لا يتردد العمال الكادحون في العراق في السير على طريق المهن الخطرة لضمان المستلزمات المعيشية لعائلاتهم، حتى من دون توفر أي ضمانات لمواجهتهم مخاطر الإصابات وتعويضها في حال حصلت، وأثرت على حياتهم، فمحاولة كسب القوت اليومي وتدبير أبسط الاحتياجات هي الهدف الأول لشريحة ليست فقط كبيرة، بل تزداد وتنتشر في مختلف مدن البلاد.
فعلياً يزاول العمال في القطاع الخاص مهنهم في ظل افتقادهم الحماية القانونية لتعويضهم مع أسرهم في حال تعرضهم لإصابات أو وفاتهم، أما شاغلو الوظائف الحكومية فحالهم مختلفة إذ يضمنون دوام مواردهم المالية ورواتب التقاعد، لذا يسعى الشباب في شكل حثيث إلى الحصول على وظائف في القطاع العام.
يشدد عمال لا يتمتعون بمهارات كبيرة على أنهم مضطرون إلى العمل في مهن مختلفة لدعم عائلاتهم مادياً. ويقول أحدهم ويدعى خليل عباس لـ"العربي الجديد": "تخرجت من كلية اللغات قبل ثلاثة أعوام، والحال المالية لعائلتي صعبة جداً إذ تواجه كمّاً من الديون، ما ألزمني مع شقيقتي بالعمل لإعانتها تحديداً منذ أن فقد والدي عمله إثر سقوطه من مرتفع خلال عمله داخل مصنع خاص لصنع مواد البلاستيك، وعدم حصوله على تعويض أو راتب تقاعدي". يضيف: "تعرضت لإصابات عدة جعلتني بعضها أرقد في المنزل لأيام. لا أملك أي ضمان صحي أو مادي، لذا أسعى جاهداً إلى الحصول على وظيفة في الدوائر الحكومية".
عموماً يلاحظ من يتجول في شوارع العراق وأماكن العمل المختلفة، ببساطة وسهولة، المخاطر التي تواجه الأشخاص الذين يعملون في القطاع الخاص، فغالبيتهم لا يلتزمون بأبسط إجراءات السلامة، ولا تتوفر لكُثر منهم الوسائل التي تحميهم من التعرض لإصابات، ما يجعل حياتهم مهددة.
ويتحدث همام الجحيشي لـ"العربي الجديد" عن تعرضه لإصابات في قدميه ويديه، ويعرض آثار جرح عميق في ساقه منذ سنوات، ويقول: "لا أستطيع أن أحصي عدد الإصابات التي تعرضت لها في عملي، لكن أكثرها خطورة كانت ستا خلال عملي في صب قوالب الإسمنت في البناء". يضيف الجحيشي الذي يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، ويرأس فريقاً يضم ثلاثة عشر شخصاً: "أرتدي حذاءً واقياً وخوذة ومعدات حماية أخرى، وأزوّد عمالي بالمعدات ذاتها، لكن الإصابة أثناء العمل واردة في مهنتنا حتى إذا تزود العامل بكل معدات الوقاية، فعدم الانتباه قد يجعله يسقط من ارتفاع عالٍ، أو يرتطم بآلة أو ماكينة. ويندر أن يمر يوم عمل من دون حصول إصابات، فيما لا يوجد ما يضمن حقوق أصحاب العمل أو العاملين لديهم، فهذا يتطلب وضع قانون يحفظ حقوق الجميع في شكل يتناسب مع مصالح العمال وأصحاب العمل".
وفي فصل الصيف، يلاحظ أنّ أصحاب عمل كُثراً لا يأخذون حالات الطقس السيئة في الحسبان على صعيد ارتفاع درجات الحرارة. ويشرح الطبيب في مركز صحي جنوبي بغداد، أحمد المعيني، لـ"العربي الجديد" أن "حالات الإصابة بضربة الشمس تزداد في شكل كبير في فصل الصيف، وغالبيتها لعمال لا يلتزمون وسائل الوقاية، ويمارسون مهنهم تحت أشعة الشمس الحارقة".
ولا إحصاءات دقيقة لعدد إصابات العمل في العراق، لكن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أفادت في بيان صحافي نشرته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بأن أكثر من 580 إصابة عمل لحقت بعمال خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2021 في أنحاء العراق. وأشارت إلى أنّ هذه الحالات تعكس افتقار معظم الأنشطة الاقتصادية إلى إجراءات السلامة.
ويعلّق محمد المشهداني الذي يملك شركة لمقاولات البناء على بيان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالقول لـ"العربي الجديد" إن "عدد الإصابات الذي أورده البيان "يظل أقل من عدد الإصابات التي تحدث لعمال في مشروع واحد سنوياً".
يتابع: "ضم أحد المشاريع الكبيرة التي عملت فيها شركتنا مع مؤسسات مقاولات أخرى أكثر من 700 عامل. وكان يقع بين 10 حوادث و30 حادثاً يومياً تتراوح بين خفيفة ومتوسطة وقوية. ويبقى الحل الوحيد لخفض عدد الإصابات إلى مستوى طبيعي تطبيق قانون يفرض بالقوة على الجهات المسؤولة عن العمال، ويضمن توفير أجواء سليمة في العمل، ووقاية تامة للعمال وتأمين ضمان صحي واجتماعي لهم".
وبين أكثر أماكن العمل خطورة معامل "الطابوق" (الطوب). يقول شهاب محسن (42 عاماً) لـ"العربي الجديد": أعمل في مصنع طابوق بدائي، وأتعرض لسموم أستنشقها من عملية حرق الطابوق لتجهيزه، ما أصابني بالتهابات في الصدر بسبب استنشاق الدخان". يتابع: "يستغل مالك المصنع العمال، في حين لا يتوافر عمل آخر لنا لكسب أجورنا اليومية. نعاني من أمراض عدة نتيجة عملنا. أصيب كُثر بالسرطان وأمراض فتاكة أخرى، وتوفوا بسببها".
ومنذ سنوات طويلة، يسعى مشرعون الى تمرير قانون جديد للضمان الاجتماعي يشمل شرائح واسعة من العمال في المهن، وكل النشاطات الاقتصادية الخاصة بالضمان الاجتماعي. ويوضح وزير العمل والشؤون الاجتماعية العراقي عادل الركابي أن القانون الجديد يحدد الحد أدنى لتقاعد العامل في القطاع الخاص بما لا يقل عن 350 ألف دينار عراقي (290 دولاراً)، وينص على أن الراتب التقاعدي يستحق إذا قدم العامل الرجل خدمة تخضع لقانون الضمان لمدة 30 عاماً، وبلغ الـ50 من العمر وما فوق، والعامل المرأة خدمة تخضع للضمان لمدة 25 سنة وتكون بلغت الـ50. كما ينص على إحالة المرأة إلى التقاعد في أي سن إذا كان لديها ثلاثة أطفال، وعملت 15 سنة.
ويحدد القانون العمر التقاعدي بـ63 سنة بالنسبة إلى الرجل الذي لديه 15 سنة خدمة، و58 سنة بالنسبة إلى المرأة. وكان قانون العمل القديم اعتمد دفع العامل قيمة 5 في المائة من أجره، ودفع رب العمل 12 في المائة من أجر العامل لدعم تعويض نهاية الخدمة، في حين يبلغ الراتب التقاعدي لعامل القطاع الخاص 200 ألف دينار (137 دولاراً)، والقطاع العام بين مليون دينار (700 دولار) ومليون ونصف مليون دينار (1000 دولار).