رغم مرور أسابيع عدة على زلزال المغرب، ما زالت الطفلة مروة تعاني من تبول لاإرادي، فيما تهاجم الكوابيس كل ليلة ياسمين، ويرفض الصغير عمر النوم في غرفته بمفرده، فيما تكرر رقية السؤال عن إمكانية أن تهتز الأرض من جديد.
تقول حليمة، والدة مروة (4 سنوات)، لـ"العربي الجديد"، إن ابنتها تعاني من التبول اللاإرادي منذ وقوع الزلزال، ولم تكن تشكو منه في السابق، كذلك فإنها تعيش حالة من الهلع المستمر، وتبدي الأم تخوفها من استمرار هذه الحالة التي استشارت بخصوصها طبيباً نفسياً، وبدأت تطبيق إرشاداته. أما الشقيقان رقية ومحمد (6 و8 سنوات)، فقد نزحت أسرتهما المنكوبة من بلدة أمزيز بإقليم الحوز إلى مخيم مؤقت أقيم لإيواء من فقدوا منازلهم، ويقول والدهما: "عائلتي بخير، لكن أبنائي في حالة صدمة، ويعانون من فقدان الشهية من جراء ما عايشوه من أهوال، وفي كل يوم يسألونني: إلى متى سنبقى هنا؟ وأنا عاجز عن تفسير ما جرى لهما، أو شرح سبب بقائنا في المخيم".
أما ياسمين (11 سنة) تخشى من تكرار الزلزال، وتقول لـ"العربي الجديد": "الكوابيس صارت تطاردني منذ الليلة التي اهتزت فيها الأرض من تحتنا. في تلك اللحظة تعالت صرخات أمي خوفاً، وحملتنا إلى خارج المنزل، منذ ذلك اليوم، بات الشارع ملاذنا الوحيد".
ويقول اختصاصي الطب النفسي للأطفال، بنبراهيم محمد، لـ"العربي الجديد"، إن "صدمة الزلزال لا يمكن تجاوزها بسهولة بالنسبة إلى الكبار، وبالطبع تكون الصدمة أكبر على الأطفال، لأن مناعتهم النفسية ما زالت في طور النمو والنضج، وبالتالي يصعب عليهم مواجهة هذا النوع من الكوارث، وهذا يجعل كثيراً من الأعراض النفسية تظهر على شكل اضطرابات جسدية، ومثل هذه الأعراض تقلق الآباء، والكثير منهم يتواصلون معنا لطرح مشاكل أبنائهم، لكننا نطمئنهم بأن كل هذا طبيعي في ظل هذه الظروف العصيبة".
يتابع: "بعض الأطفال يعاني من أعراض تقهقر في مراحل النمو النفسي، فيتبول ليلاً، أو يصبح غير قادر على الاعتناء بنفسه، وخصوصاً نظافته وملابسه وأكله، أو يتعلق بأبويه بشكل مَرَضيّ، ويسألهما بإلحاح أن يظلا معه، أو يفرط في التعبير عن مشاعر القلق، والبعض قد تظهر عليهم (تأتأة) في الكلام، أو يقومون بحركات لا إرادية، فيما قد يسترسل آخرون في البكاء، أو يقعون فريسة لاضطرابات النوم، أو اضطراب الأكل وغيرها. هذه الأعراض لن تدوم طويلاً عند معظم الأطفال، وإذا طالت، أو زادت حدتها، ينبغي تدخل المختص النفسي لمعاينة حجم الضرر الناتج، واقتراح علاج إذا اقتضى الأمر".
ويؤكد الطبيب النفسي محمد الكرعاني لـ"العربي الجديد"، أن "الأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً من الزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية، وفي مثل هذه المواقف تكثر أسئلتهم، وتكون أحياناً محرجة للكبار، فهم يبحثون عن الشعور بالأمان، والتخلص من حالة الخوف التي ترافقهم، وأيضاً إدراك طبيعة ما حدث، ويجب الحرص على إعطائهم معلومات تحقق احتياجهم إلى الأمان، وأن الزلازل لا تقع كثيراً، وأنه يمكنهم التعويل على قدرة الكبار على تدبير هذه الظروف الصعبة، ودور الأهل يتمثل بأن يشرحوا للصغار أن الظواهر الطبيعية جزء من حياة الأرض ونظامها، فهذه المعلومات العلمية من شأنها طمأنتهم، والمطلوب أن تكون الأجوبة بسيطة لا تفصيلية، وأن تحقق الحاجة إلى الأمان وإدراك المعنى".
