عادت قضية النفايات إلى الواجهة في لبنان، لتهدّد بتراكم آلاف الأطنان في شوارع العاصمة وأحياء الضاحية الجنوبية لبيروت، بالإضافة إلى أقضية كسروان والمتن وبعبدا والشوف وعاليه (أقضية تابعة لمحافظة جبل لبنان)، بعد تمنّع شركتَي جمع النفايات "سيتي بلو" و"رامكو" عن مواصلة عملية الكنس والجمع في المناطق والأقضية المذكورة، وبالتالي نقل النفايات إلى المكبّات. الأمر الذي دفع ببعض البلديات إلى تولّي هذه المهام وسط إمكانياتٍ خجولة، في حين تراكمت النفايات في بلداتٍ أخرى، ما ينذر بأزمةٍ داهمة تعيد مشهد تكدّس النفايات مع حلول فصل الشتاء، وتزيد من وطأة الرضوخ لـ"رحمة" الدولار والمصارف اللبنانية.
وكانت شركة "رامكو"، لجمع النفايات ضمن نطاق بيروت وقضائي المتن وكسروان، قد لحقت بنظيرتها "سيتي بلو"، المسؤولة عن جمع النفايات في الضاحية الجنوبية لبيروت و أقضية بعبدا والشوف وعاليه، إذ أعلنت أنّها "لم تعد قادرة على الاستمرار بعملياتها إذا لم تعمد الدولة إلى تسديد مستحقاتها بالدولار الأميركي وفقاً للعقد الموقّع، كي تتمكّن من تسديد ديونها المصرفية الناجمة عن شراء المعدات، وكذلك التزاماتها وكلفتها التشغيلية".
واستقبل وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال، غازي وزني، اليوم، وفداً ضمّ النائبين أمين شري وفادي علامة برفقة رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، محمد درغام، وممثلين عن الشركات المتعهدة كنس النفايات وجمعها، وأوضح النائب شري عقب اللقاء، أن أزمة النفايات في الضاحية الجنوبية "استدعت عقد اجتماع عاجل مع الوزير بحضور المتعهدين. المشكلة الأساسية تتمثل في تحويل الحوالات المالية من الدولار إلى الليرة. طُرِحَت اقتراحات وافق الوزير على تبني أحدها، وسيتولى نقلها إلى حاكم مصرف لبنان لاتخاذ الإجراءات، والمتعهدين التزموا بمباشرة أعمالهم ليل اليوم الإثنين".
من جهتها، أعلنت وزارة المالية أنها ستحوّل إلى مصرف لبنان 50 في المائة من قيمة عائدات البلديات واتحاد البلديات من الصندوق البلدي المستقل عن عام 2018.
وأكد رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، محمد درغام، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "الاتحاد يتولّى حالياً إزالة النفايات من كل شوارع الضاحية على نفقته الخاصّة، حيث يتمّ نقلها إلى معمل الفرز في العمروسية (مدينة الشويفات، جنوب بيروت)، ومن ثمّ إلى مطمر "الكوستابرافا"، لكنّنا غير قادرين على الاستمرار بهذا الوضع مدةً طويلة". ويقول: "حتّى لو كنّا نملك بعض الأموال في المصارف، فقد خسرت قيمتها الشرائية الفعلية. كما أنّ أيّ مقاول نريد استئجار الآليات منه، سيحتسب الدولار على سعر الصرف في السوق السوداء، ما يعني تكلفة باهظة، ناهيك عن مصادرة مستحقاتنا وحقوقنا كبلديات".
ونبّه درغام إلى أنّ "الضاحية الجنوبية تضم نحو 22% من سكان لبنان، وفي حال لم نرفع النفايات يوماً واحداً فقط، سوف تُغلق الشوارع الممتدة على مساحة 17 كيلومترا مربعا، ولا سيما أنّنا نعتمد على آليات غير مؤهلة تقنيّاً، ولا نستطيع احتواء الكميات الناتجة"، مناشداً "الدولة أن تتحمّل مسؤوليّاتها، والمواطنين والمقيمين أن يخفّفوا بدورهم من كمية النفايات".ويسأل: "هل يجوز للدولة أن تحوّل عقد المقاول من الدولار إلى الليرة اللبنانية؟ وماذا لو كان المقاول شركة أجنبية؟ هل كانوا سيدفعون له بالعملة الوطنية؟".
وكشف رئيس المكتب الإعلامي في بلدية الشويفات طارق أبو فخر أنّ"النفايات لا تزال تتكدّس في مدينة الشويفات لليوم الرابع، إذ فاقت الألف طن حتى الساعة. وقد سعى رئيس البلدية مع الشركة المعنيّة كي يتم استثناء المدينة، كونها تضم مفرزاً للنفايات و"مطمر الموت" في الكوستابرافا، كما أنّها تتحمّل نفايات لبنان بأكمله ويتنشّق أهلها روائح الموت، غير أنّ الشركة أفادتنا بأنّها تحت خط الخسارة ومدفوعاتها بالدولار".
وأضاف لـ"العربي الجديد": "نحن كبلدية لا يمكننا أن نحلّ مكان الدولة، خصوصاً أنّ مستحقاتنا منذ عام 2017 لا تزال حبراً على ورق، وبالكاد نستطيع دفع رواتب الموظّفين، حتّى أنّ البلدية باتت عاجزة عن تقديم أصغر الخدمات في ظلّ التحديات التي تطرحها جائحة كورونا، حيث سجّلت المدينة إصابات بالمئات، وإمكانيات خلية الأزمة ضئيلة، فكيف سنتمكّن من رفع النفايات؟!". ويأسف كون "الدولة لا تتذكّر مدينتنا إلا عند اختيارها كمكب للنفايات، علماً أنّها تضمّ أكثر من 700 ألف مواطن، وتُعدّ مقصداً للتجار والقاطنين، وشرياناً حيويّاً للبنان والعاصمة".