يبحث أهالي شارع الشهداء في البلدة القديمة في الخليل جنوب الضفة الغربية، عن مركزٍ صحي عند الحاجة من دون أن يجدوه. ثم يبحثون عن سيارة إسعاف تقلّهم إلى المستشفى فلا تصل. واقع يجعل أهالي المناطق المحاصرة في البلدة القديمة من الخليل يعيشون معاناة حقيقية نتيجة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى اتهامات توجه إلى الجهات الرسمية الفلسطينية بالتقصير، علماً أنها تؤكد أن الاحتلال يمنع عملها في تلك المناطق.
قبل أسابيع، كان يفترض نقل المسن إدريس زاهدة من منطقة شارع الشهداء في البلدة القديمة من الخليل إلى مستشفى عالية الحكومي وسط مدينة الخليل لتلقي العلاج، لكن قوات الاحتلال أعاقت وصول سيارة إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني إلى هناك. ويتحدث زاهدة لـ "العربي الجديد" عن معاناته، قائلاً: "احتجتُ إلى سيارة إسعاف تنقلني إلى المستشفى، وكان عليّ أن أتواصل مع مقر الهلال الأحمر في رام الله وأعطيهم تفاصيل عن مكان إقامتي في شارع الشهداء، ليتواصل مع مركز الهلال الأحمر في الخليل وبعدها مع الصليب الأحمر والارتباط الفلسطيني، الذي بدوره يتواصل مع الجانب الإسرائيلي للسماح بوصول سيارة الإسعاف إلينا".
ما ذكره زاهدة يعكس الخطوات التي يتطلبها الحصول على موافقة الاحتلال لدخول سيارة إسعاف فلسطينية إلى المناطق المحاصرة في الخليل، وهي: تل أرميدة، شارع الشهداء، واد الحصين، واد الغروس، حارة جابر، حارة السلايمة، محيط المسجد الإبراهيمي، ويتبعها سماح الاحتلال أو منعه دخول سيارة الإسعاف عبر حاجزي شارع الشهداء وتل أرميدة في مقابل مستوطنة بيت هداسا المقامة على أراضي الخليل.
وعلى الرغم من امتلاك زاهدة هويّة زرقاء إسرائيلية، واتباعه إجراءات التنسيق اللازمة، إلا أن المستوطنين وبحماية جنود جيش الاحتلال أعاقوا وصول سيارة الإسعاف إليه لمدّة ساعتين من دون مبرر حقيقي، سوى أن زاهدة عربي فلسطيني كما أبلغه الجندي الإسرائيلي على الحاجز، ما شكّل خطراً على حياته إذ لم يكن يقوى على الحركة من جرّاء عملية جراحية في قدمه أجبرته على استخدام كرسي متحرك.
ويوضح منسق تجمع "المدافعون عن حقوق الإنسان" عماد أبو شمسية لـ "العربي الجديد"، أن "الاحتلال منع سيارات الإسعاف من دخول المناطق المغلقة أربع مرات منذ مطلع العام الجاري بحجة الظروف الأمنية، بالإضافة إلى أربع مرات أخرى أعاق فيها وصول سيارة الإسعاف كما جرى مع زاهدة". ويعمل تجمع "المدافعون عن حقوق الإنسان" على توثيق الانتهاكات الإسرائيلية بشكل مصور في مناطق البلدة القديمة بالخليل لإرسالها إلى الصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان الدولية في الأمم المتحدة، لفضح جرائم الاحتلال.
وما يزيد من تخوف سكّان المناطق المغلقة في الخليل القديمة، بحسب أبو شمسية، هو حدوث توتر أمني أو مواجهات في المناطق المذكورة، الأمر الذي تنجم عنه إصابات بين المواطنين من دون وجود وسيلة لإسعافهم، مشيراً إلى افتقار المنطقة إلى مراكز صحية باستثناء مركز واحد يعمل مرتين في الأسبوع ضمن ساعات محدودة، ويقدم خدمات طبية محدودة مثل توفير الأدوية.
ويتساءل أهالي المناطق المغلقة عن دور الجهات الرسمية في تقديم الخدمات اللازمة لهم لتعزيز صمودهم. ويقول زاهدة: "خاطبنا جميع المسؤولين ولم يتجاوب معنا أحد. أين وزارة الصحة؟ نحن مهمشون ورسالتي للمسؤولين الكبار النظر إلى أهالي شارع الشهداء كي لا يفقدونا بين يوم وليلة، وتصبح المنطقة فارغة".
ويعاتب منسق تجمع "المدافعون عن حقوق الإنسان" عماد أبو شمسية، في حديثه لـ "العربي الجديد"، الجهات المختصة بما فيها محافظة الخليل، ومجلس الوزراء، وإقليم حركة فتح، وبلدية الخليل، قائلاً: "اجتمعنا معهم مرات عدة وطالبنا بتوفير إسعاف أولي على مدار الـ 24 ساعة لخدمة المواطنين، بالإضافة إلى توفير مركز صحي أو طاقم طبي في حارة جابر وتل الرميدة لكن من دون استجابة".
وتفيد جهات رسمية بأنها تصطدم بمنع الاحتلال لها من القيام بمهامها. ويقول رئيس وحدة البلدة القديمة في محافظة الخليل خليفة القواسمة: "نصدر قرارات داعمة لصمود الناس، لكننا نصطدم بمنع الاحتلال بذريعة الوضع الأمني، وما نستطيع تقديمه للناس نقدمه. وهذه المناطق ليست خاضعة لسيطرتنا لتقديم الخدمات اللازمة. مع ذلك نقدم ما تيسر". وعن مطالب سكان البلدة حول زيادة أيام عمل المركز الصحي وتوفير مراكز أخرى، يقول القواسمة إن "الأمر مرتبط بالوضع السياسي العام. وباعتقادي، فإن عمل المركز الصحي يومين يعتبر جيداً نوعاً ما، ونحن نتواصل مع وزارة الصحة لزيادة الأيام. مع ذلك، يعمل الاحتلال على عرقلة وصول الأطباء إلى المناطق المغلقة. أوراق الضغط التي تملكها محافظة الخليل محدودة". ويقول القواسمة: "ما نملكه الآن هو التواصل مع الصليب الأحمر الدولي والمؤسسات الحقوقية المعنية بالموضوع عبر الارتباط الفلسطيني".