مغادرة البيت والهرب. كان عبد الغفار سميسم (9 سنوات) يجلس قرب أخيه الأصغر خلال حديثه عن الزلزال. ويقول لـ"العربي الجديد" إنه لم يكن يعرف شيئاً عن الزلزال إلى حين حدوثه، مضيفاً: "أتمنى ألا يقع عندما نكون نائمين. أرجو أن يحدث خلال النهار كي نتمكن من الهرب".
وعانت الطفلة فاطمة الأسعد (8 أعوام) من آلام في البطن بعد وقوع الزلزال الأول ثم الثاني. تقول لـ"العربي الجديد": "كنت نائمة بجانب أختي الأصغر مني. دخل أبي الغرفة وأيقظني من النوم. كان المصباح يتمايل كثيراً والطاولة أيضاً. نزلنا من البيت إلى الشارع. جميع الناس كانوا في الشارع. حدث الزلزال الثاني بينما كان والدي يحضر لنا الملابس. بردنا كثيراً وكنا حفاة. لم أعرف ما الذي حدث حتى حلول الصباح. الزلزال يعني أن تهتز الأرض. جلست مع صديقات أمي في الحديقة وكن يتحدثن عن أن البيوت تهدمت. صرت أبكي كثيراً فيما بطني تؤلمني".
تتابع فاطمة: "عدنا إلى البيت صباحاً. أخبرت أمي أنني لن أنام، لكنها قالت لي إنني سأعود إلى المدرسة ويعود كل شيء كما كان. في المرة الثانية، خفت أكثر بكثير. صرت أتخيل أن البيت سيقع فوق رؤوسنا عندما نعود. خفت على أختي وأخي كثيراً. الجميع كان يصرخ. الزلزال مخيف. أحب البقاء في الخيمة وإشعال الشموع ليلاً. تحكي لنا أمي قصصاً عن الأميرات وأنا أحكي أيضاً لإخوتي قصصاً سمعتها من التلفاز".

من جهتها، تقول إسراء، والدة الطفلة فاطمة، لـ"العربي الجديد": "كانت فاطمة خائفة جداً بعد حدوث الزلزال الأول، وزاد خوفها مع وقوع الزلزال الثاني. خشيت أن تعاني من أزمة نفسية. في اليوم الأول، لم نكن قادرين على التعامل معها. وحين عدنا إلى البيت، كانت تبكي وتصرخ بشدة. وبعدما غادرنا، أصبحت تسأل والدها عن الزلزال وكيفية حدوثه ولماذا؟ كما صارت تسأل عن سبب موت الأطفال الأبرياء الذين لم يرتكبوا أية أخطاء. حاولت الإجابة ووالدها عن كافة الأسئلة، إلا أن هذا لم يخفف من وطأة الخوف لديها. ما زالت تشعر بالخوف عندما تشاهد أي تسجيل مصور عن الزلزال أو تسمع حديثاً عن الزلزال. الوضع صعب والأطفال في حالة صدمة. أرجو أن يتعافى جميع الأطفال منها".
ولجأت الكثير من العائلات، وخصوصاً اتي انهارت بيوتها، إلى مراكز الإيواء أو المخيمات، بعدما دمرت بيوتها ولم يعد من سقف تحتمي تحته. وبات تَشارك العائلات الخيام شائعاً في عدة مدن شمال غربي سورية. تجلس النساء والأطفال في الخيام المشتركة فيما يتدبر الرجال والفتية أمورهم، على أن تكون الأولوية للأطفال والنساء.

على المجتمع تعويض قدر المستطاع ما يفقده الطفل من حاجات ضرورية (عامر السيد علي)
على المجتمع تعويض قدر المستطاع ما يفقده الطفل من حاجات ضرورية (عامر السيد علي)

خديجة المحمد، التي تقيم بمدينة الأتارب، تقول لـ"العربي الجديد" إن "ما يخفف عن أطفالها الأزمة والخوف هو اللعب مع أطفال آخرين". وتشير إلى أن "ابنها البكر (7 سنوات) كان يقول لوالده إن قدميه ترتجفان حين خرجنا من البيت. لكن تشارك الخيمة مع الأقارب جعلنا ننسى ما حدث شيئاً فشيئاً. بدأ يلعب مع الأطفال ليلاً وصاروا ينامون بعضهم بجانب بعض. وهذا خفف إلى حد كبير من الخوف لديهم. أخبرني أنه لا يحب العودة إلى البيت كونه يلعب مع الأطفال هنا، وأنا أسمح له باللعب أيضاً. في السابق، لم أكن أسمح له بالخروج في أي وقت للعب".
مسعود بيريني، وهو والد لخمسة أطفال، يقول لـ"العربي الجديد": "الأطفال هم الأضعف في أي أسرة ويتملكهم الخوف دائماً عند حدوث شيء. كنت مدرساً في السابق وأحاول التعامل مع أطفالي برويّة. ما حدث كان قاسياً عليهم، وخصوصاً ابنتي الكبرى ذات الأعوام العشرة. شهدت القصف المدفعي بريف إدلب مرات عدة وكذلك غارات الطيران. أرجو أن يعود الأطفال إلى طبيعتهم في أقرب وقت ممكن ويزول هذا الخوف لديهم".
إلى ذلك، يصف الطفل محمود شحود (8 أعوام) الخيمة بـ"البيت الجديد الذي لا ينهار من جراء الزلزال"، موضحاً أن البيت الذي كانت تعيش فيه عائلته في ريف إدلب انهار. ويقول: "الأرض اهتزت، لم أكن أعرف أن هذا زلزال، شعرت بدوار في رأسي". يتابع: "عندما حدث الزلزال، خرجنا من البيت وأتينا إلى مركز الإيواء".

