حذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الخاص ببعثة الأمم المتحدة في الصومال من حدوث كارثة مجاعة في هذا البلد منتصف العام الجاري، بعدما ارتفع عدد المحتاجين إلى إغاثة إنسانية إلى نحو 8.3 ملايين، نصفهم أطفال ونساء، بينما يواجه 727 ألف شخص تهديدات جدية ببلوغ مرحلة الجوع الكارثي في تصنيف الأمن الغذائي خلال الفترة الممتدة بين إبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران المقبلين، في حال لم يقدم العالم مساعدات كافية.
وتعد مناطق سيطرة حركة الشباب الصومالية في الجنوب بين الأكثر عرضة للمجاعة بسبب انعدام سبل توصيل مساعدات الإغاثة للمتضررين من أزمة الجفاف تحديداً، وكذلك بسبب حظر حركة الشباب منذ عام 2010 عمل هيئات الإغاثة الأجنبية في هذه المناطق، بحجة أنها تعمل لحساب دول غربية وتنفذ مهمات تجسس لصالحها.
في السياق، لا يستبعد منسق الشؤون الإنسانية للصومال آدم عبد المولى إمكان فتح قنوات اتصال مع حركة الشباب من أجل تقديم مساعدات إنسانية في مناطق سيطرتها، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يفرّق العاملون في الحقل الإنساني من حيث المبدأ بين الحركات المسلحة وباقي الجماعات، ولا تعنيهم التوجهات السياسية لحركة الشباب، وما يهمهم فقط هو الوصول إلى الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية وأولئك الذين تضرروا من الجفاف حتى إذا تطلب ذلك خلق قنوات تواصل مباشرة أو غير مباشرة مع حركة الشباب. ولا حرج لدينا من استخدام هذه الوسيلة للوصول إلى الهدف المنشود".
ويشير إلى "عدم توفر إمكانية حتى الآن لفتح قنوات اتصال مباشرة أو غيرها مع حركة الشباب التي تعتبر الأمم المتحدة خصماً لها، لكن العاملين في الحقل الإنساني عالمياً يتمسكون بمبدأ توصيل الخدمات الإنسانية إلى المتضررين. وفي ظل الظروف السائدة في الصومال تحاول الأمم المتحدة تقديم المساعدات عبر قنوات اتصال بديلة بينها العمل مع زعماء العشائر أو إنشاء مراكز توزيع قرب مناطق سيطرة حركة الشباب، ما يسمح بتسلم السكان مساعدات أو تلقي تطعيم وعلاج قبل الرجوع إلى مساكنهم. وبين القنوات أيضاً دفع قيمة المساعدات الغذائية لتجار يتواجدون في مناطق سيطرة حركة الشباب نفسها كي يوفروا مواد غذائية للمتضررين شرط تقديمها لهم مباشرة. وفي كل الأحوال لا نترك أي وسيلة لإيصال مساعدات للأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية أو المنكوبين بالجفاف.
وفي ما يتعلق بمعسكرات النزوح داخل الصومال، يؤكد عبد المولى "حاجة عدد كبير من النازحين إلى مساعدات إنسانية، وغالبيتهم نزحوا حديثاً عن مناطقهم بسبب الجفاف أو الحرب الدائرة حالياً ضد حركة الشباب. وتصنّف احتياجات هؤلاء بأنها عاجلة لإنقاذ حياتهم، وبينهم أيضاً أشخاص يتواجدون في معسكرات النازحين منذ فترات طويلة قد تتراوح بين 5 سنوات و25 سنة، وغالبيتهم لا يرغبون في العودة إلى موطنهم الأصلي، أو فقدوا سبل كسب معيشتهم في مناطقهم الأصلية. وإذا كان هؤلاء مزارعين لم تعد أراضيهم صالحة للزراعة، وإذا كانوا رعاة فهم فقدوا مواشيهم، وباتت حياتهم ترتبط بالمناطق الحضرية منذ فترات طويلة، لذا أنشأنا بالتعاون مع الحكومات المحلية في كسمايو وبيدوا وبوصاصو مستوطنات تضم بيوتاً صغيرة في أراضٍ وفرتها هذه الحكومات، ووفرنا الخدمات الأساسية في هذه المستوطنات لضمان استقرار هؤلاء الأشخاص".
يضيف: "تعمل منظمات إنسانية لتأهيل هؤلاء النازحين، وتعزيز قدرتهم على العيش عبر إكسابهم مهارات وتدريبهم على تنفيذ حرف يدوية، علماً أن عدداً كبيراً منهم من الشباب الذين لا يعرفون عن المناطق الأصلية التي نزح أهلهم منها سابقاً.
وكانت الحكومة الفيدرالية أعلنت خطة لتوفير الخدمات الأساسية للمناطق التي استعادتها من حركة الشباب والتي تمتد نحو 500 كيلومتر وسط البلاد، ويعيش فيها آلاف من سكان القرى والأرياف. وهي تركز على خلق بيئة جديدة في المناطق المستعادة بعد نحو 15 عاماً من سيطرة حركة الشباب عليها، ما جعلها تفتقر إلى مدارس نظامية ومرافق صحية.
وتخطط وزارة التربية والتعليم تحديداً لإرسال مدرسين إلى إقليمي هرشبيلي وجلجدود لسد النقص في المدارس الحكومية.
ويكشف عبد المولى أن "الأمم المتحدة وضعت برنامجاً خاصاً بالمناطق التي استردتها الحكومة الفيدرالية أخيراً من مسلحي حركة الشباب من أجل دعم الجهود التي تبذلها الحكومة لإعادة تأهيلها، ودعم عيش السكان فيها وممارستهم حياتهم في شكل طبيعي". كما تتعاون الأمم المتحدة مع الحكومة الصومالية لفرض الاستقرار في المناطق المحررة. وقد أطلقت الحكومة الصومالية مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي استراتيجية فرض الاستقرار (التوطين)، والتي يعمل مكتب الأمم المتحدة على دعمها للسماح للإدارات المحلية بتنفيذ مهماتها وتأهيل المرافق الأساسية مثل الصحة والمدارس ومرافق الشرطة أيضاً. وسيعقب ذلك خطوات صحية تمتد بين شهر وثلاثة شهور كي تصبح تلك المناطق ملائمة للعيش، خاصة بالنسبة إلى الفارين من النزاعات.
ويرى عبد المولى أنه "لا بدّ من بذل مزيد من الجهود على المدى الطويل لمواجهة تداعيات الآفات البيئية، فالتغيّر المناخي مستمر عالمياً ولن ينتهي في المدى المنظور، ولا بدّ بالتالي من العمل للتكيف مع التغيّر المناخي، ودعم بقاء الأشخاص الذين لم ينزحوا بعد في هذه المناطق، وهو ما يتطلب توفير استثمارات محلية في هذه المناطق، وتنمية الموارد المحلية وتوفير مصادر بديلة للمياه، وكل ما يتطلب للحفاظ على نمط الحياة. وفي ما يتعلق بمسألة إعادة تأهيل النازحين لا بدّ من بناء مستوطنات جديدة خاصة بالأسر التي لا ترغب في العودة إلى قراها ومناطقها الأصلية".