يواصل أهالي في مناطق الشمال السوري دفن العشرات من ذويهم الذين تم انتشالهم من تحت الأنقاض التي خلفها الزلزال، فضلاً عن الجثامين التي وصلت من تركيا، ومع ارتفاع عدد الوفيات لجأ كثيرون منهم إلى الدفن في مقابر جماعية، إضافة إلى دفن بعض الأشخاص في غياب ذويهم، في حين ماتزال المشافي تضم الكثير من الجثامين التي تقرر تأجيل دفنها إلى حين التعرف على هوية أصحابها.
ويقول المسؤول الطبي في مستشفى باب الهوى، أحمد الأحمد، إنهم يحتفظون بصور للضحايا تم التقاطها فور نقلهم إلى المستشفى، وتم نشرها على مجموعات مخصصة للتواصل على تطبيق "واتس آب" من أجل وصولها إلى أكبر عدد ممكن من السكان، بهدف التعرف عليها من قبل ذويهم، ومن لا يتم التعرف عليهم تبقى جثامينهم في المستشفى، مشيرا إلى أنه "ليست هناك جهة تتولى عملية التعرف على المجهولين، وما يحدث هو جهود ذاتية لناشطين وأهال".
وأوضح مصدر طبي محلي أن "هناك مئات الجثامين المجهولة في المشافي، ونشرت الصور على وسائل التواصل من أجل التعرف عليهم قبل دفنهم. إذا كان أحد المتوفين يحمل وثيقة تثبت هويته، نقوم بأخذ صورة له، ثم يجري دفنه، ومجهول الهوية نقوم بأخذ صورة له، وننشرها، ثم ننتظر التعرف عليه، وفي الأغلب، سيجري الدفن لاحقاً لأن المشافي ليست قادرة على الاحتفاظ بالجثامين لمدة طويلة، لكن حتى اليوم، لم يدفن أي شخص لم يتم التعرف على هويته، وبعض المشافي مكتظة بالجثامين، وخاصة في جنديرس بريف حلب، وسلقين بريف إدلب".
بدوره، يقول مدير العلاقات العامة في معبر باب الهوى، مازن علوش، لـ"العربي الجديد"، إن "جثامين عشرات السوريين وصلت من تركيا عن طريق المعبر. تقوم السلطات الصحية التركية بنقل الجثامين، ولا توجد إجراءات في المعبر، إنما يقوم ذوو الضحية باستلام الجثمان، ثم يذهبون لدفنه بمعرفتهم في المناطق التي ينحدرون منها".
وذكر المنسق الطبي الميداني في منظمة "سامز"، بسام بكري، أن هناك نحو 90 جثماناً في مشفى باب الهوى، فضلاً عن مئات الإصابات الخطيرة، ما يرجح زيادة أعداد الوفيات.
عند معبر باب الهوى، يقف غسان أبو أحمد، القادم من جبل شحشبو في جنوبي إدلب، مع آخرين، لاستلام جثامين أقاربه العشرة، من أجل دفنهم في مسقط رأسهم. أما أنور عبد الرزاق، فقد جاء من سهل الغاب إلى المعبر لاستلام جثمان أربعة من أقاربه قضوا في أنطاكيا، ليجري دفنهم في قريته القسطل.
يعد قرار دفن الموتى أكثر تعقيداً في مناطق النظام السوري، حيث عشرات الضحايا من مجهولي الهوية، ولا يمكن دفنهم قبل تثبيت الوفاة بشكل قانوني لدى الدوائر الرسمية. وشكّلت وزارة العدل في حكومة النظام لجاناً خاصة للتوثيق، في حين تنتظر برادات الموتى توثيق الجثامين لتسليمها إلى ذويهم. لتبدأ مشكلة إيجاد قبور.
ولجأ ملايين السوريين إلى تركيا قبل سنوات هرباً من قصف النظام، وتقطن في الولايات التركية الجنوبية التي ضربها الزلزال أعداد كبيرة منهم، خصوصاً في هاتاي وغازي عنتاب، وما تزال عائلات كاملة تحت الأنقاض، ويتوقع وصول مئات الجثامين إلى سورية خلال الأيام القادمة من أجل دفنهم.
ويمكن دفن السوريين في تركيا، وخاصة من لا يوجد أقارب لهم، وتقوم الأوقاف التركية المسؤولة عن الجنازات بعملية الدفن. أما من لهم أقارب، فإنهم يقومون بنقل جثمان الضحية إلى سورية، وتقوم بالنقل الهيئة المسؤولة عن الجنازات، ولا يسمح بالنقل بالسيارات الشخصية.
ويقول محمد الإمام، من مدينة إدلب، لـ "العربي الجديد"، إن "الكثير من أهالي المنطقة دفنوا ذويهم في مقابر جماعية، بعضها دفن فيها 30 شخصاً، وهناك مقابر جماعية في أطمة، وتفتناز، والرام، وسرمدا ومناطق أخرى، في حين جرى تجهيز مقابر لاستقبال جثامين لم تصل بعد، سواء من تركيا، أو لم يتم انتشالها بعد في سورية".
وأكد مصدر من الدفاع المدني السوري لـ"العربي الجديد"، أنه بسبب عدد الضحايا الكبير، جرى دفن عائلات بأكملها في قبور جماعية، وأنه نظراً لعدم وجود وقت، أو آليات كافية، تتولى آلية واحدة حفر حفرة كبيرة، ويجري صف الجثامين فيها، وبينها فواصل تسمى "اللحد"، ثم يجري ردمها بالتراب دفعة واحدة. وتعيد هذه الطريقة إلى أذهان السوريين عمليات دفن الضحايا عقب المجازر التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين، وعلى رأسها مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق في عام 2013، ومجزرة الحولة في حمص عام 2012، ومجزرة الكيميائي في خان شيخون في عام 2017.