اللعب يخفف عنهم وطأة ما عاشوه خلال الزلزال (عامر السيد علي)
اللعب يخفف عنهم وطأة ما عاشوه خلال الزلزال (عامر السيد علي)

وتشعر الطفلة هناء الحمود بالأمان لدى جلوسها في الخيمة بمركز الإيواء، كما توضح لـ "العربي الجديد". تقول إن "الخيمة ليس فيها سقف يمكن أن ينهار في حال حدوث زلزال"، مشيرة إلى أنها لن تعود إلى البيت كونها تخاف من البقاء فيه.

أما الطفل نور الدين العثمان (9 أعوام) الذي يعيش في مدينة إدلب، فيقول لـ "العربي الجديد" إنه خاف كثيراً لدى وقوع الزلزال. يضيف: "لم أعرف ما هو الزلزال. قال والدي إن الأرض تتحرك وكان الأمر مخيفاً. البيت كان يتمايل وكل شيء يتحرك. حين وقع الزلزال الأول كنت نائماً. أما لحظة وقوع الزلزال الثاني، فقد أخرجنا أبي وأمي على الفور من البيت. لا أريد أن أبقى في البيت حتى إن أعطاني أبي الهاتف الخلوي لألعب الألعاب التي أحب. أرسلت تسجيلات صوتية إلى صديقي حسين من هاتف أبي، فأخبرني أنه بخير وقد توجه إلى المزرعة حيث بيت جده. هناك لديهم خيمة ينامون فيها خلال الليل. أتمنى أن تكون لدينا خيمة. في السيارة، شعرت بالبرد كثيراً".

ما زالت قادرة على الابتسام رغم الصدمة (عامر السيد علي)
ما زالت قادرة على الابتسام رغم الصدمة (عامر السيد علي)

إلى ذلك، يقول الطبيب النفسي عمار بيطار، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد انتهاء الصدمة في كارثة كالزلزال، يلجأ الناس إلى تحليل ما حدث. وأكثر من يجد صعوبة في التحليل هم الأطفال لقلة الإدراك أو الخبرة. تقديم الدعم النفسي الأولي هو المرحلة الأهم، لمساعدة الناس على تقبل ما حدث، وفهم المشاعر المرافقة كالصدمة أو الخوف عبر زيادة الوعي بأن الخوف أمر طبيعي، وليس مرضاً". 
من جهته، يلفت المعالج النفسي علي النمر، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الشعور بالفقدان من أكثر المشاعر خطراً، لا سيما لدى الأطفال، ويتوجب على المجتمع التدخل. فالطفل الذي يفقد والده أو والدته أو كليهما، لم يفقد فقط شخصاً عزيزاً عليه، بل فقد كذلك الخدمة التي كان يقدمها هذا الشخص له، من رعاية وطعام وشراب ومسكن وحب وحنان. وعلى المجتمع تعويض قدر المستطاع ما فقده الطفل من هذه الحاجات الضرورية، ويجب ألا يشعر بأنه بلا أسرة، أو يفتقر إلى الرعاية، أو أن مستقبله غامض".

ذات صلة

الصورة
تطالب جمعيات رعاية الحيوان بتعامل رحيم مع الكلاب (فريد قطب/الأناضول)

مجتمع

تهدد "كلاب الشوارع" حياة المصريين في محافظات عدة، لا سيما المارة من الأطفال وكبار السن التي تعرّض عدد منهم إلى عضات استدعت نقلهم إلى المستشفى حيث توفي بعضهم.
الصورة
جنديان إسرائيليان يعتقلان طفلاً في الضفة الغربية (حازم بدر/ فرانس برس)

مجتمع

بالإضافة إلى الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، لا يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن التنكيل بالضفة الغربية، فيعتقل الأطفال والكبار في محاولة لردع أي مقاومة
الصورة

مجتمع

ضبطت السلطات اللبنانية، أمس الأربعاء، عصابة ابتزاز واغتصاب تستدرج الأطفال والقصّر بهدف اغتصابهم وتصويرهم وإجبارهم على تعاطي المخدرات.
الصورة
العثور على جثمان الطفلة هند وأسرتها (فيسبوك)

مجتمع

عُثر على جثمان الطفلة هند رجب، وخمسة من أفراد عائلتها، بينهم جثث متحللة، اليوم السبت، بعد محاصرة قوات الاحتلال السيارة التي كانت تقلّهم قبل 12 يوماً.
المساهمون