تزيد هشاشة النظام الصحي مخاوف السودانيين من مخاطر الموجة الثالثة لفيروس كورونا، والتي تسببت في زيادة أعداد الإصابات والوفيات خلال الأسابيع الأخيرة.
ورفعت السلطات المحلية في ولايتي الخرطوم والجزيرة، إلى اللجنة العليا للطوارئ الصحية توصية بتطبيق إغلاق جزئي بعد اكتشاف إصابات بين التلاميذ والمعلمين. لكن اللجنة اكتفت بفرض إجراءات من بينها ارتداء الكمامة والتعقيم والتباعد الاجتماعي في المؤسسات، والمدارس، ووسائل النقل العامة، وأماكن التجمعات.
وكشفت جولة لـ"العربي الجديد"، داخل عدد من مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص، وعدد من شوارع العاصمة الخرطوم، عن تجاهل غالبية المواطنين لتلك القيود.
ويعاني النظام الصحي السوداني من عدم القدرة على استقبال جميع المصابين، ولا يوجد في ولاية الخرطوم على سبيل المثال، سوى 138 سريراً داخل 3 مراكز للعزل، والأوضاع أسوأ في بقية الولايات. وتسعى السلطات إلى إنشاء مراكز جديدة، وتوسعة وتطوير المستشفيات القائمة، ومنها مستشفى السلاح الطبي بمدينة أم درمان، ومستشفى بحري، ومستشفى سوبا.
كما تواجه المستشفيات مشكلات في توفر الأدوية، ونقص الأوكسجين، بالإضافة إلى نقص أعداد الأطباء والكوادر الطبية نظراً إلى الرواتب الزهيدة وبيئة العمل الطاردة.
وحصل السودان على نحو مليون جرعة لقاح حتى الآن، من بينها 828 ألف جرعة عبر مبادرة "كوفاكس" التي تشرف عليها منظمة الصحة العالمية، و250 ألف جرعة من الحكومة الصينية، وخصصت كلها لتطعيم الكوادر الطبية وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
وتتوقع مديرة تعزيزالصحة بولاية الخرطوم، الطبيبة هبة حسين، تداعيات سيئة للموجة الثالثة، خاصة في ظل إنكار كثير من السودانيين لوجود الفيروس، مشيرةً إلى أن السلالات الجديدة أكثر شراسة، وأخطر من ناحية الأعراض، مع عدم تولد مناعة في جسم الإنسان على المدى الطويل، ما يؤشر إلى احتمال إصابة الشخص بـ"كوفيد-19" أكثرمن مرة.
تضيف حسين لـ"العربي الجديد"، عبر الهاتف من فراش إصابتها بكورونا، أن "الوضع الحالي سيئ جداً، والأرقام التي تعلنها وزارة الصحة لا تغطي الواقع كاملاً لعدم تبليغ كثيرمن المصابين، أو اكتفائهم بأخذ العلاج في المنزل، مع ضعف الإمكانات"، مستشهدة بعدم وصول فرق وزارة الصحة إليها إلا بعد 3 أيام من تبليغها. كما لم تظهر نتيجة الفحص إلا بعد 3 أيام أخرى، وعليه فإن "إغلاق الخرطوم هو الحل الأنسب لوقف التصاعد اليومي للإصابات بالرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي لا تسمح للمواطنين بالبقاء في منازلهم".
يتفق الطبيب وليد محمد سليمان، مع ما ذهبت إليه الطبيبة هبة حسين، لافتاً إلى أن "السودان قد يشهد كارثة حقيقية نتيجة الموجة الثالثة". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "السلطات الصحية لم تقم بأسهل مهمة في الحرب ضد كورونا، وهى تكثيف حملات التوعية، خاصة بين المواطنين الذين يتجاهلون إجراءات وتدابيرالوقاية، ويحدث ذلك داخل المؤسسات الحكومية التي يفترض أن تكون القدوة، ما يتوقع معه استمرار تزايد معدلات الإصابات والوفيات خلال الأسابيع المقبلة إذا لم تتدارك الحكومة الوضع". أضاف سليمان أن القرارات الأخيرة "غيركافية، ولا تأخذ طابع الإلزام. ينبغي سن قانون لفرض التدابيرالوقائية يشمل فرض عقوبات على المخالفين كما يحدث في كل بلدان العالم".
من جهته، يرسم مدير إدارة الصيدلة والسموم بمحلية الخرطوم، الطبيب مجدي طه، صورةً قاتمةً للوضع الدوائي المرتبط بفيروس كورونا في العاصمة، وفي البلاد عموماً. ويشير إلى نقص كبير في أدوية أساسية، بما في ذلك محلول "بانادول" الذي يستخدم في تخفيف آلام كوفيد-19، والذي تبحث عنه أسرالمرضى في الصيدليات الخاصة، ويباع بأسعار تصل إلى 6 آلاف جنيه سوداني (نحو 16 دولاراً)، و يحتاجه المصاب 3 مرات على الأقل يومياً، فضلاً عن اختفاء المحاليل الوريدية العادية، وارتفاع سعرها إلى نحو 300 جنيه (دولار واحد تقريباً).
ويحذر طه من أن يؤدي نقص الدواء إلى زيادة حالات الوفاة، أو مشكلات صحية للمرضى، محملاً المسؤولية لوزارة الصحة التي "لم تفعل شيئا ملموسا لمواجهة الموجة الثالثة، والقرارات الحكومية الخاصة بالتدابير الاحترازية لا يتم تطبيقها بصرامة"، مشيراً إلى الحاجة إلى توزيع الكمامات مجاناً على كل المؤسسات، خصوصا وأن الحكومة حصلت على كثير منها عبر تبرعات دولية.
وفي مؤتمرصحافي سابق، راهن وزيرالصحة، عمرالنجيب، على ارتداء الكمامات والتباعد الإجتماعي كوسيلة ناجعة لتجنب زيادة الإصابات، مبيناً أن الوزارة أوصت بتخفيض عدد العاملين في الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة إلى أقل عدد ممكن، وإعفاء كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة من الحضور، وتوزيع الكمامات مجاناً في المدارس.
وأشار النجيب إلى المرحلة الأولى من التطعيم التي استهدفت الأطباء والكوادر الطبية وكبار السن عبر 47 مركزاً بولاية الخرطوم، ثم توجه فرق التطعيم إلى ولاية الجزيرة المتاخمة، باعتبارها ثاني أكبر ولاية من حيث انتشار الوباء بعد العاصمة، لتشمل الحملة لاحقا ولايات البحر الأحمر وشمال دارفور، نافياً وجود أي اتجاه في الوقت الراهن لفرض الإغلاق التام أو الجزئي، أو تعليق الدراسة في المدارس والجامعات.
وقال مسؤول اللقاحات بوزارة الصحة، عبد الملك الهدية، إن السودان يتوقع وصول 8.6 ملايين جرعة من اللقاحات المقدمة من منظمة الصحة العالمية عبرمبادرة "كوفاكس"، وإن التركيز سيكون على الكوادر الطبية لأنهم الأكثرعرضة للإصابة، وسبق أن قتل الفيروس 60 طبيباً خلال الموجتين الأولى والثانية، مؤكدا أن البلاد لن تصل إلى حالة المناعة إلا بعد تطعيم 65 في المائة من المواطنين.