تجد العائلات العراقية النازحة نفسها في مواجهة العديد من المشاكل والأزمات. بالإضافة إلى تداعيات النزوح، تكثر الأمراض داخل المخيمات التي يقطنها النازحون منذ سنوات، حتّى أن بعض هؤلاء الذين يحتاجون إلى تدخلات عاجلة أو عمليات جراحية، يتألمون وحيدين في ظل عدم توفّر الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها.
وبحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، فإنّ الجهات الحكومية الرسمية تحصل باستمرار على تقارير عن أشخاص يعانون من أمراض خطيرة، غالبيتهم أطفال في حاجة إلى عمليات جراحية مكلفة. ويُطالب الأهالي بمساعدتهم من دون أي تجاوب.
في مخيمات الخازر والبعاج والعامرية وكركوك والسليمانية وأربيل، تبدو الأوضاع أسوأ مما كانت عليه قبل تفشي جائحة كورونا، إذ إنّ جدول مناوبة زيارة الأطباء بات متباعداً. كما أنّ الطبيبات لا يتمكنّ من زيارة المخيمات لفحص النساء لعدة أسابيع أحياناً. ويعاني الكثير من الأطفال ضعفاً في النمو وسوء التغذية والتهاب الكبد الوبائي وأمراضا أخرى، عدا عن تهديد وباء كورونا. ويقول مسؤول في وزارة الهجرة العراقية لـ "العربي الجديد"، إنّ الوضع مزر في بعض المخيمات، مضيفاً أنه لهذا السبب منع دخول الصحافيين والتصوير في تلك المخيمات.
يضيف أنّ النازحين يدفعون ثمن احتلال المليشيات مدنهم وقراهم، وتنصل الحكومة من وعود إعادة إعمار منازلهم، لافتاً إلى أن الأمراض في المخيمات خطيرة، وهناك حالة من الإنكار واللاإنسانية في التعامل مع أهالي هذه المخيمات. ويقول: "يتذرع المسؤولون بعدم وجود إمكانات مادية لعلاج جميع الحالات التي تحتاج للتوجه إلى مستشفيات أكثر تطوراً لإجراء عمليات جراحية ضرورية"، مؤكداً أن "الطلبات ترد لعلاج حالات خطيرة من خارج المخيمات النزوح، أي من قبل مواطنين في مختلف مناطق البلاد".
وسط كل هذه الأزمات، يسعى ناشطون في مجال الإغاثة ومنظّمات مدنية إلى مد يد العون لهؤلاء المرضى من خلال جمع التبرعات أو الإعلان عنها في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى يتبناها أحد الميسورين، الأمر الذي تكرر في مرات عدة، كما يؤكد ناشطون، من بينهم عادل الحسن، الذي يملك ملفاً لعدد من الحالات المرضية ويسعى لإيجاد متبرّعين لعلاجهم.
ويقول لـ "العربي الجديد" إنّه مطّلع على أحوال أكثر من خمسة مخيمات تضم أكثر من 16 ألف عائلة، مشيراً إلى أن الكثير من الأمراض تنتشر بين أهالي هذه المخيمات. ويقول: "توفّر الجهات الحكومية والمنظمات الإغاثية القليل من الأدوية، منها لبعض الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط والقلب لكنها ليست كافية. ويضطر المرضى أحياناً إلى شرائها على نفقتهم الخاصة، على الرغم من أنه ليس لدى غالبيتهم أي مورد مالي. أما من يعملون منهم، فبالكاد يستطيعون تأمين احتياجاتهم الأساسية".
ولا تسمح الجهات الأمنية للإعلاميين بالاطلاع على أحوال النازحين في المخيمات، بشكل يتيح التعرّف عن قرب على معاناة سكان المخيمات. لكنّ الحسن يقول إن علاقته بالمنظمات الإغاثية العاملة في مختلف المخيمات مكّنته من الحصول على معلومات تقديرية حول حالات المرضى الطارئة والدائمة والخطيرة في مختلف مخيّمات النازحين في البلاد. وعادة ما يشكو كثيرون من فقر الدم وسوء التغذية والتهاب الكبد الوبائي وأمراض الكلى وبطء نمو الأطفال والسكري وأمراض ضغط الدم والقلب والأمراض الجلدية.
وبحسب الحسن وناشطين آخرين، يمكن تصنيف مئات الحالات بكونها خطيرة وصعبة، في مقابل آلاف الحالات الأخرى الأقل خطورة، وجميعها تتطلب تدخلاً حكومياً لمساعدتها. يُشار إلى أنّ العراق يعيش أزمات عدة نتيجة التراجع الكبير في أسعار النفط، الذي يعدّ مصدر الواردات الرئيسي للبلاد، فضلاً عن مشاكل أخرى تُهدّد السكان، أبرزها عدم تمكّن الحكومة من تسديد رواتب الموظفين لعدم وجود سيولة كافية، ما يجعل الجهات الحكومية أقلّ اهتماماً بمخيمات النازحين، بحسب المصدر نفسه.
من جهته، يقول عمر عبد الرحمن، الذي يسكن مخيّماً للنازحين في الأنبار، لـ "العربي الجديد"، إنّ ابنته تعاني ضموراً في الدماغ وهي بحاجة إلى عملية جراحية مكلفة خارج البلاد. يضيف: "ليس هناك ما أفعله، سوى الانتظار حتى تتكفّل الدولة أو جهة ما بعلاج طفلتي"، موضحاً أن "ما يزيد لوعتي هو أنّ عدد المحتاجين لعلاج كبير جداً. فهناك العديد من الحالات المرضية الموجودة داخل مخيمنا. ودائماً ما تراودني الشكوك بأن أفقد ابنتي قبل أن تتعافى". الطبيب جاسم الراوي، الذي ينشط في متابعة النازحين برفقة منظمات إنسانية، يقول لـ"العربي الجديد" إن "عشرات الحالات المرضية الخطيرة جرى تداركها بفضل أشخاص ميسورين وتبرعات تكفل بجمعها ناشطون".
يضيف الراوي أنه مطّلع على معاناة النازحين في مخيمات عدة. ويعزو الأطباء معظم هذه الأمراض إلى الحرب واستنشاق المواد الكيميائية الناجمة عن المتفجرات والأسلحة، خصوصاً لدى الأطفال. يضاف إليها عدم وجود بيئة صحية آمنة داخل المخيمات. ويقول إن "بقاء النازحين في هذه المخيمات يزيد من الحالات المرضية، ويضاعف معاناة المرضى"، موضحاً أن "جميع الحالات المرضية الموجودة في المخيمات في حاجة الى رعاية صحية جيدة بعيداً عن المخيمات سواء في المستشفيات المتخصصة او في منزل تتوفر فيه الظروف الصحية الملائمة".
ويؤكد أن "المخيمات تفتقر إلى الحصانة الصحية اللازمة فضلاً عن وجود أنواع مختلفة من الحشرات التي تساهم بنقل الأمراض ومضاعفتها أيضاً"، مضيفاً أن الأمر في حاجة إلى "إمكانات جيدة من قبل الدولة، إذ لا يمكن للمنظمات الإنسانية توفير بعض الدعم الإغاثي بسبب محدودية إمكاناتها".