على الرغم من كلّ الضغوط التي تُمارس على أيّ ثنائيّ منذ لحظة الزواج الأولى، بهدف حثّهما على الإنجاب سريعاً لتكوين أسرة جديدة، لا سيّما في مجتمعاتنا العربيّة، فإنّ قرار عدم إنجاب الأطفال يبدو خياراً متزايداً في عالم اليوم. وهذا القرار يأتي في العادة على خلفية عوامل اجتماعيّة واقتصاديّة أو تشاؤم، بحسب ما يشير موقع "إيتر باران" (أن نكون والدَين) الفرنسيّ المتخصّص في شؤون الأطفال والأمومة. أمّا ربط ذلك بعدم القدرة على الالتزام وتحمّل المسؤوليات، فهو ليس دقيقاً إلا في حالات محدّدة ليست بكثيرة.
وقرار الإنجاب مثل عدمه يجب أن يكون مستنداً إلى دافع صلب. فالطفل يبدّل تماماً حياة المرأة الشخصيّة كما حياة الرجل، وكذلك العلاقة بينهما. وهذا أمر لا بدّ من حسمه بعد التفكير مليّاً ومن دون ضغط من أيّ نوع قد يمارسه الأهل أو الأصدقاء أو الأعراف أو غير ذلك. ولا بدّ من أن يدرك الطرفان أنّه من الممكن عكس قرار عدم إنجاب الأطفال، بخلاف قرار عدم الإنجاب. فمن غير الممكن محو طفل من الواقع، حتى لو قرّر الوالدان الابتعاد عنه. لذا لا بدّ من التعمّق بالتفكير قبل الإقدام على أيّ خطوة.
وبخصوص التشاؤم المشار إليه آنفاً والذي قد يعدّه بعض الناس "واقعيّة" في عالمنا اليوم، فإنّ ما يجري من حولنا يبرّر عدم الإنجاب على هذا الأساس. والقرار في هذا الإطار يأتي في الغالب "منطقيّاً" إذ يستند إلى عوامل تؤثّر سلباً على البشريّة جمعاء اليوم، من قبيل التدهور الحاصل على أكثر من صعيد والصراعات والأزمات باختلافها، منها الوبائيّة والبيئيّة والاقتصاديّة على سبيل المثال لا الحصر. بالتالي، ثمّة تهديدات كامنة كثيرة اليوم، لدرجة أنّه من الصعب جداً التطلّع إلى المستقبل بأمل أو الحسم بتوريط كائن حيّ في هذا الواقع.
يُذكر أنّه بحسب متخصّصين في علم النفس وكذلك علم الاجتماع، فإنّ الزيادة في المواليد تُعَدّ أحد المؤشّرات إلى أنّ مجتمعاً بحدّ ذاته يرى المستقبل من منظور إيجابيّ. بغضّ النظر عن كلّ المعطيات، يبقى أنّه من المهمّ أن يرتكز قرار عدم الإنجاب على تفكير عميق وسليم. والأمر نفسه ينطبق على كلّ من يقرّر الإنجاب لتكوين أسرة ما. فلا بدّ من أن يكون الأطفال ثمرة رغبة فيهم، وأن يُحملوا في العقل والقلب بداية، ليتحوّلوا في ما بعد إلى كائنات حيّة ترمز إلى حبّ للحياة.