تنحدر الطفلة أميمة نزيه (14 سنة) من قرية "تابيا" بإقليم تارودانت، وما زالت تحت وطأة الصدمة غير المسبوقة التي عاشتها في ليلة الزلزال. يقول عمها محمد لـ"العربي الجديد": "الزلزال أثر في الكبار، فما بالنا بالصغار؟ لقد رأوا الجثث، وانهيار المنازل، وكثيرون فقدوا عائلاتهم. أميمة لا تتحدث تقريباً منذ ذلك اليوم، وغاب ما اعتادته من نشاط، ونتمنى أن تعود تدريجياً إلى حالتها الطبيعية، خصوصاً مع بدء استئناف الدراسة".
بدوره، يأمل سعيد ألّا يعاني ابنه عمر (3 سنوات) من "اضطراب ما بعد الصدمة"، وقد لاحظ ظهور بعض الأعراض عليه، فصار أكثر عدوانية، ويرفض النوم في غرفته بمفرده، كذلك فإنه كلما حل الظلام يصاب بنوبات بكاء.
أما سفيان بكيكن (15 سنة)، من بلدة "إفرضن"، فقد استطاع تجاوز أثر الصدمة، رغم أنه نجا بأعجوبة قبل أن يسقط جدار الغرفة فوقه، ويقول في اتصال مع "العربي الجديد": "صحيح أن المنازل سُوِّيت بالأرض، وتحولنا إلى العيش في الخيام، وصحيح أن الخوف إحساس طبيعي، لكن لا بد لدورة الحياة أن تعود إلى طبيعتها".
من جانبها، استطاعت لين (9 سنوات) تجاوز اللحظات الصعبة التي عاشتها بعد أن ضربت الهزة الأرضية مدينة الرباط، وتقول والدتها حسنية لـ"العربي الجديد": "أحرص قدر الاستطاعة على تنفيذ برنامجها اليومي المعتاد من دون تغيير، كذلك أشاهد معها الرسوم المتحركة التي تحبها، وأداوم على احتضانها لتعزيز شعورها بالأمان، بالإضافة إلى عزلها وشقيقها عن كل المعلومات المتعلقة بالزلزال".
ويؤكد اختصاصي الطب النفسي للأطفال، محمد بنبراهيم، أن "مشاعر الأطفال تمتص ما يدور من حولها من أحاسيس سلبية أو إيجابية، فكل ما يدور في المحيط الأسري يؤثر بكيفية إدراكهم للأمور، ومن هنا فإن الهدوء، وتمالك الكبار لأعصابهم من أهم عوامل تعزيز المقاومة النفسية عند الأطفال".
ويشدد الطبيب الكرعاني على "أهمية المحافظة على السلامة الجسدية والنفسية للأطفال بعد وقوع الزلزال، وإحاطتهم بالمحبة، وضمان الإنصات إلى أفكارهم، وتقبّل جميع استفساراتهم"، ويدعو في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى "تجنب الإفراط في تعامل الأطفال مع مواقع التواصل الاجتماعي، وتجنيبهم الصور ومقاطع الفيديو المخيفة، أو التسجيلات الصوتية التي تروج شائعات أو معلومات مغلوطة، فهذا الشيء يزيد من مخاوفهم، ويعمق الضرر لديهم، إلى جانب المحافظة على البرنامج اليومي المعتاد قدر المستطاع، لأن في ذلك تعزيزاً لشعور الطفل بالأمان. وبالنسبة إلى أطفال المناطق المنكوبة، ينبغي تقديم الحماية الجسدية والنفسية والدعم الاجتماعي لهم، وتعزيز ثقتهم بإمكانية استئناف حياتهم بشكل طبيعي".